أعاني من غيرة مهنية شديدة بسبب تحول بعض الصحفيين والمراسلين إلى أبواق دعاية للمسؤولين في مقابل مكاسب مادية أو خدمات شخصية. أصبح الإعلام المصري أداة تابعة للسلطة بدلاً من أن يكون وسيلة لرصد الواقع وكشف الحقائق.
يُزيف الواقع من خلال تقارير لا تحمل إلا التمجيد والترويج للمسؤولين، دون أي نقد أو توجيه للمسؤولين عن الفساد. هذه التصرفات تشير إلى أزمة مهنية، حيث تخلت الصحافة عن دورها الرقابي واستسلمت للسلطة لتحقيق مصالحها.
حولت أجهزة الإعلام الحكومية إلى منصات للمدح، تستخدمها السلطة للتأثير على الرأي العام وتغيير صورة الواقع. لا يُظهر الإعلام اليوم الحقيقة، بل يشوهها ويقدم أكاذيب عن الإنجازات التي لا تمثل الواقع.
أصبح الصحفي مجرد أداة بيد السلطة بدلاً من أن يكون ناقلاً لآمال الشعب وآلامه. في هذا السياق، يختفي دور الصحفي في كشف الأخطاء والتحدث عن قضايا المواطن البسيط.
أرى أن الإعلام في مصر يعاني من أزمة خطيرة حيث يتم تحريف الحقائق، ويغيب عن الصحفيين الشجاعة لنقد الواقع المزيف.
في الوقت الذي كان فيه الصحفي هو صوت المواطن الناقد، أصبح الإعلام في بعض الأقاليم مجرد وسيلة لإرضاء المسؤولين. الصحفيون في الأقاليم يركزون على تحسين صور المسؤولين على حساب القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى التغطية.
تُساهم الإدارات الإعلامية في المحافظات في نشر إعلام موجه لا يعكس الحقيقة، بل يغطي على المشكلات الحقيقية ويغذي الإشاعات.
في هذه البيئة، يصبح الصحفي عاجزاً عن الدفاع عن القضايا العامة لعدم امتلاكه الشجاعة لتحدي الواقع المزين. تنشأ أيضاً علاقات غير مهنية بين المراسلين وأجهزة الأمن، حيث يُمنح الصحفيون مزايا مقابل إرضاء بعض أفراد من الجهات الأمنية.
شهدنا في السنوات الأخيرة تحولات هامة في الإعلام الأمني، إذ تم تطوير الإعلام في وزارة الداخلية لتصبح أكثر قدرة على مواجهة الشائعات.
كان هذا التحول مهمًا في إعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب، إذ أن الإعلام في الوزارة أصبح أداة للرد على الشائعات وتقديم الحقائق بشفافية. كان لهذا الدور دور بارز في مواجهة الأخبار المغلوطة التي تُستهدف رجال الشرطة.
برز في هذا التحول اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، الذي قاد الوزارة بتوجيهات حاسمة نحو الإصلاح، وأسهم في تحسين الأداء الإعلامي.
وكان اللواء ناصر محيى الدين مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات، أحد الشخصيات التي ساهمت في توجيه الإعلام في الوزارة بطريقة احترافية وفعالة.
تُظهر وزارة الداخلية اهتمامًا كبيرًا بالرد على الشكاوى بشكل سريع ودقيق، مما يعكس التفاعل الجاد مع مطالب المواطنين.
كانت جهودهم ملحوظة في تقديم الحقائق، وهو ما يسهم في تعزيز العلاقة بين الوزارة والمجتمع. هذه الجهود تعكس التزامًا حقيقيًا بتحقيق مصالح العامة.
أوجه شكري وتقديري للواء محمود توفيق على جهوده في تطوير الإعلام داخل الوزارة، وكذلك للواء ناصر محيى الدين الذي كان له دور حاسم في هذه التغييرات. ويعكس عملهم التزامًا حقيقيًا بتطوير الإعلام في الوزارة وتحقيق الشفافية في التعامل مع قضايا الشعب.
أؤمن أنه في ظل التحديات التي نواجهها اليوم، يجب تحسين الإعلام الحكومي وتعزيز دور المؤسسات في مكافحة الشائعات.
إن توجيه الجهود نحو تحسين الإعلام الحكومي سيسهم في بناء ثقة أكبر بين الحكومة والشعب. يتطلب هذا المزيد من التعاون بين الوزارات لتوحيد الرسائل الإعلامية وتقديم صورة واضحة للمواطنين.
أدعو جميع الوزراء إلى ضرورة إعادة هيكلة الإعلام في مختلف الوزارات، وتطوير وسائل الإعلام في المحافظات لتكون أكثر فعالية في نشر الحقيقة. ويجب أن يتكامل الإعلام في الوزارات المختلفة لتحقيق الإعلام الوطني الذي يهدف إلى حماية المجتمع من الشائعات.
إن الإعلام يجب أن يكون أداة للمواطنين، وليس مجرد وسيلة لخدمة السلطة. يجب أن يقوم الإعلام بدوره في كشف الحقائق، ومكافحة الفساد، وتوجيه الدولة نحو التنمية الحقيقية.
لا يمكن للإعلام أن يكون مجرد أداة تنفيذية للأجندات السياسية في وقت يتطلب فيه المجتمع صحافة حرة ومسؤولة.
ولذلك أوجه مناشدة عاجلة لجميع الوزراء، وفي مقدمتهم الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، بضرورة اتخاذ خطوات جادة نحو إعادة هيكلة الإعلام في المحافظات.
أطالبها بالعمل على تحويل إدارات الإعلام التابعة للمحافظات إلى ديوان عام الوزارة نفسها، لكي يتمكن الإعلام من أداء دوره الحقيقي بعيداً عن التوجهات الفردية والمحلية التي تؤثر في نشر الحقيقة.
إن العمل على جعل الإعلام المركزي هو المعيار يجب أن يكون أساساً لتحسين الأداء الإعلامي وتوفير صورة واضحة للمواطن المصري.
نفس المناشدة أوجهها إلى الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، الذي يقع على عاتقه مسؤولية تنظيم إعلام الهيئات والمؤسسات الثقافية التابعة للوزارة.
يجب أن يتم تحويل إدارات الإعلام في هذه الهيئات إلى ديوان عام الوزارة أو، على الأقل، يتم استقلال كل هيئة بإدارة إعلام مركزية تابعة مباشرة للوزارة.
فما يحدث الآن من تنوع في الإعلام بين الأقاليم والفروع الثقافية يشكل عبئاً على فعالية الرسالة الإعلامية ويعوق تطويرها بالشكل المطلوب. إن الحاجة الماسة لإعلام ثقافي موحد وقوي باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
مثلما هو الحال في وزارة الداخلية. لا شك أن هذه الخطوات ستساعد في تحقيق مزيد من التكامل بين الإعلام في الوزارات المختلفة، وتساهم في تفعيل دور الإعلام في خدمة المجتمع بشكل أفضل وأدق
إننا اليوم بحاجة إلى توجيه هذه الجهود نحو تعزيز الإعلام الحكومي في كافة المجالات، ليكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية.
إن تحويل الإعلام إلى قنوات مركزية ليس مجرد خطوة إدارية، بل هو ضرورة لتحقيق إعلام وطني قادر على التفاعل مع تطلعات المجتمع، وحماية المواطن من الشائعات التي تزعزع الثقة في مؤسسات الدولة.
إلى متى سنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة من المجاملات والمراوغات الإعلامية؟ هل من المعقول أن يكون الإعلام مجرد أداة لتنفيذ الأجندات السياسية دون أن يُسمح له بالقيام بدوره الحقيقي؟
ما يحدث اليوم هو كارثة حقيقية لا يمكن السكوت عنها، وأن المجتمع لن يستطيع المضي قدماً دون أن تكون هناك صحافة حرة مسؤولة يمكن أن تطرح الأسئلة الصعبة وتواجه التحديات بكل شجاعة وموضوعية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط