كشفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن قرار كارثي أصدرته السلطات المصرية بترحيل ثلاثة لاجئين سوريين كانوا قد احتفلوا بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
هذا القرار، الذي يعكس تحولًا مخيفًا في السياسة المصرية تجاه اللاجئين السوريين، لم يكن مجرد إجراء عادي بل كان بمثابة إعلان حرب على حق هؤلاء اللاجئين في التعبير عن آرائهم والاحتفال بانتصارات شعبهم، ما يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل السوريين في مصر.
الحادثة التي بدأت باعتقال هؤلاء السوريين في قسم شرطة أول أكتوبر بسبب احتفالهم بسقوط الأسد، تكشفت عنها مفاجآت أكبر بكثير.
إذ تبين أن هناك العديد من السوريين الذين تم احتجازهم في أقسام شرطة أخرى، ليصل عدد المعتقلين إلى نحو 30 شخصًا في عدة مناطق بالقاهرة، منهم من كانوا قد احتفلوا، وآخرون لم يرتكبوا أي جريمة سوى كونهم لاجئين في بلد يظن الكثيرون أنه سيكون ملاذًا آمنًا لهم.
شبح الاعتقالات يتنقل بين أقسام الشرطة
الاعتقالات لم تقتصر على منطقة واحدة، بل طالت أماكن متفرقة في مدينة 6 أكتوبر، حيث تم القبض على حوالي 30 سوريًا من أماكن مختلفة بتهمة “التجمهر والتجمع دون تصريح أمني”.
لا يكاد أحد يصدق أن احتفالات بريئة يمكن أن تتحول إلى تهم ثقيلة، لكنها في مصر أصبحت جزءًا من القمع المستمر ضد أي شخص يجرؤ على انتقاد أو معارضة النظام السوري أو حتى الاحتفاء بتوجهات سياسية مغايرة لما يراه النظام المصري مناسبًا.
ولم تتوقف الحملة عند الاعتقال، بل استمر مسلسل الانتهاكات بتعنت السلطات تجاه من تم التحقيق معهم. ورغم أنه تم إخلاء سبيل ستة من المعتقلين بحوزتهم إقامات سارية، إلا أن بقية المعتقلين ظلوا قيد الاحتجاز.
البعض منهم يحمل أوراقًا تثبت أنهم تقدموا بطلبات لجوء، فيما أصر الأمن الوطني على إبقائهم رهن الاحتجاز إلى أجل غير مسمى.
سياسة الترهيب والإذلال مستمرة
لا تكمن الفضيحة فقط في الاعتقالات بل في استمرار ترهيب السلطات المصرية للاجئين. ففي خطوة غير قانونية، كان المحامون يدافعون عن المعتقلين ويؤكدون أن موكليهم يحملون أوراقًا تثبت تقدمهم بطلبات لجوء، وهو ما يفترض أن يوفر لهم حماية دولية.
إلا أن السلطات المصرية لم تأخذ هذه الأوراق بعين الاعتبار، بل تمادَت في ابتزازهم وممارسة الضغط عليهم، وهو ما يعكس نية واضحة لترحيلهم.
الأمر الأكثر صدمة هو أن هؤلاء السوريين، الذين كانوا يأملون في حياة آمنة بعيدة عن جحيم الحرب في سوريا، وجدوا أنفسهم فريسة لسياسات القمع الممنهجة.
السوريون، الذين يعانون من الفقر والتمييز في مصر، لم يقتصر تعرضهم للمشاكل على الاعتقالات فقط، بل شملت أيضًا وضعهم في ظروف غير إنسانية داخل مراكز الشرطة، حيث كانوا ينتظرون بفارغ الصبر إشارة الأمن الوطني لترحيلهم.
ماذا يحدث للسوريين في مصر؟
في ظل وجود ما يقرب من مليون ونصف المليون سوري في مصر، بينهم 150 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا يمكن النظر إلى ما حدث باعتباره مجرد حادثة عابرة.
بل إن ما وقع يمثل مؤشرًا خطيرًا على سياسة القمع المتزايدة التي قد يستهدف بها النظام المصري السوريين في المستقبل.
وإذا كانت السلطات المصرية قد قررت تطبيق هذا النوع من القمع على مجموعة صغيرة من اللاجئين لمجرد تعبيرهم عن فرحتهم، فإن الخطر الأكبر يكمن في المستقبل حيث قد تُتخذ إجراءات أشد ضد اللاجئين السوريين كافة، خاصة مع تصاعد الأزمات السياسية في المنطقة.
وإذا كانت مصر قد استقبلت هؤلاء السوريين هربًا من الحروب والدمار في بلادهم، فإن هذا الواقع المرير يكشف عن تناقض واضح بين ما كان يُروج له من انفتاح واستقبال للاجئين، وبين الممارسات الفعلية التي تدينها كل منظمات حقوق الإنسان الدولية.
فبدلًا من توفير الأمن والحماية، أصبح السوريون في مصر يُعاملون وكأنهم أعداء، يُستهدفون بأبشع أنواع القمع والملاحقة.
الخطورة الحقيقية على اللاجئين السوريين
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستمر مصر في هذه السياسة المريبة ضد اللاجئين السوريين؟ وهل ستظل الحريات الشخصية مكفولة أم أن القمع سيطال كل من يسعى للسلام أو يسعى للاحتجاج ضد نظام بشار الأسد؟
ما حدث في الأيام الماضية ليس مجرد حوادث اعتقال، بل هو بداية لمرحلة جديدة قد تشهد تصعيدًا خطيرًا في التضييق على السوريين.
فما نشهده الآن ليس سوى بداية لمعركة حقيقية ضد اللاجئين السوريين في مصر، ومعه يصبح مصيرهم غامضًا ويكاد يلوح في الأفق خطر حقيقي قد يحيل حياتهم إلى جحيم آخر، في بلد يفترض أنه كان ملاذًا لهم من الاضطهاد.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط