في خطوة تكشف بشكل جلي تقاعس الحكومة عن دعم العاملين في القطاع الصحي وتعكس الفساد المستشري داخل أجهزة الدولة، قامت وزارة الصحة بإلغاء صرف الوجبات الغذائية للعاملين في المستشفيات الحكومية أثناء نوبات العمل التي تمتد لعدة ساعات، وهي خطوة قوبلت باستهجان واسع من الأطباء والعاملين في المجال الصحي.
بدءاً من يوم الأحد، أوقفت الوزارة صرف الوجبات للعاملين في المستشفيات الذين يعملون في نوبات تمتد لـ 12 و24 و36 ساعة، وهم الأطباء والممرضون والفنيون الذين يبذلون جهوداً كبيرة لتقديم الرعاية الصحية للمواطنين.
القرار الذي زعمت الوزارة أنه جاء في إطار “ترشيد الإنفاق” على بند التغذية، يُعد ضربة قاصمة لبيئة العمل داخل المستشفيات ويعكس سياسة الحكومة في التعامل مع قضايا القطاع الصحي من منطلق التوفير على حساب صحة العاملين.
القرار جاء ليكمل سلسلة من الإجراءات التي تنم عن تجاهل الحكومة لمطالب العاملين في القطاع الصحي، ففي الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة الصحية في البلاد، سواء من حيث نقص الإمكانيات أو ضعف الرواتب أو صعوبة ظروف العمل، تأتي هذه الخطوة لتُزيد من تفاقم الوضع بشكل غير مبرر.
الحكومة لم تكتفِ بتقليص الدعم الغذائي، بل قررت أن تقدم بديلاً لا يرقى إلى المستوى المطلوب وهو منح العاملين في المستشفيات أيام راحة لاحقة.
بدعوى ترشيد الإنفاق، ينسى المسؤولون أن العمل في المستشفيات لا يتوقف، وأن العاملين فيها يقضون ساعات طويلة في خدمة المرضى في ظروف شديدة الصعوبة، ويستحقون على الأقل الحصول على التغذية المناسبة خلال فترات عملهم الطويلة.
هذه الخطوة كانت جزءاً من قرار أوسع، حيث تم إلغاء القرار رقم 783 لسنة 2016، الذي كان ينص على صرف وجبات غذائية للعاملين في المستشفيات الذين يعملون لمدة 12 ساعة أو أكثر، دون النظر إلى النظام الذي يعملون به.
القرار الجديد يشمل استبدال الوجبات بعطلات لاحقة، في خطوة تكشف بوضوح عن التحدي الذي يواجهه العاملون في القطاع الصحي في ظل إصرار الحكومة على تقليص الدعم لهم رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها.
لم تقتصر ردود الفعل على العاملين في القطاع الصحي فحسب، بل كانت هناك انتقادات حادة من قبل النقابات المهنية التي تمثل الأطباء، حيث طالبت النقابة الحكومة بضرورة إعادة النظر في قرار وقف صرف الوجبات الغذائية.
وأكدت النقابة أن هذا القرار يتناقض مع حقوق الأطباء، مشيرة إلى أن صرف الوجبات الغذائية خلال النوبات الطويلة يُعد من الأساسيات التي ينبغي توفيرها من أجل دعم العاملين في القطاع الصحي، لا سيما في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها معظم العاملين في هذا القطاع.
النقابة أضافت أن هذا القرار لا يتماشى مع المطالب المستمرة بتحسين بيئة العمل للأطباء ورفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.
الخطوة جاءت في وقت حرج، حيث يعاني الأطباء من ضغوط نفسية وجسدية كبيرة نتيجة لتراكم الأعباء الوظيفية وضعف الرواتب.
وفي الوقت الذي تواجه فيه الحكومة تحديات كبيرة في قطاع الصحة من حيث نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، تأتي هذه القرارات لتزيد الوضع سوءًا وتُظهر مدى الفجوة بين الحكومة وواقع العاملين في المستشفيات.
النقابة في رسالة شديدة اللهجة أكدت أن هذا القرار لن يمر مرور الكرام، وأعلنت عن دعوتها لجمعية عمومية طارئة في مطلع الشهر المقبل، بهدف رفض قانون المسؤولية الطبية الذي قد يؤدي إلى زيادة معاناة الأطباء في المستقبل.
من جهة أخرى، كان هناك موقف رافض بشدة من قبل الأطباء لمشروع قانون المسؤولية الطبية الذي يجري مناقشته حالياً في مجلس الشيوخ.
هذا القانون الذي يعتبره الأطباء تهديداً مباشراً للمهنة، يعزز من تهميش حقوق الأطباء ويزيد من المخاوف من تعرضهم للاتهام في القضايا المهنية، حيث يتضمن مواد تُقنن حبس الأطباء في حال حدوث خطأ مهني.
النقابة أكدت أن هذا المشروع سيؤدي إلى تداعيات سلبية خطيرة على القطاع الطبي في مصر، مشيرة إلى أن ذلك سيدفع العديد من الأطباء للهجرة خارج البلاد بحثاً عن بيئة عمل أفضل، كما سيؤدي إلى زيادة الهاجس القانوني لدى الأطباء، مما سيدفعهم إلى تبني الطب الدفاعي الذي يقتصر فيه الأطباء على التعامل مع الحالات السهلة فقط، ما سيؤثر سلبًا على جودة الرعاية الصحية في المستشفيات.
القرار الذي صدر عن وزارة الصحة، والذي يشير إلى عجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات جدية لتحسين أوضاع العاملين في القطاع الصحي، يضع الحكومة في مرمى الاتهام بعدم الجدية في الاهتمام بمشاكل القطاع الصحي.
وبدلاً من تحسين بيئة العمل وتوفير احتياجات الأطباء والممرضين، تستمر الحكومة في تنفيذ سياسات تقشفية تُزيد من معاناة العاملين وتُقوض من قدرة النظام الصحي على مواجهة التحديات الراهنة.
إن القرارات التي تم اتخاذها، سواء فيما يخص وقف صرف الوجبات أو التعامل مع قانون المسؤولية الطبية، تُظهر بوضوح فشل الحكومة في التعامل مع مشاكل القطاع الصحي.
ويؤكد ذلك على أن الحكومة في مصر لا تضع صحة المواطن في أولوياتها، بل تواصل إصرارها على اتخاذ قرارات لا تراعي حقوق العاملين في القطاع الصحي.
في ظل هذه السياسات، يبدو أن الحكومة المصرية تتجاهل تمامًا أهمية تحسين بيئة العمل في المستشفيات وزيادة دعم العاملين فيها، ما يهدد بتدهور النظام الصحي بشكل أكبر في المستقبل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط