في واقعة تفضح حجم الفساد المستشري في الهيئة العامة لقصور الثقافة وتكشف مدى المحسوبية التي تسيطر على مؤسسات وزارة الثقافة، يظهر اسم هالة زين، مديرة عام التوثيق، باعتبارها إحدى أبرز الشخصيات التي لعبت دورًا محوريًا في التلاعب بالوظائف والتعيينات داخل الهيئة، مستغلة نفوذها الشخصي وعلاقاتها العائلية لتعيين أفراد عائلتها بشكل يتعارض مع المعايير المهنية.
فقد تدخلت هالة زين مباشرة لتعيين مى محمود عبدالخالق، مهندسة كيمياء وزوجة شقيقها، في إحدى الوظائف التي لم تكن مخصصة لتخصصها، مما يعكس صورة صارخة للفساد الإداري المتجذر داخل الهيئة.
إن التلاعب في مسابقة التوظيف التي أُجريت لتعيين مهندسين في تخصصات مدني وعمارة وميكانيكا وكهرباء يعد فضيحة بحد ذاته. فقد نجحت مى محمود عبدالخالق، مهندسة الكيمياء، في المسابقة رغم أن تخصصها لا يمت بصلة إلى أي من تلك المجالات، وهو ما يثير تساؤلات حول نزاهة الإجراءات واللجنة المشرفة على المسابقة.
الأكثر غرابة أن الإدارة الهندسية للهيئة العامة لقصور الثقافة لم تكن بحاجة إلى مهندس كيمياء أساسًا، ومع ذلك، تم تعيين مى محمود في هذا المنصب المهم، مما يثبت أن المحسوبية هي المعيار الوحيد الذي يعتمده المسؤولون في الهيئة لتوزيع المناصب.
لكن القصة لا تنتهي هنا. فبمجرد تعيينها، بدأت مى محمود تلعب دورًا أساسيًا في تحديد واعتماد مواصفات الأعمال الهندسية المتعلقة بمشاريع الإحلال والتجديد في قصور الثقافة.
حيث أصبحت المسؤولة عن استلام الأعمال في مجالات الميكانيكا والكهرباء والمدني، رغم أن معرفتها بتلك التخصصات تكاد تكون منعدمة.
كيف لمهندسة كيمياء أن تتحكم في أعمال هندسية بهذه الأهمية؟ وما الذي يضمن سلامة تلك المشاريع إذا كان من يشرف عليها لا يملك أدنى فكرة عن تفاصيلها الفنية؟ الإجابة تكمن في الفساد الذي يبدو أنه قد تسرب إلى كل زاوية في الهيئة، مما يهدد بجعل هذه المؤسسة، التي كان يفترض بها أن تكون منارة للثقافة، رمزًا للفساد والمحسوبية.
إن تدخل هالة زين في تعيين مى محمود يمثل نموذجًا واضحًا لاستغلال المناصب لتحقيق مكاسب شخصية وعائلية. فالتدخل الواضح والصريح لتعيين مهندسة كيمياء في مجال غير مؤهل لها يعكس تجاهلًا تامًا لمعايير الكفاءة والمهنية التي من المفترض أن تحكم عمليات التوظيف في أي مؤسسة حكومية.
لا يتعلق الأمر بمجرد خطأ إداري، بل هو إهمال متعمد وإفساد واضح للوظائف الحكومية لصالح المقربين والمحسوبين على أشخاص ذوي نفوذ داخل الوزارة.
من الجدير بالذكر أن هذه الفضيحة ليست الحالة الوحيدة للفساد داخل الهيئة. بل تمثل جزءًا من نهر طويل من التجاوزات والاختلاسات التي تستمر في استنزاف موارد الدولة وتعطيل التنمية الثقافية.
الهيئة العامة لقصور الثقافة، التي يفترض أن تكون رمزًا للنهضة الثقافية في البلاد، باتت مرتعًا للمحسوبية وتوزيع المناصب على الأقارب والأصدقاء دون النظر إلى الكفاءة أو القدرة على الأداء. الفساد أصبح لغة يومية يتحدث بها كل من يعمل داخل هذه الهيئة، بينما تظل وزارة الثقافة غافلة أو متغاضية عن تلك الانتهاكات الصارخة.
ورغم كل تلك التجاوزات، لا تزال وزارة الثقافة صامتة تجاه ما يحدث داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ كيف يمكن أن تستمر مثل هذه الانتهاكات دون أن يكون هناك أي تدخل رسمي لوقفها؟ التقاعس الذي تظهره وزارة الثقافة لا يمكن تفسيره سوى بالتواطؤ أو العجز.
فإذا كانت الوزارة على علم بما يحدث داخل الهيئة ولا تتحرك، فهذا يعني أن الفساد قد امتد إلى مستويات أعلى مما يمكن تخيله. وإذا كانت لا تعلم، فإن ذلك يدل على إهمال صارخ في مراقبة المؤسسات التي تتبع لها.
إن الضرر الذي يلحق بالمشاريع الهندسية التي تشرف عليها مى محمود لا يقتصر فقط على جودة الأعمال التي يتم تنفيذها، بل يمتد إلى إهدار المال العام.
فمن المؤكد أن قراراتها غير المهنية ستؤدي إلى تنفيذ مشاريع لا تتوافق مع المعايير الهندسية المطلوبة، مما يعني أن تلك الأعمال قد تحتاج إلى إصلاحات لاحقة أو حتى إعادة بناء كامل. كل ذلك على حساب المال العام ووقت المواطن.
إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى متى سيستمر هذا الفساد؟ وهل سيبقى المواطن المصري ضحية لمحسوبية بعض المسؤولين الذين لا يرون في مؤسسات الدولة سوى وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية؟ أين الجهات الرقابية وأجهزة مكافحة الفساد من هذه الفضيحة؟ وكيف يمكن أن نأمل في تطوير ثقافي حقيقي في ظل وجود هذا المستوى من الفساد الإداري؟
ما حدث في الهيئة العامة لقصور الثقافة ليس مجرد خطأ إداري أو تجاوز صغير، بل هو نموذج للفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة بشكل يهدد بتدميرها من الداخل.
إن الحل الوحيد لهذه الأزمة يكمن في محاسبة كل من تورط في تلك الفضيحة، بدءًا من هالة زين التي استغلت منصبها لتعيين أقاربها، وصولًا إلى كل من ساهم في تمرير تلك القرارات الفاسدة دون أن يتحرك لوقفها.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط