أخبار عاجلة

 أحمد عبدالمتجلي يكتب: العمل الثقافي .. الضعف و المخاطر

جاءت ملفات الفساد المالي و الإداري بالهيئة العامة لقصور الثقافة – خاصة بفروع إقليم وسط الصعيد الثقافي – والتي كشفها موقع ( أخبار الغد ) – تأكيدا على عناصر الضعف، و المخاطر التي يتعرض لها العمل الثقافي، و التي فصلتها بوضوح ( استراتيجية المنظومة الثقافية للدولة 2030)، و الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية.

فقد أكدت الاستراتيجية على أن : ” العمل الثقافي في مصر يواجه أزمة حقيقية ولا يمكن أن نعزى السبب في ذلك الى وزارة الثقافة وحدها وإنما إلى بقية مكونات صنع الثقافة في المجتمع المصري.

ولهذا أصبحت المؤسسات الثقافية الرسمية تواجه مجموعة من المشكلات وجوانب الضعف الحقيقية بالإضافة إلى وجود تهديدات تشكل خطرا حقيقيا على العمل الثقافي..” .

و رصدت الاستراتيجية – التي أعدها مجموعة من الخبراء – أهم عناصر الضعف و المخاطر التى يتعرض لها العمل الثقافي، منها:

  • تدنى الخدمات الثقافية فى جودتها و فاعليتها؛ حيث أرجعت الاستراتيجية ذلك إلى:” عجز الدولة عن الوفاء بالدعم الكامل للأنشطة الثقافية في كافة المؤسسات ، وانسحابها تدريجيا من مجال دعم الصناعات الثقافية الثقيلة كالسينما والمسرح والموسيقى ، ومع عدم وفاء الميزانية بمتطلبات العمل الثقافي المتغيرة والمتجددة على مر الزمن ، تدنت الخدمات الثقافية في جودتها وفعاليتها”.
  • تفاقم الفجوات الثقافية،” نتيجة لذلك اتسعت الفجوات الثقافية بين الدولة والمجتمع تدريجيا بحيث وصلت الى أقصاها في السنوات الأخيرة وبدا ذلك واضحا في الفجوة بين الوظيفة الثقافية والوظيفة الاقتصادية للدولة . حيث تغيرت توجهات الدولة الاقتصادية منذ منتصف السبعينيات وانتقلت مصر إلى الاقتصاد الحر .. وبدت هناك فجوة أخرى بين الوظيفة الثقافية والوظيفة السياسية للدولة منذ أن اتجه النظام السياسي الى التعددية السياسية، حيث ظلت المؤسسات الثقافية تعمل بنفس أفق النظام السياسي ذو الحزب الواحد. وتجلى ذلك في استمرار هيمنة الدولة على بعض المؤسسات الثقافية واستبعاد المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة من العمل الثقافي المشترك في بعض المؤسسات الحكومية.. بل طغت مشكلات الدعم الاقتصادية على مضمون الخدمات الثقافية المدعومة ، وهذا واضح فى ضعف التمويل ، وتدنى جودة الخدمة الثقافية وانصراف كثير من الناس عنها ، واتساع الفجوة بين السياسات العامة للدولة والمجتمع”.

و أوضحت الاستراتيجية أن:” هناك دلائل كثيرة على استمرار سيطرة النزعة القبلية والعشائرية والعرقية فى كثير من المناطق الريفية والحدودية وعجز الدولة عن بسط سيادتها وقوانينها المدنية ونشر ثقافة الدولة المدنية في تلك المناطق. وهناك شواهد تعبر عن شيوع ثقافة التطرف والتعصب وعدم احترام الآخر وكراهية الأجانب وعدم التوافق على حد أدنى من القيم الإيجابية المعززة للتنمية”.

و أشارت الاستراتيجية إلى : ” وجود فجوة كبيرة بين القيم المهيمنة على تصميم السياسات العامة للدولة من ناحية، والقيم التي يتبناها غالبية الفئات الاجتماعية من ناحية أخرى. يحدث ذلك في ظل عدم اكتراث المؤسسات الثقافية بمعالجة هذه الفجوة.

كما تعمل المؤسسات الثقافية بمعزل عن المواطنين وفي المقابل انصرف كثير من المواطنين عن ممارسة الانشطة الثقافية الجماهيرية التي تديرها الدولة. وبالتالي فقدت تلك المؤسسات تأثيرها على غالبية الناس..”.

و نوهت الاستراتيجية إلى أنه ” بلغت عزلة المؤسسات الثقافية عن الناس وبالأخص الشباب أقصى مداها قبل وأثناء وبعد الاحتجاجات المرتبطة بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، وما تزال العزلة قائمة في ظل غياب سياسات ثقافية واضحة.. وازداد الوضع سوءا بتضافر عاملي الأمية، والفقر وكلا العاملين نذير خطر داهم على الوضع الثقافي العام..”.

  • الخلل المؤسسي، حيث أبرزت الاستراتيجية” أن المؤسسات الثقافية تعانى الآن من مواضع كثيرة للخلل تحول دون قدرتها على تقديم منتج ثقافي جيد. وفيما يلي أهم مواضع الخلل المؤسسي التي تحتاج إلى إعادة نظر :
  • هدر الموارد المالية في أنشطة ثقافية لا تصل إلى الجمهور العام .. وأغلب ما ينفق على النشاط الثقافي يتعرض للهدر الشديد نتيجة سوء الإدارة الثقافية ، في إنتاج ثقافي غير جاذب للجمهور.
  • تداخل الوظائف بين مؤسسات وزارة الثقافة بصورة لافتة. حيث تتعدد الهيئات والقطاعات التي تقوم بنشر الكتب والمجلات دون أي تنسيق ، وتتعدد القطاعات والهيئات المنتجة للأعمال السينمائية والمسرحية والعروض الفنية الاستعراضية دون تنسيق أيضا.
  • هناك توزيع غير عادل للموارد الثقافية والمواقع الثقافية على المستوى الجغرافي بين مختلف المحافظات . وما تزال القاهرة والمحافظات الحضرية وعواصم المحافظات تستأثر بالنصيب الأوفر من الامكانيات المادية والفنية للعمل الثقافي. وهو الأمر الذي يتناقض كل التناقض مع مبدأ العدالة الثقافية التي نص عليها الدستور.  
  • “هناك بيروقراطية قديمة وعتيقة معتمدة على عدد كبير من العاملين  منهم 17 ألف موظف في الهيئة العامة لقصور الثقافة وحدها ، وأغلب هؤلاء العاملين يعانون من نقص القدرات الفنية والإدارية للعمل الثقافى الجيد ولديهم توجهات معادية للعمل الثقافي الإبداعى(!!) وتوجهات مناوءة لأى حراك وظيفى للشباب(!!) .. وتعانى البيروقراطية من بطء شديد في الأداء وضعف في القدرة على اتخاذ القرار بما يساهم في وجود بيئة مواتية لتفشي الفساد والمخالفات القانونية الجسيمة “.
  • تعانى وزارة الثقافة من ضعف شديد في البنية التكنولوجية المعلوماتية ، فأغلب العاملين لا يجيدون استخدام الكمبيوتر وتفتقد نظم الإدارة في المؤسسات الثقافية للتشبيك والذاكرة المؤسسية ، ولا توجد مراكز معلومات ولا آليات لانتاج جيد للمعلومات والبيانات الدقيقة والدورية التي يمكن أن تفيد صناع القرار في كافة المؤسسات والقطاعات بالوزارة..”.
  • ضعف المنتج الثقافي، أكدت الاستراتيجية على أنه هناك ضعف شديد في المنتج الثقافي والفني ، وعدم وصول منتجات الفنون إلي كل أنحاء مصر. كما تخلت وزارة الثقافة لسنوات عن العمل الجاد في الأقاليم .. فاختفت فنون الفلاحين والحكي الشفاهي في الصعيد ولم يبق من رواة السيرة الهلالية أحد على قيد الحياة تقريبا. وقد تخلت الدولة عن السينما منذ السبعينات فتركتها نهبا لتجار السوق الذين يسعون وراء الربح وحده ، متميزين برداءة بضاعتهم واستغلالهم لجوع الجمهور النفسي وكبته الجنسي فانتشرت سينما المقاولات المبتزلة. وبدلا من أن تصبح السينما محفزا على الارتقاء الإنساني ودافعا إيجابيا على التفكير النقدي والعمل الخلاق أصبحت مخدرا اجتماعيا واستنزافا للموارد ومصدرا النشر القيم السلبية في المجتمع” .
  •  قصور مفهوم التنمية البشرية فى السياسات العامة للدولة، تسيطر على السياسات العامة أفكار تنموية تختزل النهوض بالمجتمع في تحقيق النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية البشرية بالتركيز على صحة البشر وتعليمهم وتشغيلهم دون أي اعتبار للثقافة في حياة البشر. وقد تسبب ذلك في إهمال البعد الثقافي في التنمية وعدم استيعاب الدور الذي يمكن ان تحققه المؤسسات الثقافية في تحقيق التنمية البشرية وبناء رأس المال البشرى والاجتماعي.

لقد عشنا طويلا تحت وهم أن الثقافة تقع في الذيل من منظومات التقدم ومخططات التنمية التي فشلت كلها لأسباب متعددة أهمها في تقديري هذا الجهل الراسخ لدور الثقافة (بمعناها العام في تنشيط وتسريع خطى التنمية. إن الثقافة هي المرادف للوعى المجتمعي بأكثر من معني. وإذا تركنا هذا الوعى أسيرا لأفكار متخلفة، أو قيم اجتماعية قمعية؛ فالنتيجة الحتمية هي عجز هذا الوعى عن الاستجابة إلى أى مشروع للتنمية البشرية، وتقاعسه عن الإسهام فى أى إنجاز يؤدى إلى تقدم حقيقي.

وعلينا أن نأخذ من تخلفنا الذي تطاولت عقوده حافزا خلاقا على انطلاق غير مسبوق نحو آفاق واعدة . والبداية هي الاهتمام بالوعي المجتمعي الذي يرادف الثقافة بمعناها الواسع الذى يتغلغل ويؤثر في كل جانب من جوانب المجتمع، ابتداء من كيفية احترام وسائل النفع العام وانتهاء بكيفية إدراك الجمال وتذوق الفن الرفيع، وليس الفن الهابط الذي أشاعه الجهل والفساد والانحدار الفاجع في مختلف أنواع القيم التي غادرتها معانى الحق والخير والجمال.

ومن المتوقع مع استمرار تخلى التفكير التنموى عن البعد الثقافي لدى صناع القرار أن يشكل ذلك خطرا حقيقيا على جهود التنمية من ناحية ، وعلى الأنشطة الثقافية التي يمكن أن تساهم في تعزيز التنمية من ناحية أخرى”.

  • غلبة العقلية الاقصائية على إدارة المؤسسات الثقافية، و لاحظت الاستراتيجية أن معظم المؤسسات الثقافية الحكومية الراهنة ما تزال تعمل الى حد كبير في ضوء التوجهات الاشتراكية للدولة التي بدأت معالمها الأولى فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952،وهذا واضح من التشريعات التي تحكمها والتي تحدد مهام وزارة الثقافة في نشر الثقافة إلى كافة قطاعات المجتمع.. والمشكلة ليست في التوجه الاشتراكي في ذاته ، فهو توجه يعزز انحياز الدولة الواضح للعدالة الثقافية ، ولكن المشكلة تكمن فيما ترتب على هذا التوجه من قوانين في العمل لا تساهم في التنافسية وتطوير الجهاز الإدارى بكوادر متميزة والارتقاء بالموارد البشرية . فهذه القوانين تضمن.. ضعف قدرات العاملين في المجالات الثقافية . وقد ترتب على ذلك تكوين شبكات مصالح تلتهم معظم الموازنة المخصصة للإنفاق على الأنشطة الثقافية ، وتكوين عقلية إقصائية في ممارسة هذه الأنشطة غير منفتحة على أى تجارب جديدة أو مبدعين جدد وارتبط ذلك التوجه منذ ستينيات القرن الماضي بوجود غابة من القواعد واللوائح البيروقراطية العتيقة التي تحد من المبادرات الثقافية الخلاقة ، ووجود عالم مواز من منتفعى وزارة الثقافة ، وهو السبب الذي جعل جانبا لا يستهان به من عمل كثير من المؤسسات الثقافية الحكومية يتجه لصالح العاملين والمنتفعين بهذه المؤسسات وليس لخدمة الناس أصحاب الحق الأصيل في تلبية الاحتياجات الثقافية..”
  •  فقدان الدولة للدور الثقافي المؤثر، أشارت الاستراتيجية إلى أنه “على مدى الخمسين عاما الماضية لم يحدث تغيير جوهري في طبيعة عمل كثير من المؤسسات الثقافية الرسمية باستثناء دار الأوبرا . ومنذ السبعينيات حدثت تغيرات جوهرية في طبيعة النظام السياسي والاقتصادي من خلال التعددية السياسية والانفتاح الاقتصادي..كما غيرت العولمة من طبيعة الثقافة وارتباطها الكبير بتكنولوجيا المعلومات والاتصال بحيث باتت في متناول قطاعات عريضة من الناس . وهذا يعنى أن المجال الثقافي في عالمنا تغير دون أن يصاحب ذلك تغير مماثل في سياساتنا الثقافية ومؤسساتنا الثقافية“.

ما الحل ؟

و أكدت الاستراتيجية على أن هذه المنظومة الثقافية التي نتحدث عن الضرورة الحتمية لتطويرها أو تثويرها تقع المسئولية عنها على طرفين؛ أولهما الدولة التي ينبغي أن تقوم بالدور الحاسم، وثانيهما المجتمع المدني الذي لابد للدولة من تفعيله وتشجيعه على الإسهام في تطوير وتحديث منظومتها الثقافية. هذه الأطراف في مجملها لابد لها أن تتفاعل معا دون أن تتحول إلى جزر منعزلة.. بهدف التقدم المستمر و الحرية بكل معانيها ومجالاتها، والعدل الاجتماعي والمعرفي، والكرامة الإنسانية للمواطن الفرد“.

أخيرا و ليس اخرا.. يتقدم كاتب هذه السطور بوافر التقدير للخبراء معدى ( استراتيجية المنظومة الثقافية للدولة 2030) – التى تقع فى 157 صفحة – وتحتوى على منظور كلى عن منظومة الثقافة فى مصر .. و نؤكد على أنه حين تفقد الثقافة أخلاقيتها تتحول معيقا لمسيرة التنمية و التقدم.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق  أحمد عبدالمتجلي يكتب: العمل الثقافي .. الضعف و المخاطر
التالى إحسان الفقيه تكتب: ‏من الذي أرغم نتنياهو؟