أخبار عاجلة

المعتصم الكيلاني يكتب: لماذا واجب على المجتمع الدولي اليوم .. إلغاء العقوبات عن سوريا بعد سقوط الاسد ؟

فرضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية شاملة على سوريا منذ اندلاع الأزمة عام 2011، بهدف الضغط على نظام بشار الأسد لإنهاء القمع الوحشي ضد الشعب السوري. على الرغم من أن هذه العقوبات كانت تهدف إلى تقويض قدرة النظام على تمويل عملياته العسكرية، إلا أن تأثيرها تجاوز النظام نفسه ليطال المدنيين والبنية الاقتصادية للبلاد. مع أي تغيير سياسي قد يؤدي إلى سقوط النظام السوري، ستبرز ضرورة مراجعة هذه العقوبات وإلغائها، ليس فقط كخطوة إنسانية، بل أيضًا كشرط أساسي لتحقيق التعافي الاقتصادي والاستقرار السياسي.

العقوبات وسقوط الاقتصاد السوري

منذ بدء تطبيق العقوبات، تعرض الاقتصاد السوري لضربات متتالية. تضمنت العقوبات حظرًا على تصدير النفط، وتجميد أصول، وحظر التعاملات المصرفية الدولية، وهو ما أدى إلى عزلة اقتصادية شبه كاملة. تراجع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بأكثر من 60% بين عامي 2011 و2021، وأصبحت العملة السورية واحدة من أكثر العملات تدهورًا في العالم، حيث فقدت أكثر من 90% من قيمتها.

إلى جانب ذلك، انخفضت القدرة الإنتاجية للبلاد بشكل حاد. قطاعات الزراعة، الصناعة، والطاقة، التي كانت تشكل عماد الاقتصاد السوري، تضررت بشكل كارثي نتيجة القيود المفروضة، إضافة إلى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية بسبب الحرب.

لماذا يجب إلغاء العقوبات؟

  1. تعزيز التعافي الاقتصادي

مع سقوط النظام، ستحتاج سوريا إلى استعادة اقتصادها من نقطة الصفر. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تكلفة إعادة إعمار البلاد قد تتجاوز 400 مليار دولار. هذا الرقم الضخم يتطلب تدفق الاستثمارات الأجنبية والقروض الدولية، وهو أمر مستحيل في ظل العقوبات الحالية التي تمنع سوريا من الوصول إلى المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إلغاء العقوبات سيفتح الباب أمام عودة الصادرات السورية إلى الأسواق العالمية، وخاصة النفط والمنتجات الزراعية. قبل الحرب، كان النفط يشكل حوالي 25% من الإيرادات الحكومية، فيما كانت الزراعة قطاعًا رئيسيًا لتوفير فرص العمل. رفع العقوبات سيعيد تنشيط هذه القطاعات، مما يساهم في تحقيق استقرار اقتصادي سريع.

  1. إصلاح النظام المصرفي

النظام المصرفي السوري، الذي كان يعاني أصلاً من مشكلات هيكلية قبل الحرب، أصبح شبه معطل بفعل العقوبات. القيود المفروضة على التحويلات المالية جعلت من الصعب على السوريين في الداخل والخارج إجراء أبسط المعاملات، مثل إرسال الأموال لعائلاتهم أو تمويل مشاريع صغيرة.

إلغاء العقوبات سيسمح للنظام المصرفي السوري بالاندماج مجددًا في النظام المالي العالمي. هذا الاندماج سيتيح للحكومة الجديدة تمويل مشاريع إعادة الإعمار، وسيحفز التجارة الدولية، وسيوفر بيئة آمنة للاستثمارات.

  1. تحفيز القطاع الخاص

القطاع الخاص في سوريا كان من أكثر القطاعات تضررًا بالعقوبات. أدى العزل الاقتصادي إلى خروج معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة من السوق، بينما اضطرت الشركات الكبرى إلى تقليص نشاطها أو إغلاقه بالكامل.

رفع العقوبات سيسمح للقطاع الخاص بالعودة إلى العمل بكامل طاقته، خاصة إذا ترافق ذلك مع سياسات حكومية داعمة لتشجيع الاستثمار. عودة النشاط الاقتصادي ستخلق فرص عمل واسعة للسوريين، مما يخفف من حدة البطالة، التي تجاوزت 80% في بعض المناطق.

الأثر الإنساني لإلغاء العقوبات

على الرغم من أن العقوبات تستثني رسميًا المواد الغذائية والأدوية، فإن الواقع العملي يظهر عكس ذلك. القيود المفروضة على المعاملات المصرفية والتجارية جعلت استيراد هذه المواد شبه مستحيل. نتيجة لذلك، يعاني السوريون من نقص حاد في الأدوية الأساسية والتجهيزات الطبية، بينما ارتفعت أسعار الغذاء بشكل جنوني، مما دفع أكثر من 90% من السكان إلى خط الفقر.

بعد سقوط النظام، سيكون من الضروري توفير احتياجات إنسانية عاجلة، مثل الغذاء، المياه، الأدوية، وخدمات الرعاية الصحية. رفع العقوبات سيسهل وصول المساعدات الدولية ويضمن توزيعها بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مما يقلل من معاناة المدنيين ويعزز استقرار المجتمع.

الأبعاد السياسية لإلغاء العقوبات

تعزيز شرعية الحكومة الجديدة

أي حكومة ستأتي بعد النظام الحالي ستواجه تحديات هائلة، من بينها إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار السياسي. استمرار العقوبات سيضعف قدرتها على مواجهة هذه التحديات، مما قد يؤدي إلى إحباط شعبي وتقويض شرعيتها.

إلغاء العقوبات سيوفر للحكومة الجديدة فرصة لتحقيق إنجازات اقتصادية ملموسة تعزز ثقة الشعب بها. كما أنه سيبعث رسالة واضحة من المجتمع الدولي بأنها شريك في إعادة بناء سوريا وتحقيق السلام.

محاربة الفساد والاقتصاد الموازي

أدت العقوبات إلى ظهور اقتصاد موازٍ تديره شبكات غير قانونية، استفادت من تجارة السلع المهربة والسوق السوداء. هذه الشبكات غالبًا ما تكون مرتبطة بمراكز قوة داخل النظام، مما يعزز الفساد ويزيد من معاناة المواطنين.

إلغاء العقوبات سيعيد تنظيم السوق ويقوض الأنشطة غير القانونية، خاصة إذا ترافق مع سياسات حكومية تهدف إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.

تحليل اقتصادي: الطريق إلى التعافي

إلغاء العقوبات ليس مجرد قرار سياسي، بل هو شرط أساسي لتحقيق التعافي الاقتصادي في سوريا. لتحقيق هذا التعافي، يجب التركيز على ثلاث مراحل رئيسية:
1. الاستقرار الاقتصادي قصير الأجل:
• تخصيص موارد دولية لدعم الاحتياجات الإنسانية.
• إصلاح العملة المحلية وإعادة الثقة في النظام المصرفي.
• توفير المواد الغذائية والطبية بشكل عاجل للسكان.
2. إعادة الإعمار المتوسط الأجل:
• استعادة القطاعات الحيوية مثل الطاقة والزراعة والصناعة.
• استقطاب الاستثمارات الأجنبية من خلال حوافز اقتصادية وبيئة تشريعية مستقرة.
• إعادة بناء البنية التحتية من طرق، مدارس، ومستشفيات.
3. النمو المستدام طويل الأجل:
• تنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط والزراعة.
• الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا لتأهيل القوى العاملة وإعدادها لسوق العمل العالمي.
• تطوير التجارة الخارجية لتعزيز الاندماج الاقتصادي العالمي.

التحديات المحتملة لإلغاء العقوبات

رغم الفوائد الواضحة، فإن عملية إلغاء العقوبات قد تواجه تحديات، من بينها:
• الإرث الثقيل للنظام السابق: قد تحتاج الحكومة الجديدة إلى وقت طويل لإصلاح المؤسسات وتنقية البلاد من آثار الفساد والمحسوبية.
• مخاوف المجتمع الدولي: بعض الدول قد تتردد في رفع العقوبات بسبب مخاوف من عودة ظهور جماعات مسلحة أو عدم استقرار سياسي.

ان إلغاء العقوبات عن سوريا بعد سقوط النظام ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو ضرورة عملية لإعادة بناء البلاد وضمان مستقبل مستدام للشعب السوري. العقوبات التي أثرت بشكل كبير على المدنيين ساهمت في تعميق معاناة شعب مزقته الحرب، وأصبح من الواضح أن استمرارها بعد رحيل النظام سيعطل أي جهود للتعافي.

المجتمع الدولي مطالب باتخاذ موقف واضح لدعم الشعب السوري في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخه. إلغاء العقوبات سيوفر الأساس لإعادة بناء اقتصاد قوي، وتعزيز الاستقرار السياسي، وتحقيق العدالة الانتقالية. السوريون يستحقون فرصة لإعادة بناء وطنهم بعيدًا عن قيود العقوبات، ومشاركة العالم في مسيرة جديدة نحو السلام والازدهار.

المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق “كتيبة جنين”: سيطرنا على سلاح استخدمه أمن السلطة بجنين
التالى احتكار معامل التحاليل الطبية الكبري يغرق مصر في فوضى الأسعار ويمس حقوق المواطنين