في تصعيد كارثي وغير مسبوق، تعرض مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة إلى هجوم عسكري عنيف شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الهجوم الذي لم يكن الأول من نوعه، أسفر عن إصابة عدد من الطواقم الطبية والمرضى داخل المستشفى، وأدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من المنشأة الصحية الحيوية.
الأمر لم يقتصر على القصف المدفعي والرصاص المباشر الذي استهدف أقسام العناية المركزة والحضانة والولادة والمختبر، بل شمل أيضًا طلب الاحتلال إخلاء المستشفى في ظروف خطيرة وغير إنسانية.
قصفٌ لا يرحم
المستشفى الذي كان يشكل ملاذًا طبيًا للمرضى، وخصوصًا الأطفال والنساء، تحول إلى ساحة حرب في لحظات، دون أي تحذير مسبق.
وقد أكد مدير المستشفى، الدكتور حسام أبو صفية، أن الهجوم وقع بشكل مفاجئ وباستهداف مباشر لأقسام حيوية مثل العناية المركزة والحضانة، مما يضاعف من خطورة الوضع الصحي في المنطقة.
وفيما كان المسعفون والمرضى في داخل المنشأة، اندلعت الاشتباكات بشكل غير مسبوق، حيث تحولت الجدران إلى هدف لقذائف المدفعية، وأصبح كل مريض وطبيب وطاقم طبي عرضة للقصف.
الاحتلال يطالب بالإخلاء في ظروف مروعة
لكن الهجوم لم يتوقف عند القصف فقط. في خطوة غير إنسانية، طلب الاحتلال إخلاء المستشفى، وهو ما اعتبره المسؤولون هناك طلبًا مستحيلًا بالنظر إلى الظروف المأساوية التي كان يعيشها الجميع.
الدكتور حسام أبو صفية أشار إلى أن إخلاء المستشفى في تلك الظروف يعني نقل 66 مريضًا في وقت لا يوجد فيه أي استعداد طبي أو إسعافي، وهذا يعني أنهم سيواجهون خطرًا محدقًا بموتهم أو تدهور حالتهم الصحية. بالإضافة إلى ذلك، لم تكن هناك أي وجهة واضحة للمستشفى المنكوب أو للطاقم الطبي الذي سيكون مضطرا لمغادرة مكانه في ظل تهديدات القصف والرصاص.
معاناة الطواقم الطبية
ما جعل الوضع أكثر مأساوية هو تعرض الطواقم الطبية التي كانت تعمل في المستشفى للقصف المباشر، مما أصاب بعضهم بجروح خطيرة.
في الوقت الذي كان فيه الأطباء والممرضون يقاتلون من أجل إنقاذ حياة المرضى وسط هذا الهجوم الغاشم، كانت صرخات الجرحى والمرضى تتعالى في كل ركن من أركان المستشفى. ولم يكن أمامهم سوى خيار واحد: الاستمرار في العمل رغم الخطر الوشيك، في مشهد يعكس مدى تضحياتهم في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
قطع الاتصال وغياب الأمن
وضع مستشفى كمال عدوان كان يتدهور بسرعة مع استمرار الهجوم، حيث انقطع الاتصال مع المستشفى حوالي الساعة 11 مساء يوم السبت.
الدكتور مروان الهمص، مدير المستشفيات الميدانية في غزة، أكد أن الاحتلال لم يمنح الطواقم الطبية أي فرصة للخروج بأمان، مما جعل عملية تقديم الرعاية الطبية والإنقاذ مستحيلة في تلك اللحظات. ومع انقطاع الاتصال، أصبح مصير المستشفى والمرضى داخلها مجهولًا، وسط حالة من الفوضى والهلع بين الجميع.
استمرار القصف وتجدد الأضرار
المجزرة لم تكن الأولى من نوعها بالنسبة لمستشفى كمال عدوان، فقد تعرض المستشفى في الأيام الأخيرة لأكثر من 100 انفجار في ليلة واحدة فقط.
هذا القصف المتجدد أوقع أضرارًا جسيمة في المنشأة، حيث تعرضت غرفة الجراحة ووحدات العناية المركزية لحديثي الولادة إلى دمار كبير، بالإضافة إلى تدمير خزانات المياه والأكسجين، بل وتدمير خزانات الوقود التي كانت تستخدم لتشغيل المولدات الكهربائية. مما جعل المستشفى عاجزًا عن تقديم الخدمات الطبية في ظل انقطاع جميع المصادر الأساسية للغذاء الطبي.
دعوات للتحرك الدولي
وزارة الصحة في غزة حمَّلت المسؤولية كاملة عن هذا الهجوم الخطير للمجتمع الدولي، مطالبةً بضرورة اتخاذ مواقف حازمة تجاه ما يحدث من انتهاكات غير إنسانية بحق المستشفيات والطواقم الطبية.
في بيان لها، أكدت الوزارة أن الهجوم على مستشفى كمال عدوان جاء في وقت كان فيه الطاقم الطبي والمرضى داخل المستشفى، ما يعكس سياسة الاحتلال في استهداف جميع مظاهر الحياة في قطاع غزة. الوضع في المستشفى اليوم يُظهر حجم المعاناة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في ظل غياب الدعم الدولي الفعلي.
رسالة عالمية غائبة
العالم يقف متفرجًا على هذه المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين والمنشآت الصحية، دون أن يتحرك بجدية لوقف هذا التصعيد. المسؤولية الآن تقع على عاتق المنظمات الإنسانية الدولية لتقديم الدعم اللازم لمنطقة غزة، حيث تحولت كل مستشفى ومرفق صحي إلى هدف مشروع في نظر الاحتلال الإسرائيلي.
رغم تضرر المستشفيات، إلا أن الطواقم الطبية في غزة ما زالت تقاوم وتكافح بكل ما لديها من إمكانيات، متحدين الظروف الصعبة، بينما تتواصل الحرب التي تهدد حياتهم وحياة المرضى.
ما يحدث في مستشفى كمال عدوان ليس حادثة منعزلة، بل هو جزء من سلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف الإنسان الفلسطيني في كل مكان. الحرب ليست فقط على الأراضي والمباني، بل على الحياة نفسها. الاحتلال الإسرائيلي لم يترك شيئًا في غزة إلا واستهدفه، بما في ذلك الأطباء والمرضى.
اليوم، ما نراه ليس مجرد قصف لمستشفى، بل هو قتل ممنهج للحياة، انتهاك لكل القوانين الإنسانية والدولية، ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته لوقف هذا العدوان الفتاك الذي لم يتوقف حتى الآن.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط