يفاجئ جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وأحد أبرز مستشاريه المقربين، الجميع بكشفه عن دوره الحيوي في واحدة من أكثر الفترات الرئاسية إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة.
فلم يكن جاريد كوشنير، يتوقع أن يصبح شخصية مركزية في الإدارة الأمريكية أو أن يكتب عن تجربته في البيت الأبيض. ولكن مع انتهاء فترة عمله في الحكومة، شجعه العديد من أصدقائه على توثيق الأحداث التي عاشها، ليقدم لنا كوشنير في كتابه “Breaking History” سردًا غير تقليدي لما شهده خلال سنوات حكم ترامب، مسلطًا الضوء على دوره غير التقليدي في واشنطن وتأثيره الكبير في السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية.
حيث يقدم كوشنير تفاصيل لم تُروَ من قبل حول كواليس البيت الأبيض، ويتناول الدور الاستثنائي الذي لعبه في إبرام اتفاقيات السلام التاريخية المعروفة بـ”اتفاقيات إبراهيم”، التي أسفرت عن إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وخمس دول ذات أغلبية مسلمة، من بينها الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان وكوسوفو.
ويبدأ كوشنير كتابه بتوضيح أنه لم يكن يخطط للعمل في السياسة أو حتى الانخراط في حملة ترامب الانتخابية، لكنه بعد لقاءات مع الناخبين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، شعر بأن ترامب يقدم صوتًا جديدًا لكثير من الأمريكيين الذين لم يكن لهم ممثل في السياسة التقليدية. هذا الأمر دفع كوشنير، مع زوجته إيفانكا ترامب، للانتقال إلى واشنطن وترك حياتهما في نيويورك بعد فوز ترامب في انتخابات عام 2016، على الرغم من التحديات الكبيرة التي كانت تنتظرهما.
واجه كوشنير وزوجته عواصف سياسية واجتماعية غير متوقعة في واشنطن، حيث تعرضا للهجمات المستمرة من وسائل الإعلام والتحقيقات الحكومية، وحتى الخيانات من داخل الجناح الغربي للبيت الأبيض. ورغم تلك التحديات، واصل كوشنير العمل بحماس، مدركًا أن لديه فرصة فريدة لخدمة بلاده وتحقيق تغييرات جذرية. لقد تعلم كيفية تجاهل الضوضاء والتركيز على تحقيق نتائج ملموسة، وهو ما قاده للعب دور أساسي في عدة إنجازات بارزة خلال فترة إدارة ترامب.
من بين هذه الإنجازات، يبرز كوشنير دوره الحاسم في إعادة التفاوض على أكبر اتفاقية تجارية في تاريخ الولايات المتحدة، والمساهمة في تمرير إصلاحات العدالة الجنائية، وكذلك قيادة “عملية Warp Speed” لتطوير لقاح آمن وفعال ضد فيروس كوفيد-19 في وقت قياسي. ورغم أن كل هذه النجاحات مهمة، إلا أن ما سيبقى محفورًا في تاريخ الشرق الأوسط هو دوره في تحقيق “اتفاقيات إبراهيم”، التي غيرت ملامح العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية ومسلمة.
يرى كوشنير أن اتفاقيات إبراهيم كانت نقطة تحول تاريخية، حيث وقعت خمس دول ذات أغلبية مسلمة اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وهي الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المغرب، السودان، وكوسوفو. كما ساهمت جهوده في إنهاء الخلاف الدبلوماسي بين قطر وبعض الدول الخليجية، ما مهد الطريق لمزيد من اتفاقيات السلام في المستقبل. ويؤكد كوشنير أن هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد اتفاقيات سياسية، بل إنها بدأت بالفعل في تحسين حياة الناس في المنطقة، حيث يعمل الإسرائيليون والعرب معًا في مجالات الابتكار والبنية التحتية لخلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة.
ورغم أن كوشنير وفريقه واجهوا تشكيكًا واسعًا من قبل الخبراء الذين كانوا يرون أن أهدافهم مستحيلة، إلا أنهم استطاعوا تحقيق ما لم يكن متوقعًا، ما جعلهم يتجاوزون كل العقبات. ويعترف كوشنير أن النهج الذي اتبعوه في مفاوضات السلام كان محفوفًا بالمخاطر، حيث كانت أي تسريبات قد تجهض الجهود وتعيد الزعماء العرب إلى مواقفهم التقليدية المعارضة لإسرائيل. لكن إصرارهم على المضي قدمًا بهدوء وثقة أتى بثماره في النهاية.
من ناحية أخرى، يعرض كوشنير في كتابه كيفية مواجهة إدارة ترامب لمشاكل داخلية معقدة، مثل مقاومة البيروقراطية الأمريكية للتغيير. ويشير إلى أنه بينما كان ترامب يحاول الوفاء بوعوده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس أو الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، كان هناك العديد من المسؤولين داخل الحكومة يحاولون عرقلة هذه الجهود. ويكشف الكتاب عن الاجتماعات والمناقشات الحاسمة التي كانت تُجرى في البيت الأبيض، ويعرض كوشنير كيف تمكن مع فريقه من تجاوز العديد من العقبات لتنفيذ الأجندة التي وعد بها ترامب الشعب الأمريكي.
ومن الدروس التي تعلمها كوشنير خلال فترة عمله، يبرز ثلاثة أمور رئيسية: الأول هو أن تقديم الوعود سهل، ولكن تحقيق النتائج أصعب بكثير، خاصة في بيئة مثل واشنطن التي تعج بالبيروقراطيين والمصالح المتضاربة. الثاني هو أن الخلافات السياسية ليست دائمًا مستعصية على الحل، وأنه من الممكن تحقيق إنجازات كبيرة من خلال التعاون بين الخصوم السياسيين. أما الدرس الثالث فهو أن لكل فرد القدرة على إحداث تغيير في حياة الآخرين، سواء كان ذلك في نطاق الأسرة أو المجتمع أو حتى على المستوى الوطني.
ويختتم كوشنير كتابه بتأكيده على أهمية العمل المشترك وإيجاد أرضية مشتركة لتحقيق تقدم ملموس، مؤكدًا أن التحديات التي واجهتها الإدارة الأمريكية في تلك الفترة كانت فرصة لتعزيز التعاون وتحقيق نتائج غير مسبوقة. كما يوجه دعوة لكل من يسعى لتحقيق التغيير بأن يتحلى بالشجاعة والمرونة، مشيرًا إلى أن تحقيق المستحيل ليس بعيد المنال إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية والرؤية الواضحة.
ويقدم كوشنير في هذا الكتاب سردًا شخصيًا للتحديات التي واجهها داخل البيت الأبيض، مسلطًا الضوء على جوانب غير معروفة من تجربته. ويأمل أن يلهم هذا السرد الجيل القادم من القادة والمغامرين لتحقيق المزيد من الإنجازات والمضي قدمًا نحو مستقبل أفضل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط