أخبار عاجلة

فضيحة كهرباء مصر: إهدار 33 مليار جنيه وسرقة أبراج تهدد 5 محافظات بالظلام

يشهد قطاع الكهرباء المصري أزمة متفاقمة تسببت في تهديد محافظات الصعيد بالإظلام نتيجة تكرار السرقات لأبراج الكهرباء، وهو ما كشف عن حجم الفساد المستشري داخل الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية.

هذه الكارثة المتواصلة تفضح تقاعس القائمين على إدارة هذا القطاع الحيوي وفسادهم الذي أصبح يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة الملايين في البلاد، فضلًا عن استنزاف أموال الدولة وإهدار المليارات دون أي مساءلة أو محاسبة.

في مقدمة تلك الفضائح تأتي سرقات أبراج الكهرباء التي لم تكن الحادثة الأولى في مصر العليا، تحديدًا في منطقة أسوان وقنا وسوهاج والبحر الأحمر وأسيوط.

فقد تعرضت الأبراج الاستراتيجية جهد 66 كيلو فولت التي تغذي وادي النقرة بأسوان للسرقة للمرة الثانية، مما أدى إلى حرمان هذه المنطقة من التغذية الاحتياطية، وأصبحت مهددة بالإظلام الكامل في حال استمرار السرقات.

ما يحدث من تكرار لهذه السرقات هو نتيجة للإهمال الجسيم من قبل مسؤولي وزارة الكهرباء، وهو ما أدى إلى فقدان خطوط التغذية الكهربائية الحيوية، وأصبحت مناطق واسعة من الصعيد في خطر داهم بانقطاع الكهرباء خلال أسبوع واحد فقط.

أخطر ما في الأمر هو سرقة خط أسوان – شلاتين الذي يُعد من الخطوط الاستراتيجية التي تربط منطقة حلايب شلاتين بالشبكة الكهربائية القومية، وتبلغ تكلفته أكثر من مليار جنيه.

في كل مرة تُسرق فيها أبراج الكهرباء دون رادع أو إجراءات حازمة من الوزارة أو الشركة القابضة لكهرباء مصر، تتفاقم الأضرار، ويصبح المواطن البسيط هو الضحية.

منطقة النقرة باتت معزولة تقريبًا عن الشبكة القومية، وأصبحت تعتمد على مصدر واحد فقط للتغذية، وإذا حدثت سرقة أخرى، سيكون الإظلام التام هو المصير الحتمي لهذه المنطقة، وكذلك بقية محافظات الصعيد.

هذه الفضيحة ليست سوى جزء من سلسلة فساد مستمرة داخل قطاع الكهرباء المصري. فالشركة القابضة لكهرباء مصر باتت مرتعًا للفساد المستشري، حيث يتم إهدار الأموال في مشروعات بلا جدوى.

منذ سنة ونصف حتى الآن، تم إهدار أكثر من مليار جنيه على حملات إعلانية فارغة المضمون، لا تحمل أي رسالة واضحة، ولا هدف لها سوى تحقيق أرباح شخصية عبر العمولات. تلك الحملات تظهر المواطنين وكأنهم فاقدو الأهلية أو سارقو الكهرباء، في استهتار واضح بمشاعر الناس وتبديد لأموالهم دون أي مبرر.

وبمناسبة الحملة الشهيرة التي أطلقتها الشركة القابضة تحت عنوان “حقك علينا وتيار جديد”، يُثار التساؤل حول الأموال الضخمة التي تُهدر في الإعلانات بينما ينزف قطاع الكهرباء يوميًا من كثرة ملفات الفساد المنتشرة في قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع.

هذا النزيف المستمر أدى إلى خسائر بمليارات الجنيهات دون محاسبة، فضلاً عن هروب العمالة الفنية المدربة التي أصبحت تعاني من الإهمال والتجاهل، في ظل الاعتماد على عمالة يومية غير مؤهلة لصيانة الشبكة ومحطاتها المتهالكة.

الفضائح لا تتوقف عند حد سرقة الأبراج واستنزاف الأموال في الإعلانات، بل تتجاوز ذلك إلى فواتير الكهرباء المخفضة لكبار الموظفين في الدولة، والهيئات الرقابية، ورجال الأعمال النافذين. فقد أصدر وزير الكهرباء ونائبه رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر تعليمات شفوية بتخفيض فواتير هؤلاء المسؤولين وأعفوا بعض الجهات الحكومية بالكامل من دفع الفواتير، في خطوة تعد بمثابة رشوة علنية لإسكات هذه الجهات ومنعها من فتح ملفات الفساد المتراكمة داخل القطاع. تلك التعليمات تمثل انتهاكًا صارخًا لقانون الموازنة الذي ينص على إلغاء جميع الإعفاءات أو التخفيضات على الرسوم مهما كان نوعها أو الجهة المستفيدة منها.

الأدهى من ذلك، أن هذه التعليمات تشمل أيضًا المفوضين الحكوميين والمراقبين الماليين المكلفين بمراقبة قطاع الكهرباء، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للفساد، ويجعل من هذه الإجراءات غطاءً لتمرير المخالفات والتستر على الفساد. وزير الكهرباء يرى أن هذه التخفيضات هي “إنصاف” لهؤلاء المسؤولين، بحجة أنهم يعملون أكثر من موظفي الكهرباء العاديين، متجاهلاً تأثير هذه الإجراءات على مديونية قطاع الكهرباء التي تجاوزت 200 مليار جنيه لوزارة البترول.

أما فيما يتعلق بمشروعات الكهرباء الكبرى، فلا تزال القروض تتراكم على كاهل الدولة، سواء تلك المتعلقة بالمحطات التي تم إنشاؤها أو مشروع الطاقة النووية المؤجل، حيث تصل تلك القروض إلى مليارات الدولارات. وفي الوقت نفسه، تستمر التخفيضات لكبار الموظفين وأصحاب النفوذ وكأن القطاع بأفضل أحواله! هذا التناقض الفاضح يظهر بوضوح في سياسة الوزارة التي تتخذ من المواطن البسيط وسيلة لتعويض الخسائر من خلال رفع فواتير الكهرباء عليه، بينما تمنح امتيازات لكبار المسؤولين.

بعملية حسابية بسيطة، إذا كان هناك 1500 منزل مثلاً لا يدفعون فواتيرهم بمعدل 40 دولارًا لكل منزل، فإن المبلغ الشهري غير المدفوع سيصل إلى 60 ألف دولار، وهو ما يعني 720 ألف دولار سنويًا. أما إذا كان العدد يصل إلى 5000 منزل، فإن المبلغ سيتجاوز 200 ألف دولار شهريًا، أي 2 مليون و400 ألف دولار سنويًا. هذه الأرقام تعني خسائر كبيرة للدولة التي تعاني أصلًا من عجز في سداد مديونيتها.

ما يزيد الأمر سوءًا هو أن هذا التهرب من دفع الفواتير يتم في قطاع يعتبر من أكثر القطاعات التي تحصل على سلف خزينة سنويًا بسبب عجزه الدائم. ويأتي هذا التهرب في الوقت الذي يشتكي فيه المواطنون من زيادة الفواتير وسوء الخدمة، مما يولد حالة من عدم المساواة بينهم وبين المسؤولين الذين لا يدفعون شيئًا. إن هذه المخالفات تقوض أي محاولات للإصلاح الاقتصادي، حيث أن رفع التعرفة الكهربائية كان جزءًا من خطة تقشفية لتخفيض العجز في القطاع، لكن التخفيضات التي يتم منحها لكبار المسؤولين تُظهر أن هذه الخطة ليست سوى واجهة لتبرير سرقة أموال الشعب.

التساؤل الأبرز الذي يطرح نفسه: كيف يمكن أن نطلب من المواطن البسيط دفع فواتيره بينما نمنح إعفاءات لكبار المسؤولين ورجال الأعمال؟ وكيف يمكن أن نقنع المواطنين بأن القطاع بحاجة إلى إصلاحات وهم يرون بأن الفساد يستشري في كل مفاصل وزارة الكهرباء؟ هل نحن أمام مرحلة جديدة من الابتزاز المالي للمواطنين الذين أصبحوا مطالبين بتغطية نفقات الفساد وامتيازات القيادات العليا؟

إن ما يحدث في قطاع الكهرباء المصري هو بمثابة تهرب فاضح من الإصلاحات، وهو ما يهدد بانهيار كامل للقطاع الذي يعتمد عليه ملايين المصريين في حياتهم اليومية. فبينما يتم تهريب الأموال عبر الفساد والإعفاءات، يبقى المواطن البسيط هو من يدفع الثمن في النهاية، سواء من خلال ارتفاع الفواتير أو سوء الخدمة.

وتبقى الأسئلة قائمة: هل سيتحمل المواطن المصري وحده فاتورة الفساد في قطاع الكهرباء؟ وهل سيتم محاسبة المسؤولين عن هذه الفضائح؟ أم أن الأمر سيظل كما هو عليه، لتستمر سرقة أموال الدولة دون رقيب أو حسيب؟

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رائد دهموش لـ”أخبار الغد”: روسيا شريك في جرائم الأسد.. ومستقبل سوريا نحو الديمقراطية والازدهار
التالى فضيحة كهرباء مصر: إهدار 33 مليار جنيه وسرقة أبراج تهدد 5 محافظات بالظلام