لم يُفارِقني مشهد الدكتور عبد الجليل مصطفى وهو يصعد على قدميه سبعة أدوار بعد تعطيل المصعد، بهدف عرقلة المشاركة في ندوة التحالف الشعبي الاشتراكي بالمنصورة، الرافضة للتعدي على الدستور بغرض تمديد الرئاسة وإضافة عورات أخرى للدستور المنتهك.
وتواصلت هذه المواقف بمشاهد أخرى عظيمة لمشاركته في حملة “مصر مش للبيع” ضد سعودة تيران وصنافير، والتفريط في الأصول الاقتصادية الاستراتيجية، وضد خصخصة قناة السويس وتفكيك الصناعة الوطنية المصرية.
كما واصل جهوده في شتى المجالات، وآخرها تأسيس الحملة الشعبية للتضامن مع فلسطين، وحشد الموارد لتسيير قوافل الدعم، وقد خاضها كشاب رغم اقترابه من التسعين.
واليوم، نضيء تسعين شمعة تكريمًا لدور أستاذنا الفاضل الدكتور عبد الجليل مصطفى، في قضايا الوطن وحقوق الشعب والحريات، وإسهامه البارز في تأسيس جماعات التغيير، ومنها حركة كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، والحركة المدنية، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات والحريات الأكاديمية، والحق في الصحة.
هذا الدور متصل بأدائه المتميز كأستاذ مرموق بكلية الطب، ومدير كفء لمستشفى القصر العيني ومستشفى السلام الدولي، وكل موقع شغله في المجال المهني والعام.
وطوال مسيرته العامرة بالكفاح، كان دائمًا في مقدمة الصفوف بالمحاكم والمؤتمرات، مدافعًا عن الحريات، متضامنًا مع الدكتور ليلى سويف في نضالها المثابر لإطلاق سراح ابنها علاء عبد الفتاح، الذي أمضى مدة العقوبة الظالمة وزيادة، ومع ندى كمال مغيث وزوجها الدكتور أشرف عمر، ومع عبد الخالق فاروق، وكل المعارضين السلميين في السجون.
كما كان سندًا عظيمًا للمهندس يحيى حسين عبد الهادي الذي نقلوه من سيارة الدكتور عبد الجليل، وكان في صدارة زوار المستشار هشام جنينة في المستشفى الجوي، بعد تعرضه لاعتداء أثيم داخل سيارته وقرب منزله.
لم يبخل الدكتور عبد الجليل طوال هذه المسيرة بجهد أو مال، ولم يتردد في الانحناء للحق ومصالح الشعب في وجه سلطان جائر.
وقد رغبت أطراف عديدة من منظمات وشخصيات في تكريمه بمناسبة عيده التسعين، لكنه أصرّ على طلب التأجيل، احترامًا لوجع القلوب بفراق الأحبة، وآخرهم الدكتور يحيى القزاز، الذي يرى أنه مات مقهورًا، ولأن الدماء لا تزال ساخنة في غزة والضفة والجولان وبيروت وصنعاء، ولأن شبابنا وشيوخنا لا يزالون في السجون.
احترمنا رغبته في التأجيل المؤقت، لكننا لا نزال نلحّ على هذا التكريم، فهو تكريم لفلسطين وللذين ساندهم من سجناء الرأي والمعارضين السلميين، وللمقاومين الذين تصدوا للعدوان، وللشهداء الذين وهبوا أرواحهم دفاعًا عن الأوطان، ولجماعات التغيير التي شارك في تأسيسها، ولصفحات مشرفة في تاريخ الشعوب وحركات المقاومة.
كل عام وأنت بخير ومنير للدنيا بهذه السيرة العطرة يا دكتور عبد الجليل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط