تُهدر أموال الشعب في مشاريع حماية شواطئ مصر في مشهد كارثي مُخطط بعناية من قبل شركات المقاولات التي تلاعبت بأموال الدولة في واحد من أكبر عمليات فساد شركات المقاولات على شواطئ مدينة جمصة،
فالمشروع الذي تم تدشينه لحماية المناطق الساحلية من آثار التغيرات المناخية وتحقيق تطور صناعي واقتصادي على السواحل المصرية تعرض لممارسات فساد لا يمكن السكوت عليها.
ملايين الجنيهات ضاعت بسبب الفساد الذي لا يُحتمل بينما يكتوي المواطنون من آثار هذه التصرفات المشبوهة التي انتهت في جيوب المقاولين وأصحاب الشركات غير المؤهلين.
حيث قررت الهيئة العامة لحماية الشواطئ التابعة لوزارة الري إسناد أعمال حماية شواطئ مدينة جمصة إلى شركة النيل العامة للطرق والكباري، والتي بدورها وزعت العمل على مجموعة من شركات المقاولات من الباطن تحت أسماء مختلفة، مثل شركة بيلرز وشركة توب تريد واي للمقاولات، شركة مصر البناء للمقاولات، وغيرها من الشركات التي شاركت في تنفيذ الأعمال، لكن المفاجأة كانت أن معظم هذه الشركات لم تلتزم بالمواصفات الفنية، ما أدى إلى ضياع المال العام وتفاقم الأزمة.
تسبب التلاعب الكبير في تقديرات كميات الرمال الموردة وخلل في قياسات الأعمال المنفذة في تأجيل الوصول إلى نتائج صحيحة في قياس حجم العمل الذي تم، مما يعني أن ملايين الجنيهات تم صرفها بشكل غير قانوني، ووفقًا للتقارير الصادرة من لجنة التحقيق التي شكلتها شركة النيل العامة للطرق والكباري، فقد تبيّن أن الكميات المنفذة لم تكن كما هو موضح في المستندات، بل زادت الكميات المطلوبة، وتضاعف المبالغ المدفوعة.
في ضوء هذا التلاعب، تم تشكيل لجنة خاصة لمراجعة الأعمال التي قامت بتنفيذها هذه الشركات. ومن خلال تقارير اللجنة، تم الكشف عن صرف مبالغ ضخمة فوق الحقيقية، حيث تبين أن الشركات قامت بصرف مبالغ مقابل كميات رمال مبدئية غير مطابقة للمواصفات أو مغشوشة، مما أدى إلى ضرورة خصم هذه المبالغ من حسابات المقاولين المتورطين.
اللجنة التي تم تشكيلها لم تكن تواجه مهمة سهلة، فقد اصطدمت بامتناع مهندسي العمليات عن التعاون معها وعدم التوقيع على المستندات المتعلقة بالمراجعة، وهو ما يزيد من حجم الأزمة ويؤكد على وجود نية لإخفاء الحقائق.
هذا التواطؤ أو التقاعس من قبل المقاولين والمشرفين على المشروع يدل على أن الفساد كان متفشيًا بعمق في المشروع.
بعد مرور وقت طويل من محاولة الكشف عن الانتهاكات، بدأت اللجنة في فحص الأعمال المنفذة في منطقة “كم صفر حتى 500+2″، حيث تبين أن هناك تباينًا في الكميات المنفذة والبيانات المقدمة، مما أدى إلى اكتشاف صرف 987 متر مكعب من الرمال الزائدة على حساب الدولة.
كما تم التوصل إلى أن المقاولين تجاوزوا المبالغ المقررة بأكثر من 3.4 مليون جنيه في مشروع “كم 500+2 حتى كم 500+4″، حيث تم صرف كميات رمال كانت غير مطابقة للمواصفات.
في المرحلة الثانية من المشروع، قام الفريق بتوجيه اهتمامه إلى أعمال التنفيذ في منطقة “كم صفر حتى كم 200+1” والمناطق الأخرى، حيث تبيّن وجود كميات كبيرة من الرمال غير المطابقة للمواصفات، ما جعل المبالغ المستحقة للخصم تتجاوز 5.86 مليون جنيه، بخلاف الأضرار الأخرى التي كانت في طريقها لزيادة حجم الخسائر، وهو ما يعكس حجم الكارثة المستمرة في غياب الرقابة والمسؤولية.
وكلما كان الفساد يتسع ويكبر كانت الضغوط تتزايد على الفرق الفنية للتغطية عليه، حيث تواصلت عمليات التلاعب في توقيع المستندات ورفض المقاولين التعاون مع اللجان الرسمية، ما جعل من الصعب تحديد الأضرار الحقيقية بشكل دقيق. تعد هذه الخطوات التي جرت في المشروع كارثة ضخمة ليس فقط على المال العام، بل على سمعة العمل الوطني في مشاريع تهدف لحماية الشعب من الأخطار البيئية والمناخية.
وبالنظر إلى البيانات المتوفرة، فإن إجمالي المبالغ التي سيتم خصمها من المقاولين المتورطين في تنفيذ المشروع تتجاوز مبلغ 9.9 مليون جنيه، وهو مبلغ ضخم يفتح التساؤلات حول كيفية تعامل الدولة مع مثل هذه المشاريع وكيفية محاسبة المسؤولين عن هذه الفضائح المالية.
الواقع أن الفساد لا يزال يتفشى في هذا المشروع رغم المحاولات الرسمية لإيقافه، وعلى الرغم من المحاولات المستمرة للكشف عن الحقائق، فإن سيطرة المقاولين على زمام الأمور داخل المشروع كانت أكبر من أي جهود رقابية. في النهاية، يبقى المواطن هو الضحية الكبرى، حيث تتكبد الدولة خسائر كبيرة بينما يزداد حجم الضرر البيئي والصحي في المناطق المتأثرة.
الأزمة التي خلفتها شركات المقاولات في مشروع حماية شواطئ جمصة تمثل واحدة من أكبر فضائح الفساد التي تهدد مصالح الوطن ومستقبل الأجيال القادمة، ويبقى السؤال المحوري: من يضمن محاسبة هؤلاء المسؤولين والمقاولين عن هذه الجريمة الكبرى؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط