أصدرت الدائرة الثامنة مدني بمحكمة استئناف القاهرة حكماً تاريخياً يعتبر بمثابة ضربة قاصمة لشركات المياه والكهرباء والغاز والاتصالات التي عانت منها فئات واسعة من المواطنين على مدار سنوات طويلة،
حيث قضت المحكمة بسقوط حق هذه الشركات في المطالبة بالمديونية بعد مرور عام كامل على تراكم الفواتير، استناداً إلى المادة 378 من القانون المدني.
حكم المحكمة هذا جاء بمثابة صفعة مباشرة لهذه الشركات الحكومية التي أصبحت تهدف إلى الربح على حساب المواطنين.
وهو ما يؤكد بشكل قاطع على التقاعس الواضح من الحكومة المصرية في التعامل مع هذه الشركات، فضلاً عن فسادها المستشري.
وقد كان هذا الحكم نتيجة لدعوى قضائية رفعتها إحدى المواطنات التي تعاني من تراكم فواتير ضخمة ووجود مبالغ جزافية وغير مبررة تضاف إليها، حيث قامت الشركة القابضة للكهرباء والشركة القابضة للمياه والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بفرض فواتير متراكمة غير دقيقة أو حقيقية.
الحكم اعتبر أن هذه الشركات تهدف إلى تحقيق أرباح غير مشروعة استغلالاً للمواطنين، على الرغم من أنها شركات حكومية يفترض أن تكون في خدمة الشعب.
المحكمة في حكمها استندت إلى القرار الجمهوري رقم 135 لسنة 2004، الذي منح هذه الشركات الصفة التجارية مما أدى إلى تغيير طبيعة عملها وتحولها إلى شركات ربحية، وهو ما أدى إلى تراكم المديونيات التي استغلها القائمون على إدارة هذه الشركات لأغراض شخصية.
كما اعتبرت المحكمة أن المديونيات التي تراكمت في الفترة السابقة قد انتهت بفعل مرور الزمن، ووفقاً للمادة 378 من القانون المدني، فإن الشركات فقدت حق المطالبة بتلك المديونيات بعد مرور عام من تراكمها.
في هذا السياق، أقر الحكم أن التقديرات الجزافية التي فرضتها هذه الشركات كانت تهدف إلى تحميل المواطنين فواتير ضخمة غير واقعية، وهو ما ألحق أضراراً مالية بالمواطنين.
كما ألزم الحكم بسقوط مديونيات المؤسسات الحكومية تجاه هذه الشركات، مما يعد انتصاراً للمواطنين الذين كانوا يعانون من تراكم الديون على مدار سنوات طويلة بسبب الفساد والتقاعس الحكومي.
أحد أبرز التأثيرات التي أوجدها هذا الحكم هو أنه أسقط جميع المديونيات التي تراكمت على المؤسسات الحكومية بسبب عدم سداد فواتير الكهرباء على مدار السنوات الماضية، حيث تُقدَّر تلك المديونيات بنحو 22 مليار جنيه لصالح الشركة القابضة للكهرباء.
هذا الحكم لا يقتصر فقط على الأفراد، بل شمل أيضًا الهيئات الحكومية التي كانت تعاني من تراكم الديون بشكل غير مبرر. ويُعتبر هذا الحكم بمثابة انفراجة كبيرة للمواطنين والهيئات الحكومية على حد سواء، حيث يُنهي معاناتهم المستمرة مع فواتير غير دقيقة.
لكن الحكم لم يكن مجرد تدبير قانوني، بل كشف عن تقاعس واضح من قبل عدة جهات حكومية في التعامل مع هذا الملف بشكل جاد وفعال. الحكومة المصرية، التي تقع على عاتقها مسؤولية ضبط هذه الشركات وإعادة هيكلتها، فشلت بشكل ذريع في إدارة هذا الملف، مما سمح للشركات بأن تتعامل مع المواطنين بعقلية الربحية على حساب حقوقهم الأساسية.
ومن بين هذه الشركات التي كانت تتسبب في تراكم الفواتير ورفع المديونيات كانت الشركة القابضة للكهرباء، التي كان من المفترض أن تكون إحدى شركات الخدمات العامة، ولكنها تحولت إلى كيان هدفه الوحيد هو الربح، وكذلك الشركة القابضة للمياه، التي لم تتحرك لوضع حلول حقيقية لهذه المديونيات، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية التي ساهمت بدورها في التأثير على الوضع المالي للقطاع.
وقد تضمن الحكم فضحاً للفساد الذي استشرى في هذه الشركات. ففي الوقت الذي كانت هذه الشركات تتراكم عليها مديونيات ضخمة، كانت الإدارة تقوم بتحويل الأموال بشكل غير شفاف ولا مسؤول.
وتأتي الشركة القابضة للكهرباء في صدارة الشركات المتورطة، حيث أن مديونيات وزارة الكهرباء للطاقة المتجددة تجاوزت 153 مليار جنيه بنهاية عام 2023، وتزايدت إلى ما يقرب من 200 مليار جنيه في 2024. هذا المبلغ الضخم يمثل جزءاً من الديون المستحقة للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، التي تبيع الغاز الطبيعي والمازوت لمحطات الكهرباء.
وفي إطار ما أظهره الحكم من فساد في هذه الشركات، تجدر الإشارة إلى أن وزارة الكهرباء كانت تحصل على كميات ضخمة من الوقود اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، التي تستهلك ما بين 60 إلى 62% من إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي في مصر.
وكانت قيمة الوقود الذي تحصل عليه الوزارة شهرياً تتراوح بين 11 إلى 13 مليار جنيه، ولكنها تسدد فقط ما بين 40 إلى 60% من قيمة هذه الفواتير، مما يترتب عليه تراكم الديون بشكل مستمر. وفي هذا الصدد، تم تحديد أن جزءاً كبيراً من الوقود يتم استيراده من الخارج، خاصة من إسرائيل، لتلبية احتياجات محطات الكهرباء.
أما بالنسبة لوزارة البترول، فقد رفعت في نوفمبر 2023 كميات الوقود الموجهة إلى محطات الكهرباء بنحو 12%، ولكن بالرغم من ذلك، ظلت الشركات الحكومية عاجزة عن دفع مستحقات بعضها البعض.
وفي الوقت ذاته، تم شراء الغاز من الشركاء الأجانب بسعر يبلغ 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وهو سعر أعلى من السعر المحلي الذي يبلغ 3 دولارات، مما يفاقم الأزمة المالية بين هذه الشركات.
وزيادة على ذلك، فإن رفع أسعار الكهرباء الذي تم في عام 2024 لم يحل الأزمة بشكل جذري، بل قد يعمق المشكلة إذا استمرت الشركات في تقاعسها عن دفع الديون المترتبة عليها، حيث تشير التوقعات إلى أن الوزارة قد تكون مجبرة على زيادة معدلات سداد فواتير الكهرباء خلال عام 2025، في حال استمرار ارتفاع أسعار الطاقة.
هذا الوضع يكشف بوضوح عن تقاعس الحكومة المصرية في إدارة هذا الملف بالشكل السليم، بل إن التصريحات المستمرة حول رفع الأسعار بدلاً من إعادة هيكلة الشركات وتفعيل الرقابة على عمليات التحصيل ووقف الفساد داخل هذه الشركات يعتبر بمثابة اعتراف بالفشل الحكومي في تنفيذ إصلاحات حقيقية.
وفي المحصلة النهائية، جاء هذا الحكم ليكشف عن فساد شامل يطال جميع مستويات القطاع الحكومي بدءاً من الوزارات المعنية مثل وزارة الكهرباء ووزارة البترول، وصولاً إلى الشركات التابعة لها، مثل الشركة القابضة للكهرباء والشركة القابضة للمياه والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية.
هذه الشركات، التي تم تفويضها لخدمة المواطنين، تتحول في الواقع إلى كيانات ربحية تسعى إلى تحقيق أرباح ضخمة على حساب المواطنين، مع استمرار التقاعس الحكومي في تطبيق العدالة والمحاسبة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط