أبرمت الحكومة المصرية اتفاقيات بترولية فاشلة جعلت الدولة تشتري الغاز من الشركات الأجنبية بأسعار أعلى من السوق العالمية، مما أدى إلى تراكم الديون وتراجع نصيب مصر من الإنتاج.
سيطرت هذه الشركات على القطاع الحيوي وتحولت إلى “دولة داخل الدولة”، مثلما فعلت شركة “إيني” الإيطالية في اتفاقية اكتشاف حقل “شروق” في البحر المتوسط، والتي وصفتها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات بأنها كارثية وأدت إلى خسائر ضخمة.
كشفت شركة “إيني” الإيطالية عن فساد ورشاوى في الجزائر، حيث دفعت 197 مليون يورو لمسؤولين حكوميين للحصول على عقود للتنقيب عن الغاز.
أظهر التحقيق الذي أجراه المدعي العام الإيطالي أن هذه المدفوعات كانت جزءاً من صفقة بقيمة 8 مليارات يورو مع شركة “سوناطراك” الجزائرية، حيث تورط عدد من المسؤولين الجزائريين، وعلى رأسهم فريد بجاوي، في تلقي رشاوى.
استمرت شركة “إيني” في عمليات الفساد والرشاوى في ليبيا، حيث خضعت للتحقيق بسبب دفع رشاوى لمسؤولين ليبيين خلال فترة حكم معمر القذافي.
كشفت “لجنة الأوراق المالية والبورصات” الليبية عن تلقي الشركة طلباً قضائياً لتسليم وثائق تتعلق بأنشطتها بين 2008 و2011، حيث استمرت الشركة في تحقيق إيرادات ضخمة من عمليات التنقيب في ليبيا بنسبة وصلت إلى 13% من إنتاجها العالمي.
تورطت “إيني” أيضاً في دفع رشاوى لكبار المسؤولين في العراق والكويت. خضع مديرو الشركة للتحقيق في ميلانو بشأن فساد يتعلق بتوقيع عقود تنقيب عن النفط في حقول زبير في العراق وحقول جوراسية في الكويت. دفعت الشركة ملايين الدولارات كرشاوى لمسؤولين في تلك الدول، مما أدى إلى فساد واسع النطاق.
في تونس، أُجبرت شركة “إيني” على مغادرة البلاد بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي بسبب شبهات فساد وتحقيقات برلمانية أدت إلى رفض تمديد رخصة التنقيب الخاصة بالشركة في حقول الغاز.
ارتبط اسم الشركة بسوء الإدارة وتأخير عمليات التنقيب مما أدى إلى تراكم خسائر اقتصادية ضخمة على تونس.
تواصل شركة “إيني” الإيطالية تنفيذ عمليات التنقيب في نيجيريا، حيث تم الكشف عن دفعها 533 مليون دولار كرشاوى لمسؤولين نيجيريين لتسهيل عملية شراء حقل OPL-245 النفطي. أدت هذه الفضيحة إلى وضع كبار مسؤولي الشركة تحت التحقيق من قبل السلطات الإيطالية والبريطانية.
كشفت التحقيقات في البرازيل عن تورط شركة “إيني” في مخطط فساد يتعلق بشركة “بترومليو” البرازيلية. تم إلغاء اتفاقيات عقود النفط التي كانت ستمنح إيني نفوذاً واسعاً في البرازيل بعد اكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز في المنطقة.
في مصر، سجلت التقارير الرسمية خسائر فادحة نتيجة لاتفاقية حقل “ظهر”، حيث وُقعت عقود ظالمة مع “إيني” وسمحت للشركة بالسيطرة على إنتاج الغاز.
وقّعت الحكومة المصرية عقداً يتيح لإيني الحصول على 40% من الإنتاج حتى تسترد تكاليفها خلال 4 إلى 5 سنوات، بينما تتحمل مصر نصيباً أكبر من تكاليف الإنتاج. أظهرت التقارير أن مصر قد تجد نفسها مضطرة لشراء الغاز بالسعر العالمي، مما يعكس فشلاً استراتيجياً في إدارة موارد الطاقة.
كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن أن “إيني” تتمتع بمزايا مالية غير مسبوقة في مصر، حيث تُعفى الشركة من الضرائب والجمارك وتستفيد من دعم حكومي سخي، مما يزيد من نفوذها داخل البلاد.
كما أشار التقرير إلى أن العقود لا تتضمن أي نصوص لحماية مصر من ارتفاع الأسعار العالمية، وهو ما يفاقم الخسائر الاقتصادية.
استمرت الشركات الأجنبية في طلب زيادة أسعار الغاز من الحكومة المصرية. في الوقت الذي وافقت فيه مصر على رفع الأسعار من 2.65 دولار إلى 5.88 دولار للمليون وحدة حرارية للشركات الأجنبية مثل “إيني” و”أديسون”، تعمّقت الخسائر، ولم يتمكن الطرف المصري من تعديل شروط العقود لحماية حقوقه المالية.
يوضح تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن الاتفاقات الموقعة مع الشريك الأجنبي قد ألحقت بمصر خسائر بلغت 32 مليار دولار نتيجة العقود الموقعة مع شركات مثل “بريتش بتروليوم” و”إيني”.
لم تلتزم هذه الشركات بحصص الإنتاج أو الغرامات المترتبة على تأخير العمليات، مما أدى إلى تفاقم العجز في الطاقة وتحميل الدولة مبالغ ضخمة لشراء الغاز من حقولها الخاصة.
كشفت الوثائق أن الحكومة المصرية وقعت اتفاقيات تجعلها ملزمة بدفع كل الضرائب نيابة عن الشركات الأجنبية، كما تعفيهم من الإتاوات والجمارك. ويظهر أن العقود لا تلتزم بتعديلات السوق العالمية، مما يزيد من أرباح الشركات الأجنبية على حساب مصر.
وتُبرز قضية حقل “شروق” حجم الخسائر التي تواجهها مصر جراء هذه الاتفاقيات، إذ تحصل إيني على حصة الأسد من إنتاج الغاز، بينما تتحمل مصر الجزء الأكبر من التكلفة والديون، مما يجعل الأمر أشبه ببيع للموارد المصرية بثمن بخس.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط