تتفجر فضائح الفساد في محافظة أسيوط، على مرأى ومسمع الجميع، حيث أصبح نهب المال العام وسرقة حقوق المواطنين سمة أساسية تسود كل تفاصيل الحياة اليومية، بل وأصبح البناء المخالف يشكل جريمة علنية لا تجد من يوقفها أو يحاسب المتورطين فيها.
تكشف هذه القضية عن شبكة فساد معقدة تنطوي على تواطؤ مشين بين مسؤولين وأفراد ذوي مصالح شخصية، يستغلون مواقعهم وأوضاع المواطنين لتقويض القانون وسرقته علانية.
منذ فترة ليست بالبعيدة، كان أحد المواطنين قد أبرم اتفاقاً مع مقاول على قطعة أرض صغيرة في شارع رياض بمدينة أسيوط لبناء برج سكني مكون من عشرة طوابق، كانت بداية القصة ببناء خمسة طوابق فقط بعد توقيع اتفاق بين الطرفين على تقسيم الشقق بطريقة غير قانونية، حيث سيحصل المقاول على خمس طوابق لصالحه مقابل خمسة أخرى لصاحب الأرض.
لكن الأمور سرعان ما تحولت إلى مأساة، حيث كان المتورطون يهدفون منذ البداية إلى استغلال ضعف صاحب الأرض المسن واستغلال ظروفه الصحية والتلاعب بعقود بيع الشقق والتفريط في حقوقه.
بعد بناء الطوابق الخمسة الأولى، حدثت مشاكل مع الغرامات المفروضة على العقار بسبب المخالفات في البناء. فتم القبض على صاحب الأرض وفرض عليه غرامة باهظة وصلت إلى مليون و800 ألف جنيه، وهي قيمة المخالفات التي تم تقسيطها على دفعات. ورغم كل ذلك، لم يتوقف مسلسل المعاناة، بل تواصل الفساد على مدار الأيام والشهور.
اختفى المقاول الذي كان قد بدأ البناء، ليترك صاحب الأرض وحيدًا في مواجهة مع المسؤولين المحليين الذين لم يحركوا ساكناً بل أصبحوا شركاء في عملية النصب التي تلت ذلك.
فبدلاً من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المقاول الهارب، بدأ العديد من الأفراد في استغلال الفراغ الذي تركه هذا المقاول لمصالحهم الشخصية، حتى وصل الأمر إلى تورط شخص آخر يُعرف بأنه من أصحاب النفوذ العقاري.
هذا الشخص قام باستخدام حيل قانونية مفضوحة للاستيلاء على حقوق صاحب الأرض، بل إنه قام بتعديل العقود وتغيير أسماء المشترين وبيع الشقق لأشخاص آخرين بشكل غير قانوني.
للأسف، تواطأ العديد من المسؤولين مع هذه الشبكة الفاسدة، بداية من موظفي حي شرق أسيوط، الذين سمحوا باستمرار البناء المخالف دون مراقبة أو محاسبة، وصولاً إلى محامٍ يعمل في مكتب عقاري قد تورط في التلاعب بالعقود وضمان وصول الأموال للمستفيدين الرئيسيين من عملية الاحتيال.
هؤلاء المسؤولون كانوا في حالة شلل تام تجاه ما يحدث، بل أصبحوا يروجون للممارسات غير القانونية بدلاً من أن يكونوا في صف القانون.
ليس هذا فحسب، بل إن التواطؤ بين هؤلاء الأفراد امتد إلى أصحاب العقارات، الذين تم توريطهم بشكل متعمد في بيع الشقق المملوكة لهم، الأمر الذي جعلهم في النهاية في الشارع دون أي حق من حقوقهم. كان الهدف الأساسي لهؤلاء المجرمين هو الإيقاع بكل من يمكن استغلاله من خلال قلة الوعي أو ضعف الموقف الاجتماعي أو النفسي.
في هذه القصة، لا يمكن لأي كلمة أن تصف حجم الظلم الذي وقع على صاحب الأرض وأسرته. فقد تم استخدامه كأداة للنصب والتلاعب، من خلال توريطه في توقيع عقود بيع وهمية وتبديل ملكية الشقق لأشخاص آخرين.
هذه العمليات لم تكن عفوية أو عرضية، بل كانت جزءاً من مخطط طويل الأمد نفذته مجموعة من الأفراد، تم التنسيق بينهم بعناية لتفريغ الرجل من كل شيء يملكه. ولأن المسؤولين المحليين في أسيوط كانوا يغضون الطرف عن هذه الانتهاكات، استمر الفساد في النمو بشكل غير مسبوق.
لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، بل تم بيع الشقق المملوكة للمواطنين الذين دفعوا أموالهم في هذا المشروع المخالف.
بل إن هناك من تم توريطهم في عمليات بيع شقق لم تكن لهم، ليجدوا أنفسهم في النهاية ضحايا لعملية احتيال جماعي لم يتوقف عندها الفساد. فالشقق كانت تُباع مرتين، مرة لمشتري، وأخرى في عقود مزورة لمواطنين آخرين دون أن يتنبه صاحب العقار.
كل هذا كان يتم في مكتب عقاري يملكه أحد المتورطين في هذه الشبكة، حيث كان يتخذ من هذا المكتب مركزاً للتلاعب بالعقود والاتفاقات، بل استخدمه كواجهة لتنفيذ مخططات النصب التي استهدفت المواطنين البسطاء.
وتم توريط شخص آخر في شبكة الاحتيال، حيث كان يتم التلاعب بالأوراق وتوقيع إيصالات أمانة مزورة، بهدف توفير الحماية القانونية للمحتالين وطمأنة الضحايا بأنهم سيتسلمون أموالهم لاحقاً، وهو ما لم يحدث في النهاية.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل الفساد إلى مستوى غير مسبوق في التفريط في حقوق الناس، حيث تم تغيير ملكية الشقق بعقود بيع مزورة دون علم أصحاب العقارات الحقيقية، وتم إخفاء الأموال المحصلة من هذه الصفقات في صفقات مشبوهة، وكل هذا يتم تحت أنظار مسؤولين محليين لا يحركون ساكناً.
كل هذه الممارسات كانت تتم في إطار قانوني مشبوه، ولا أحد يوقف هؤلاء المحتالين من ارتكاب مزيد من الفساد، ليتحول المواطنون إلى مجرد أرقام في ملف فساد لا نهاية له.
وفي نهاية المطاف، لم يحصل المواطنون الذين تعرضوا لهذه السرقات على أي تعويضات أو حقوق، بل ظلوا بلا مأوى، معتمدين على وعود كاذبة من المتورطين الذين رفضوا سداد الأموال المستحقة.
وفي الوقت الذي كانت فيه التحقيقات القانونية يجب أن تأخذ مجراها، تم تهميش الشكاوى وترك الفساد ليبقى مستمراً في أسيوط، لتظل القضية عالقة في براثن الفساد الإداري والنصب الجماعي.
فمن الضروري اليوم أن تقوم الجهات المعنية بالتحقيق في هذه القضية بأسرع وقت ممكن، ومحاكمة جميع المتورطين في هذه العمليات الفاسدة التي طالت المواطنين الأبرياء.
يجب أن يتحمل المسؤولون كامل مسؤولياتهم وأن يكونوا على قدر من الشجاعة لمحاسبة من أفسدوا القانون وسرقوا حقوق الناس في وضح النهار.
ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يجب أن يكون هناك تحرك جاد لوقف هذه الفوضى، وإعادة الحق إلى أصحابه بعد أن ضاع في شبكة الفساد هذه.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط