تفجرت أزمة خطيرة عقب إعلان وزارة الصحة قرارها بغلق مستعمرات الجذام في منطقتي الخانكة والعامرية ما أحدث حالة من الذعر بين المرضى والمجتمع المحلي حول مصير هذه الأراضي التي قد تُعرض للاستثمار أمام مستثمرين أجانب.
تتصاعد التساؤلات حول نوايا الوزارة في التعامل مع هؤلاء المرضى الذين يرزحون تحت وطأة التهميش الاجتماعي، وأين ستذهب بهم خطط التطوير المقبلة.
توترت الأوضاع بعد تسريب تفاصيل من مصادر في وزارة الصحة كشفت عن نية الوزارة في التعاون مع وزارة الإسكان من أجل تحويل المستعمرات إلى مجتمع عمراني متكامل يضم مستشفيات ومناطق سكنية ومدارس.
في الوقت ذاته، اعترض بعض المرضى في مستعمرة الخانكة على هذا القرار وخرجوا في احتجاجات مطالبين بالعدول عن القرار، وهو ما يكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها هذه الفئة المهمشة.
تزايدت المخاوف بشأن محاولات الوزارة تحويل المستعمرات إلى مشروع استثماري، مما يعرض المرضى لمخاطر جديدة. جددت هذه التطورات الأمل في قلوب بعض المرضى في الوصول إلى حياة جديدة بعيدًا عن العزل القسري في أماكن نائية، ولكنّها في الوقت نفسه أثارت قلق البعض الآخر الذين يعتبرون المستعمرات ملاذًا آمنًا لهم، خصوصًا وأنهم يعتمدون على خدمات المستشفى في تلبية احتياجاتهم الصحية والعيش في محيط من الأمان الاجتماعي.
أوضحت مصادر مطلعة في وزارة الصحة أن الهدف الأساسي من غلق المستعمرات هو دمج المرضى المتعافين والمقيمين في المجتمع المحلي، مؤكدة أن الجذام لم يعد مرضًا معديًا كما كان في السابق.
أظهرت تصريحات الوزارة تطورًا إيجابيًا في التعامل مع مرضى الجذام على مستوى العلاج والعناية الطبية، حيث لم تعد هناك حاجة للعزل بسبب وجود العلاجات الحديثة التي تقضي على المرض خلال فترة قصيرة.
وبحسب هذه التصريحات، لا يُستقبل مرضى الجذام في المستعمرات بعد الآن، بل تتم معالجتهم في أقسام الأمراض الجلدية بالمستشفيات، ما يعكس تحولًا جذريًا في علاج هذا المرض الذي كان يُنظر إليه بنظرة سلبية.
بغض النظر عن التصريحات الرسمية، لا تزال القضايا المعلقة غير واضحة حول مستقبل المرضى الذين سيتم إخراجهم من المستعمرات.
تقول وزارة التضامن الاجتماعي إنها ستتعاون مع المجتمع المدني لتوفير سبل الرعاية الاجتماعية للمرضى والمتعافين، بما في ذلك تقديم معاشات شهرية لهم حال خروجهم من المستعمرة.
ولكن هذا الإجراء يثير تساؤلات حول مدى فعاليته في حماية المرضى الذين لا يمتلكون القدرة على العمل أو التكيف مع الحياة في المجتمع بعد سنوات طويلة من العزل.
فيما يتعلق بالمستقبل العمراني للمستعمرات، أكد المصدر نفسه أن الوزارة تهدف إلى هدم المستشفيات القديمة ذات الطابق الواحد واستبدالها بمستشفيات جديدة مجهزة وفقًا لأحدث المعايير الطبية.
بالإضافة إلى ذلك، سيجري استغلال أراضي المستعمرات لبناء مجتمعات سكنية ومدارس تخدم المواطنين المحليين، وهو ما يزيد من احتمالات بيع هذه الأراضي للمستثمرين في المستقبل.
وتواصل الوزارة توجيه الاتهامات لمنتقدي الخطة، مؤكدة أن هناك نية مبدئية لعدم طرح الأراضي للاستثمار، لكن الموقف لا يزال غامضًا بشأن هذا الجانب.
انشغل الرأي العام بتفاصيل خطة الوزارة بعد نشر مصادر خاصة عن رغبتها في طرح الأراضي الخاصة بمستعمرات الجذام أمام المستثمرين، وهو ما أضفى بُعدًا جديدًا للجدل القائم. أصدر المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، حسام عبد الغفار، بيانًا رسميًا نفى فيه بشكل قاطع أن يكون هدف غلق المستعمرات هو عرض أراضيها للاستثمار.
أشار عبد الغفار إلى أن جميع مستعمرات الجذام في العالم قد أُغلِقت بسبب التطور الطبي الذي قضى على إمكانية انتقال العدوى، معتبرًا أن كل مريض يتلقى العلاج يصبح غير معدٍ خلال أشهر معدودة. رغم هذه التصريحات، فإن الشكوك لا تزال تحيط بنوايا الوزارة حول استغلال الأراضي.
إلى داخل المستعمرات، تزايدت الاحتجاجات من المرضى، حيث رفضوا مغادرة المكان الذي عاشوا فيه طوال سنوات طويلة، مشيرين إلى أن مستعمرات الجذام كانت بمثابة ملاذ آمن لهم في مواجهة المجتمع الذي يعاملهم بعنصرية وتجاهل.
شدد بعض المرضى على أن إعلان وزارة الصحة الأخير لم يطمئنهم بل أثار المزيد من القلق، خاصة بعد أن أوضحت الوزارة أن الهدف من غلق المستعمرات ليس التخلص من المرضى بل إعادة توطينهم في أماكن سكنية أخرى. فيما بدا أن موقفهم يزداد تعقيدًا، مع عدم وضوح تفاصيل البدائل المقدمة لهم.
إن مصير مستعمرات الجذام في الخانكة والعامرية يظل معلقًا بين أيدي وزارة الصحة، التي تواجه ضغوطًا متزايدة من جميع الأطراف.
بين الرغبة في تطوير المجتمعات المحلية وبين حماية حقوق المرضى الذين أصبحوا في موقف ضعيف، يبدو أن الصراع حول هذه المستعمرات سيمتد لأشهر قادمة، محاطًا بالغموض والشكوك التي قد تؤدي إلى أزمات اجتماعية طاحنة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط