تدرس وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، بقيادة الدكتور محمود عصمت، سرّاً مقترحاً قد يغير هيكل قطاع الكهرباء في مصر بشكل جذري، حيث يشمل بيع وخصخصة حصص من شركات توزيع الكهرباء لصالح مستثمرين.
تهدف هذه الخطوة المزعومة إلى تسوية مستحقات وزارة البترول التي بلغت أرقاماً ضخمة تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، وتحديداً تلك المستحقة لشركات النفط الأجنبية.
يركز الوزير على أهمية القطاع الخاص في هذا المقترح باعتباره قادراً على تحسين تحصيل الكهرباء، وتخفيض معدلات السرقة، ورفع كفاءة الخدمة في مختلف المناطق.
حيث صرح الوزير أن الخصخصة، وفق دراسته السرية، هي الحل المثالي في الوقت الراهن لتلبية الالتزامات المالية الكبيرة التي تواجهها وزارة الكهرباء، والتي تجابهها مشكلة رئيسية تتعلق بتراكم مستحقات وزارة البترول.
بلغت هذه المستحقات الشهرية حوالي 20 مليار جنيه، بينما لم تتمكن وزارة الكهرباء سوى من سداد 25% من إجمالي المديونية، مما يعني أنها تسدد فقط ما يعادل 4 إلى 5 مليار جنيه شهرياً. تزداد هذه الصعوبات مع عدم تسديد باقي الديون المستحقة لوزارة البترول، والتي تقدر بحوالي 200 مليار جنيه.
يضع هذا الوضع وزارة الكهرباء أمام تحديات جسيمة تتمثل في ضرورة توفير حلول لسد العجز في سداد المستحقات الشهرية لشركات النفط.
ويشير الدكتور محمود عصمت إلى أن الحل الأمثل يكمن في منح القطاع الخاص الفرصة للاستثمار في مناطق معينة تابعة لشركات التوزيع، سواء من خلال خصخصة بعض هذه الشركات أو بيع حصص منها. وقد تم تحديد بعض المناطق التي يمكن أن تكون تحت تصرف القطاع الخاص، مثل المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر، والشروق، ومدينة الشيخ زايد، بالإضافة إلى بعض المناطق في الساحل الشمالي، والتي تضم الكمبوندات الكبيرة والصغيرة.
تسعى وزارة الكهرباء إلى تحقيق هدف مزدوج من خلال هذا المقترح؛ زيادة نسب التحصيل، وتحسين كفاءة الخدمة من خلال استخدام عدادات مسبقة الدفع في هذه المناطق. كما أن الوزارة تأمل في أن يساهم هذا الاتجاه في خفض معدلات الفقد الفني والتجاري، وهو ما سيسهم بشكل مباشر في تحسين الإيرادات المالية لمواجهة تحديات سداد المديونيات. في الوقت نفسه، ترى الوزارة أن هذا الحل سيعزز العلاقة مع الشركاء الأجانب في قطاع البترول، مثل شركة “بي بي” البريطانية، وشركة “أباتشي” الأمريكية، وشركة “إيني” الإيطالية، التي تعمل في مناطق غاز البحر المتوسط، مثل حقل ظهر الذي يشهد تراجعاً في إنتاجه مما يفاقم الأزمة المالية.
ومن خلال هذه الخطط، يأمل وزير الكهرباء أن تكون خصخصة بعض شركات التوزيع بمثابة منقذ يعيد التوازن المالي، وبالتالي يسهم في ضمان استمرارية استثمارات الشركات الأجنبية في قطاع البترول المصري. فالتوجه إلى تشجيع القطاع الخاص للدخول في أنشطة توزيع الكهرباء سيمكنه من المساهمة في جهود توفير الطاقة بشكل مستدام، وفتح المجال لحفر آبار جديدة في مناطق مثل البحر الأحمر والمتوسط، بعد الاتفاقات التي أبرمت مع قبرص واليونان والسعودية.
إلى جانب ذلك، فإن وزارة الكهرباء قد بدأت دراسات موسعة لتحديد كيفية دمج القطاع الخاص بشكل أوسع في عملية إنتاج وتوزيع الكهرباء، وذلك في سياق توجهات الحكومة لتحرير قطاع الكهرباء منذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في عام 2016. كما تم تعديل قانون الكهرباء بشكل جوهري ليفصل بين الأنشطة المختلفة في القطاع، مثل الإنتاج والنقل والتوزيع، من خلال نقل هذا الدور إلى الشركة المصرية لنقل الكهرباء، والتي أصبحت المسؤولة عن تنظيم القطاع وتوسيع الشبكة الوطنية.
رغم هذه المحاولات، تواجه الحكومة تحديات عدة، أبرزها تخمة الإنتاج من الكهرباء، التي تؤدي إلى تراجع مشاريع الطاقة المتجددة التي يقودها القطاع الخاص. كما أن الأسعار التي تفرضها الحكومة على الكهرباء من المنتجين في القطاع الخاص، مثل برنامج تعريفة التغذية، تواجه صعوبة في جذب الاستثمارات الجديدة بسبب العبء الكبير على المواطنين من زيادة الأسعار.
ومع أن خصخصة بعض مناطق التوزيع قد تكون خطوة هامة نحو تحسين الوضع المالي لوزارة الكهرباء، إلا أن هذا المقترح يواجه معارضة شديدة من مختلف الفئات الشعبية، التي تعتقد أن هذه الخطوة قد ترفع من أسعار الكهرباء على المواطنين في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة. لذا تظل هذه الخطط بحاجة إلى مزيد من التقييم والتخطيط لضمان عدم تأثيرها سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين أو على استقرار قطاع الكهرباء.
ويبقى هذا المقترح في مراحل الدراسة السرية داخل وزارة الكهرباء، فيما تواصل الحكومة البحث عن حلول مستدامة لتسوية مديونياتها، والتي تقدر بمئات المليارات من الجنيهات، على أمل تحقيق استقرار مالي ورفع كفاءة الخدمة في قطاع الكهرباء بما يرضي جميع الأطراف.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط