خرج مئات السوريين إلى ساحة الأمويين في العاصمة دمشق مطالبين بإرساء قواعد دولة مدنية ديمقراطية، في مشهد يعكس رغبة الشعب في تحقيق مستقبل جديد لا يهيمن عليه العسكرة أو الدين.
في تطور يعكس الحالة السياسية المتداخلة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، عبر المتظاهرون عن رفضهم لتصريحات بعض قادة الفصائل المسلحة، مثل قائد “هيئة تحرير الشام”، أحمد الشرع المعروف بأبي محمد الجولاني، الذي أبدى إمكانية ترؤسه البلاد، بالإضافة إلى تعبير مسؤول آخر عن عدم صلاحية المرأة للقيام ببعض المهام. وقد تمت هذه المظاهرات في ظل ما يبدو أنه هواجس من الهيمنة الأمنية والسيطرة العسكرية على القرار القادم.
وردد المتظاهرون هتاف “يسقط يسقط حكم العسكر”، في إشارة واضحة إلى رغبتهم في عدم تسليم البلاد لفصائل مسلحة، والإصرار على بناء مجتمع مدني قائم على الديمقراطية والمساواة بين الجنسين.
وصف المعارض لنظام الأسد ورئيس الائتلاف الوطني السوري السابق عبد الباسط سيدا، الوضع الحالي قائلاً: “السوريون حتى الآن يعيشون تحت نشوة التخلص من سلطة آل الأسد بكل استبدادها وفسادها، لكن تظل هناك تساؤلات حول المرحلة المقبلة. وعادة مرحلة ما بعد سقوط أي نظام تكون محفوفة بالمخاطر.”
وأوضح سيدا في حديثه، أن الوضع في سوريا “أكثر تعقيدا بسبب طول فترة حكم آل الأسد الممتدة لأكثر من نصف قرن، فهناك تحديات كثيرة”، مشيرا في الوقت نفسه إلى “الوعود التي تصدرها هيئة تحرير الشام أو الحكومة المؤقتة التي شكلتها، بأنهم سيتعاملون بعقلية منفتحة مع القوى السورية الأخرى المعارضة للنظام السابق”
وبالعودة إلى تظاهرة الخميس، حين وقف السوريون قرب نصب السيف الدمشقي الشهير بساحة الأمويين في دمشق، فإنها تسلط الضوء على مطالبة المشاركين بدولة “علمانية” تحترم “المواطنة والقانون”، حيث هتفوا بأن “الدين لله والوطن للجميع”.
وفي هذا الصدد، رأت نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري، ديما موسى، أن في الوقت الحالي “هناك خارطة طريق موجودة بجدول زمني محدد، وحديث عن حوار شامل يجب أن يتضمن تمثيلا لكافة الأطياف العسكرية والمدنية والشعب السوري بشكل عام”.
وأضافت في تصريحات لقناة الحرة، أن الحوار “يجب أن ينتج عنه جسم حكم انتقالي يعمل على وضع دستور للبلاد، ثم يجري انتخابات وفق الدستور الجديد”.
وكانت هيئة تحرير الشام (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) والفصائل المسلحة المتحالفة معها التي أسقطت نظام الأسد، قد أعلنت تشكيل حكومة مؤقتة لمدة 3 أشهر بقيادة محمد البشير.
وواصلت موسى حديثها بالقول، إن “الأولويات للقيادة الموجودة حاليا يجب أن تركّز على تحسين الوضع المعيشي في سوريا، وكذلك إعادة الأمن والأمان والحياة لتكون طبيعية”.
“رئاسة” الجولاني وصفة “الإرهاب”
لم يستبعد قائد هيئة تحرير الشام، الشرع، الملقب أيضا بأبي محمد الجولاني، في تصريحات لصحفيين في دمشق عقب سقوط نظام الأسد، إمكانية ترشحه لرئاسة سوريا في انتخابات مقبلة.
وقال: “سأكون مرتاحا لو لم يجبرني الناس أو من حولي على ذلك”، في إشارة إلى الترشح لرئاسة البلاد.
وتعليقا على ذلك، أشار سيدا في حديثه لموقع الحرة، إلى أنه في الوقت الحالي “هناك هواجس من هنا وهناك، ويجب منح الحكومة المؤقتة الفرصة، والتوجه بالتساؤلات أو الانتقادات إلى الحكومة والشرع نفسه”.
وتابع: “أي تصريحات صحفية عفوية عادة لا يجب تحميلها أكثر مما تحتمل، لأن الأمور ستتضح بنهاية المطاف، والمرحلة الانتقالية حساسة ولا تستطيع جهة واحدة تحمل العبء لأن التحديات كبيرة”.
ولفت سيدا أيضا إلى أن “القوى المتضررة مما حدث في سوريا سواء داخليا أو إقليميا، ستحاول من خلال حملات، التشكيك فيما يحدث والإيحاء بأن ما تشهده البلاد سيصب في صالح التطرف.. تصريحات الشرع أو حكومته لا توحي بذلك حتى الآن، وفي النهاية العبرة بالتطبيق”.
وفي حديثه مع هيئة الإذاعة البريطانية، الخميس، قال الشرع إن هيئة تحرير الشام يجب أن تُشطب من قائمة المنظمات الإرهابية.
وصنفت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، على أنها منظمة إرهابية، حيث بدأت كجماعة منشقة عن تنظيم القاعدة، والتي انفصلت عنها عام 2016.
والثلاثاء، أكد المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، مايكل ميتشل، أن موقف الولايات المتحدة من “هيئة تحرير الشام”، سيعتمد على سلوكياتها وأفعالها على الأرض.
وفيما يتعلق باحتمال رفع اسم الهيئة من قائمة الإرهاب، قال ميتشل إنه “من المبكر جدا مناقشة هذه التفاصيل، خاصة أن سقوط نظام الأسد حدث قبل أسبوع فقط”.
تصريحات “مقلقة” عن المرأة
جاءت مظاهرة ساحة الأمويين في أعقاب تصريحات للمتحدث باسم الإدارة السياسية التابعة للسلطات الجديدة في سوريا، عبيدة أرناؤوط، حول عمل المرأة، وبالتحديد حديثه عن أنها “لا تصلح” لعدد من المهام.
وأثار هذا التصريح انتقادات قوية، حيث قال إن “تمثيل المرأة وزاريا أو نيابيا.. أمر سابق لأوانه. المرأة لها طبيعتها البيولوجية وطبيعتها النفسية ولها خصوصيتها وتكوينها الذي لا بد من أن يتناسب مع مهام معينة”.
وضرب الرجل مثالا بما اعتبره “عدم صلاحية المرأة لقيادة وزارة الدفاع”
انتقدت موسى، تصريحات القيادي بالإدارة السورية الجديدة، وقالت إن مثل هذا الحديث “يفتح الباب أمام الالتفات إلى أمور ليس وقتها الآن، ومن المؤكد أنها تصريحات مردود عليها”.
واعتبرت أن على قياديي هيئة تحرير الشام أن “يتحدثوا بانضباط، في وقت يحاولون فيه توجيه رسالة بأنه سيكون هناك انفتاح على الجميع وانتقال سياسي يشمل السوريات والسوريين”.
ولفتت أيضًا إلى أن مثل هذه التصريحات “تُشعر الناس بالقلق، فيما يتعلق بمستقبل المشاركة السياسية في سوريا”، قائلة إن “المطلوب حاليا هو أن تكون هناك رؤى مختلفة فيما يتعلق بكافة جوانب الحياة العامة، والقانون، وكل ما يحتاجه البلد”.