تحركت نيابة أمن الدولة العليا في مصر لتوجيه ضربة جديدة لحقوق الإنسان عبر إصدار قرار بحبس 19 شابًا، بينهم فتاتان وشاب مسيحي، بعد تعرضهم للإخفاء القسري لعدة أيام.
تلك القضية ليست سوى حلقة أخرى في سلسلة متزايدة من الانتهاكات الأمنية والقمع المتواصل ضد المواطنين، حيث تستمر الدولة في استخدام القوة والتهم الملفقة كسلاح لفرض سيطرتها الكاملة.
وجهت النيابة إلى الشباب المعتقلين اتهامات تشمل “بث ونشر أخبار كاذبة”، و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.
هذا النهج العقابي يكرس الدور القمعي للأجهزة الأمنية التي لا تتردد في تكميم أفواه المعارضين وتشويه سمعة المعتقلين عبر نشر دعايات تتعلق بالإرهاب والمشاركة في جرائم رقمية، ما يعكس انعدام العدالة الحقيقية في مصر.
ظهور المعتقلين في نيابة أمن الدولة بعد إخفاء قسري لفترة أثار ضجة وغضبًا في الشارع المصري. تلك الحادثة تُثبت مجددًا أن الإخفاء القسري هو أداة روتينية تستخدمها السلطات لإخضاع المعارضة وتفكيك أي نشاط أو حراك سياسي محتمل.
هؤلاء الشباب، بمن فيهم وائل كني كيرلس الشاب المسيحي الذي تم اتهامه بشكل سخيف بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، ما هو إلا دليل على العبثية التي وصلت إليها السلطة في محاولتها خلق تهم لا منطقية لإسكات كل صوت معارض.
استمر التحقيق مع هؤلاء المعتقلين لعدة ساعات، قبل أن تقرر النيابة حبسهم لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات. تلك المدة ليست سوى بداية لسلسلة طويلة من الحبس الاحتياطي الذي غالبًا ما يتحول إلى حبس مفتوح دون محاكمة عادلة، وهو ما يتسبب في انتهاك مباشر لحقوق الإنسان ومخالفة صريحة للمعايير الدولية.
استهدفت النيابة الجميع دون تمييز، حيث ضمت قائمة المعتقلين الفتاتين نجلاء محسن مغازي وخديجة حمدي محمد، في تأكيد واضح على أن قمع النظام لا يفرق بين رجل وامرأة، مسلم أو مسيحي. الجميع مُعرض للاعتقال والاتهام بأي جريمة تخترعها السلطة لتبرير الاعتقالات العشوائية.
المعتقلون الآخرون الذين شملتهم القائمة هم أحمد علي عبد الفتاح، أشرف محسن محمد، أنس أبو الغيط السيد، جمعة عبد الرحمن بدوي، حمزة عزوز عبد الحليم، ضياء أحمد فؤاد، عادل محمد الباز، عبد الله عادل عرابي، عمرو شريف عدلي، غريب محمد مدني، فخر الدين رفاعي أحمد، محمد إبراهيم أبو عوف، محمد أحمد عبد الفتاح، محمد توفيق بيومي، محمد رجب أبو لبن، ومحمود علي.
كانت أسر هؤلاء المعتقلين قد تقدمت ببلاغات رسمية إلى النائب العام بشأن اختفائهم قسريًا، إلا أن تلك البلاغات قوبلت بالتجاهل من قبل السلطات التي تتفنن في استخدام هذه الوسيلة كجزء من منظومة القمع التي تديرها. تواصل الأجهزة الأمنية انتهاك كافة الأعراف والقوانين، متخذة من تلك الممارسات ركيزة لفرض سيطرتها على الشعب المصري.
مواجهة الاتهامات الملفقة بالشجاعة والصمود أمر لم يعد ممكنًا في ظل جو الرعب الذي تبثه الأجهزة الأمنية، حيث تتزايد أعداد المعتقلين السياسيين يومًا بعد يوم، في ظل صمت دولي مُريب. تستمر السلطات في تكريس هذه الأجواء القمعية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتلفيق التهم وتدمير حياة المواطنين الذين يُعبرون عن آرائهم بجرأة.
الوضع بات يُنذر بكارثة حقوقية كبيرة. إن استخدام القضاء لتصفية الحسابات السياسية وتعزيز أركان النظام السلطوي في مصر يُظهر إلى أي مدى يمكن أن يصل النظام في قمع معارضيه.
تلك الممارسات لن تمر دون عواقب، فمن شأنها أن تؤدي إلى انفجار اجتماعي وسياسي محتمل، حيث لا يمكن استمرار الكبت والظلم إلى الأبد.
وفي الوقت الذي تواصل فيه النيابة التحقيقات، يبقى هؤلاء الشباب، مثل الكثيرين قبلهم، عالقين في دوامة الظلم. لا يعرف أحد متى سيتم الإفراج عنهم، أو إن كان لهم فرصة في محاكمة عادلة. هذه القضية تعكس بوضوح مدى انهيار مؤسسات العدالة في مصر وتحولها إلى أدوات قمعية بيد السلطة.
تشير هذه الأحداث إلى تصعيد غير مسبوق في سياسات القمع التي تنتهجها السلطات المصرية ضد كل من يعبر عن رأيه أو يطالب بحقوقه.
الإخفاء القسري الذي تمارسه الأجهزة الأمنية هو جريمة ضد الإنسانية، ويجب على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفًا صارمًا حيال هذا الانتهاك الجسيم.
إن مصير هؤلاء الشباب والمعتقلين السياسيين في مصر يتوقف على مدى قدرة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية على فضح هذه الجرائم وممارسة ضغوط حقيقية على النظام المصري.
الوضع لم يعد يحتمل الانتظار أو الصمت، فالعدالة أصبحت غائبة تمامًا في مصر، والشعب يُعاقب على جرأة الكلمة والتفكير.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط