في عالم السياسة المصرية، تأتي لحظات يُجبر فيها المواطن على التأمل بعمق في الدور الذي تلعبه حكومته، سواء كان ذلك في الاقتصاد، التعليم، أو حتى الأمن الداخلي.
قرأت نتائج استفتاء موقع “أخبار الغد” حول أفضل وأسوأ الشخصيات لعام 2024، وكما توقعت، لم يكن هناك منازع على لقب أسوأ وزير في مصر، أو بالأحرى في العالم، غير الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق لسبب وجيه.
تحرك الرجل خلال فترة توليه وزارة المالية وكأنه مهندس لبناء برج عالٍ من الديون الخارجية، جعل من مصر رهينة لقروض صندوق النقد الدولي.
هذا الرجل الذي استطاع بمهارة غير مسبوقة أن يقود اقتصاد مصر إلى الهاوية بكل هدوء وابتسامة باردة. هو حقًا مهندس الانهيار الاقتصادي، فليس هناك لقب أكثر ملاءمة لوصف ما فعله.
حين تقرأ عن سياساته، يتضح لك كيف حول مصر إلى مجرد دولة غارقة في مستنقع القروض والديون. خططه التي كانت تعتمد على الاقتراض المتواصل من صندوق النقد الدولي لم تكن إلا بداية النهاية.
قرر فرض سياسات اقتصادية قاسية، جعلت من حياة المواطن العادي عبئًا لا يُطاق .. غمس البلاد في مستنقع لا يبدو أن هناك مخرجًا منه، فالديون تتزايد، والضرائب ترتفع، والمبادرات الحكومية التي دشنها معيط تبدو وكأنها وهمية لا تحمل سوى شعارات جوفاء.
وبدلاً من البحث عن حلول مستدامة تعزز من اقتصاد البلاد، معيط لم يتوقف عند ذلك، بل قرر بيع أراضينا كما لو كانت بضاعة تباع في سوق النخاسة،
دون أي اعتبار لكرامة الأرض التي دُفِعَت فيها دماء المصريين على مر العصور كملاذ أخير لسد فجوة الديون، تاركًا الشعب يئن تحت وطأة الإجراءات التقشفية التي فرضها.
كل تلك القروض التي حصل عليها لم تكن لتحسين حياة المصريين، بل كانت لتكريس المزيد من الضرائب الباهظة التي أثقلت كاهل الشعب.
وأتساءل، كيف يمكن لرجل كهذا أن يهرب من المحاسبة؟ أليست هناك محاكمات سياسية وجنائية تنتظره؟ هذا الرجل يجب أن يُسأل عن كل قرش أُهدر وكل فرصة تنموية ضاعت بسبب إغراق البلاد في بحر الديون. محمد معيط هو بلا شك أسوأ وزير في تاريخ مصر الحديث، بل ربما في تاريخ الإنسانية كله.
وبينما كانت توقعاتي صحيحة حول محمد معيط، لم أكن أقل صدمة حين رأيت وزير التعليم المصري، محمد عبداللطيف، يحصد لقب أسوأ وزير للتعليم في استفتاء “أخبار الغد” لعام 2024.
فقد شهدت فترة وزارته انهيارًا في مستوى التعليم، مع قرارات عشوائية أدت إلى تدهور البنية التعليمية .. كان عبداللطيف مشغولًا بإصلاحات شكلية، بينما ظلت المدارس تعاني من نقص في الموارد، وازدادت معاناة الطلاب والمعلمين على حد سواء.
كأن الرجل لم يكن على دراية كاملة بالكارثة التي تواجهها منظومة التعليم في مصر. وربما كان لقب “أسوأ وزير” هو أقل ما يمكن أن يقال عن فترته،
فالخسائر التي شهدها التعليم المصري على يديه لا يمكن قياسها بأرقام فقط، بل بسنوات ضائعة من مستقبل الأجيال القادمة.
كيف لرجل تولى مسؤولية مستقبل أجيال كاملة أن يفشل فشلًا ذريعًا في إصلاح النظام التعليمي الذي يعاني منذ عقود؟ بدلاً من أن يقدم حلولًا جذرية لتطوير التعليم، اختار عبداللطيف السير في نفس الدائرة المفرغة، مضيفًا بريقًا فارغًا لقرارات لا تمس جوهر الأزمة.
وعلى الجانب الآخر، ما جعلني أشعر بحزن أكبر هو رؤية السفير بدر عبدالعاطي يتصدر قائمة “أفضل وزير مصري” لعام 2024. كيف يُعقل أن يُكافأ رجل تحوم حوله الفضائح والشبهات بهذا الشكل؟
لم يكن مفاجئًا لي وجود اسمه في القائمة، بل المفاجأة الحقيقية كانت في أسباب تصدره القائمة. بدر عبدالعاطي، الذي تورط في عدة تقارير صحفية تثير الشكوك حول سلوكه الوظيفي منذ توليه مناصبه الدبلوماسية، هو اليوم يُكافأ!
أتذكر تمامًا التقارير التي تناولت فضيحة مداهمة الرقابة الإدارية لمقر إقامته في برلين، حيث اتُهم بتبديد ممتلكات السفارة، من بينها سجادة تراثية ولوحة زيتية، تقدر قيمتهما بربع مليون يورو. أليس هذا اتهامًا كافيًا لإبعاده عن المناصب؟
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشف تقرير آخر أنه استغل منصبه لشراء سيارة مرسيدس على حساب السفارة وتسجيلها باسمه الشخصي، وهو ما يمثل فضيحة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها. كيف لرجل كهذا أن يحصل على هذا اللقب؟
أسوأ من ذلك، هناك الاتهامات الأخلاقية التي طالت عبدالعاطي حين اتهمه نشطاء مصريون في برلين بأنه يوظف السفارة لأغراض تجسسية على المصريين المقيمين في الخارج. هل يُعقل أن يكون هذا هو الشخص الذي يعتبره البعض أفضل وزير مصري لعام 2024؟
كل هذه الاتهامات ظلت تحوم حوله، ومع ذلك، يبدو أن بعض المشاركين في الاستفتاء قرروا التغاضي عنها، واختياره “أفضل وزير”. كيف يمكن تفسير ذلك؟ هل نحن أمام محاولة لتلميع صورة شخصية ذات سمعة ملوثة؟
أجد نفسي عاجزًا عن فهم هذه المفارقة الكارثية. مصر، بمواردها الهائلة وتاريخها العريق، أصبحت في قبضة مسؤولين لا يتورعون عن الاستغلال والإفساد. هؤلاء الذين قادوا البلاد إلى الانحدار الاقتصادي، الاجتماعي، والتعليمي، باتوا اليوم في مقدمة الاستفتاءات والجوائز!
مصر تستحق أفضل من هؤلاء الذين دمروا اقتصادها، خربوا تعليمها، وخانوا ثقة الشعب. من المؤلم أن نرى البلاد تُحكم بواسطة مثل هؤلاء المسؤولين،
في حين أن الشعب المصري يعاني من الفقر والضياع. هذه ليست مصر التي نحلم بها، بل هي مصر التي استولى عليها الفساد والخيانة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط