كشفت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات النقاب عن فضائح مالية وإدارية جسيمة تتعلق بقطاع الكهرباء في مصر في مشهد من مشاهد الفساد المؤسسي والتواطؤ الحكومي غير المسبوق، حيث يتزايد الفساد والهدر المالي في ظل تقاعس الشركة القابضة لكهرباء مصر، ووزارة الكهرباء، والحكومة المصرية.
الأرقام الصادمة الواردة في هذه التقارير تعكس حجم الانهيار والتردي المستمر في إدارة موارد الدولة، وسط تجاهل كامل لمصالح المواطنين الذين يدفعون ثمن هذا الفشل المتكرر.
خسائر فادحة في شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن مراجعة القوائم المالية لشركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء عن خسائر ضخمة تجاوزت 61% من رأس مال الشركة، حيث بلغت الخسائر الإجمالية 400 مليون جنيه. هذه الخسائر الفادحة تأتي في وقت يعاني فيه المواطن المصري من ارتفاع أسعار الكهرباء بشكل مستمر، دون أن يكون هناك أي مبرر لهذا الإهمال والتقاعس.
تعويضات غير مبررة عن أراضٍ مستأجرة وغير مملوكة تقرير الجهاز أشار إلى قيام شركة الوجه القبلي بإهدار مبالغ ضخمة وصلت إلى 1.194 مليون جنيه كتعويضات عن أراضٍ مخصصة لمحطة جنوب حلوان بقرار جمهوري، و629 ألف جنيه تعويضاً لمستأجر عن أرض لا يملكها أصلاً. هذا يعد مثالاً صارخاً على العبث بالمال العام والتواطؤ بين الجهات المسؤولة، حيث تُدفع التعويضات دون أي سند قانوني أو استحقاق، مما يشير بوضوح إلى وجود شبكة من الفساد والتلاعب.
قطع غيار بـ10 ملايين جنيه لمحطة متهالكة ومن بين الفضائح التي لا يمكن إغفالها، إنفاق 10 ملايين جنيه على شراء قطع غيار لمحطة كهرباء أسيوط البخارية، التي تم تكهينها بالفعل ولا تعمل، وهو ما يعكس سوء إدارة واضحًا وتواطؤًا بين المسؤولين في الشركة القابضة ووزارة الكهرباء في استنزاف الموارد وتبديدها على مشروعات فاشلة.
عيوب تصميم تعطل وحدة الكريمات الرابعة منذ يونيو الماضي استمراراً للإهمال الفاضح، كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن تعطل الوحدة الرابعة في محطة الكريمات منذ يونيو الماضي بسبب انهيار مفاجئ في كباس الضاغط الرئيسي، وتبين أن هذا العطل يعود إلى وجود أخطاء في التصميم لم يتم معالجتها رغم وقوع حادث مشابه في أكتوبر 2014. ورغم تسلم الشركة للوحدة بشكل نهائي، إلا أنها لم تصدر أي شهادات تسلم رسمية، ما يعكس تقاعساً صريحاً وتورطاً في تغطية الفشل والتلاعب بالتقارير.
مديونيات بالمليارات وضعف إدارة الأصول كما كشف التقرير عن تراكم مديونية الشركة المصرية لنقل الكهرباء بنحو 5 مليارات و258 مليون جنيه، رغم انخفاض الطاقة المبيعة من 19 مليون و416 ألف كيلووات/ ساعة إلى 17 مليون و459 ألف كيلووات/ ساعة. وفي الوقت الذي تعاني فيه الشركة من أزمة مالية حادة، أظهرت القوائم المالية وجود أصول ثابتة غير مستغلة بقيمة 3 ملايين و485 ألف جنيه، مما يعكس فشلاً ذريعًا في إدارة الأصول واستغلال الموارد المتاحة.
خسائر ضخمة في 3 هيئات كهرباء رئيسية وتكشف التقارير أيضاً عن خسائر كبيرة في 3 هيئات رئيسية بقطاع الكهرباء وهي هيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية لتوليد الكهرباء، هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة. خسائر هذه الهيئات بلغت نحو 620 مليون جنيه، مما يؤكد أن الفساد يمتد عبر كل أذرع القطاع ولا يقتصر على شركة بعينها.
خسائر الهيئة النووية تتجاوز 40 مليون جنيه وسط غياب الرؤية أما هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، فقد بلغت خسائرها للعام المالي المنتهي نحو 40.773 مليون جنيه، مقارنة بخسائر بلغت 148.658 مليون جنيه في العام الماضي، بانخفاض نحو 107.885 مليون جنيه بنسبة 72.6%. ورغم هذا الانخفاض، فإن هذه الخسائر تبقى ضخمة في ظل غياب أي مشروع نووي فعلي، وتأخر تنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية الذي طال انتظاره. وتبين التقارير أيضاً أن الهيئة لم تتخذ أي إجراءات جادة للحد من خسائرها المتراكمة التي تجاوزت 1.525 مليار جنيه.
مشروع الضبعة النووي معطل والهيئة تتكبد خسائر بالملايين في الوقت الذي ينتظر فيه المصريون تقدم مشروع الضبعة النووي، يكشف التقرير عن إنفاق الهيئة نحو 23 مليون جنيه على دراسات وأبحاث غير مجدية، وتم دفع هذه المبالغ لشركة استشارية دون تفعيل البند الذي يسمح بإيقاف الأعمال. هذا الأمر يعكس الفساد والتسيب الذي يحيط بالمشروع النووي، وعدم قدرة الهيئة على تحقيق أي تقدم ملموس، مما أدى إلى إهدار الملايين دون جدوى.
مزيد من الخسائر في هيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية وبالنسبة لهيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية لتوليد الكهرباء، فقد سجلت الهيئة خسائر صافية بلغت 28 مليون و277 ألف جنيه، مع زيادة الخسائر المرحلة بنحو 59 ألف جنيه بسبب فوائد قرض مشروع القطارة الذي تم رفعه من الخطة الاستثمارية. بالإضافة إلى ذلك، استمرت الخسائر المالية للهيئة بقيمة 30.105 مليون جنيه، في ظل ارتفاع الالتزامات المتداولة بشكل ملحوظ، مما يشير إلى انهيار الهيكل التمويلي للهيئة بشكل كامل.
مشروعات معطلة وأموال مهدرة يتضح من تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن الهيئة تواصل إهدار الأموال على مشروعات متوقفة مثل مشروع محطة توليد كهرباء أسيوط المائية، حيث تم صرف 52.417 مليون جنيه على المشروع، منها 51.391 مليون جنيه على آلات ومعدات و900 ألف جنيه على وسائل نقل، دون أي تقدم ملموس. كما أن الهيئة مسؤولة عن تنفيذ مشروع الضخ والتخزين بجبل عتاقة على خليج السويس، الذي لا يزال متوقفاً.
غياب المحاسبة وضعف الرقابة الحكومية رغم هذه الخسائر الفادحة والفساد المستشري في قطاع الكهرباء، لا يزال هناك غياب تام للمحاسبة، حيث لم يتم اتخاذ أي إجراءات قانونية أو إدارية ضد المسؤولين المتورطين في هذا الإهمال والفساد. الوزارة تلتزم الصمت، والحكومة المصرية تتجاهل هذه الكوارث المالية التي تهدد مستقبل الطاقة في البلاد وتضع أعباءً إضافية على كاهل الشعب المصري.
الفساد ينخر في جسد قطاع الكهرباء والنتيجة انهيار اقتصادي كل هذه الوقائع تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الفساد أصبح جزءاً لا يتجزأ من قطاع الكهرباء في مصر. شركة الوجه القبلي، هيئة المحطات النووية، هيئة تنفيذ مشروعات المحطات المائية، جميعها غارقة في مستنقع الفساد المالي والإداري. ومع ذلك، تستمر الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء في تجاهل التحذيرات والتقارير الصادرة من الجهات الرقابية، ما يثبت تقاعس الحكومة المصرية عن القيام بدورها في محاسبة المسؤولين عن هذا الفشل.
إن ما يجري في قطاع الكهرباء ليس مجرد إهمال أو ضعف في الإدارة، بل هو فساد واضح وتلاعب بمقدرات الدولة، تواطأت فيه وزارة الكهرباء، الشركة القابضة، والحكومة المصرية التي ترفض اتخاذ أي خطوات جادة للإصلاح. الأرقام الواردة في التقارير هي أرقام كارثية تنذر بانهيار هذا القطاع إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لمحاربة الفساد ومحاسبة المتورطين.
ويبقى المواطن المصري هو الضحية الأكبر، حيث تستنزف أمواله عبر فواتير الكهرباء المرتفعة، في الوقت الذي تذهب فيه هذه الأموال لتمويل مشروعات فاشلة وتعويضات غير مبررة، فيما تزداد ديون الشركات وتتراكم الخسائر دون أن يكون هناك أي تحرك حقيقي للإصلاح.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط