في إطار الفساد المستشري داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة وبالتحديد في إقليم جنوب الصعيد الثقافي تتكشف مجدداً العديد من الأفعال التي تشير إلى تواطؤ بعض المسؤولين في تسهيل عمليات الفساد المالي التي تضر بالمال العام وتضر بمصداقية إدارة الثقافة في مصر.
وعلى رأس هذه الأفعال تتصدر قضية هشام عز الدين الذي يشاع بين زملاؤه في الهيئة العامة لقصور الثقافة بلقب مدير إدارة الحمامات بفرع ثقافة الأقصر الذي اتخذ من منصبه وسيلة لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب أموال الدولة.
ولم يكن أمامه سوى استخدام أساليب ملتوية لاستنزاف الميزانية المخصصة للانتقالات، مما أوقع الهيئة في دائرة من التشكيك في نزاهتها.
منذ فترة طويلة، أصبح من المعتاد أن يطلب هشام عز الدين من مديري المواقع التابعة للفرع التوقيع على مجموعة من خطوط السير مسبقًا، دون تحديد مواعيد أو تواريخ واضحة، بل وكان يعمد إلى ملء هذه التواريخ بنفسه في وقت لاحق.
هذا التصرف، الذي يعتبر خرقًا واضحًا للإجراءات الإدارية المعمول بها، أتاح له الفرصة للتلاعب في توزيع بدلات الانتقال وتوجيه الأموال المخصصة لهذه البند نحو مصالحه الشخصية.
المفاجأة الكبرى كانت في الطريقة التي تعامل بها مع مسئولي المواقع في مدينة أرمنت والقرى التابعة لها في محافظة الأقصر، حيث طلب منهم التجمع في موقع واحد، وبحضورهم جميعًا قاموا بالتوقيع على عشرة خطوط سير دون أن يكون لهذه التوقيعات أي علاقة فعلية بالعمل أو بالمهام المكلفين بها.
واستمرت هذه الممارسات لتطال كافة المواقع في مدن وقرى محافظة الأقصر، ما يوضح بشكل جلي حجم الفساد الذي يسود إدارة فرع ثقافة الأقصر.
وكما هو متوقع، فإن هذا الفساد المالي أسفر عن صرف مبلغ يتراوح بين 1500 و 2000 جنيه شهريًا تحت بند “بدلات انتقال” لخالد عز الدين، بينما لم تكن هناك أي مهام فعلية تُسند إليه تستدعي هذه الأموال. ويأتي هذا في وقت كانت فيه الوزارة والهيئة في غفلة عن هذه التجاوزات التي كانت تتكرر شهريًا دون رادع.
وفي إطار محاولات التقصي والتحقيق، من المقرر أن تبدأ لجنة تفتيش برئاسة عبد الحليم سعيد أعمالها في إقليمي وسط وجنوب الصعيد الثقافي اعتبارًا من يوم الأحد المقبل ولمدة أسبوع كامل.
ورغم أنه كان ينبغي أن تتم هذه التحقيقات بشكل عاجل إلا أن بعض المسؤولين ظلوا في مواقعهم، مما يثير تساؤلات حول مدى جديتهم في محاربة الفساد المالي.
والمفترض أن يتم تكليف هذه اللجنة بفحص دقيق لخطوط السير والمأموريات وبدلات الانتقال التي صرفت لصالح هشام عز الدين على مدار العامين الماضيين، مع ضرورة مراجعة مبررات صرف هذه المبالغ.
وإذا ثبت وجود أي تجاوزات أو صرف لهذه المبالغ دون وجه حق، يتعين على الهيئة أن تتحمل المسؤولية كاملة وتحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية لاستكمال التحقيقات.
ولعل المشكلة الأكبر تكمن في التواطؤ المحتمل من بعض مديري المواقع الذين قد ينكرون أمام لجنة التفتيش الوقائع التي تحدث في الواقع، لكننا نعلم تمامًا أن هؤلاء المديرين لن يستطيعوا الإنكار في حال تم استدعاؤهم للنيابة الإدارية.
ويجب أن يكون هناك تحرك حاسم من المسؤولين من أجل إنهاء هذه الظاهرة التي تشوه صورة الهيئة وتستنزف الموارد المخصصة لقطاع الثقافة، والذي هو في أمس الحاجة لتطويره وتحسينه.
إذا كانت الهيئة العليا للقصور الثقافة بصدد اتخاذ إجراءات للحد من الفساد، فلا بد من اتخاذ إجراءات جذرية بحق هشام عز الدين، الذي أصبح رمزًا للفساد في إقليم جنوب الصعيد الثقافي.
وإذا أراد نائب رئيس الهيئة أن يكون له دور في وقف هذا النهر المتدفق من الفساد، فيجب أن يكون الحل الأوحد هو نقل هشام عز الدين إلى مكان آخر بعيد عن فرع ثقافة الأقصر.
ففي المرة الوحيدة التي توقفت فيها تجاوزاته كان قد تم نقله إلى قصر ثقافة الطفل لمدة ثلاث سنوات بقرار من رئيس الهيئة السابق الدكتور أحمد عواض. لكن يبدو أن هذا القرار لم يكن كافيًا لوضع حد نهائي لهذه الممارسات.
الأسئلة التي يجب أن تطرح الآن هي: هل ستنجح اللجنة التفتيشية في كشف الفساد؟ هل ستتم محاسبة هشام عز الدين على ما ارتكبه من تجاوزات؟ هل ستستمر الهيئة في تهميش هذه القضايا والسكوت عنها؟
الجميع في انتظار نتائج التحقيقات، والمجتمع الثقافي في إقليم وسط وجنوب الصعيد يترقب ما سيتخذ من إجراءات حاسمة لوقف الفساد، الذي بات يشوه سمعة الهيئة ويضر بمصالح الثقافة في مصر.
إن المطلوب الآن ليس مجرد إجراء تحقيقات شكلية، بل يجب أن يكون هناك توجه حقيقي لمحاكمة الفاسدين وإيقافهم عن العمل تمامًا، دون تساهل أو مهادنة. كل يوم يمر دون محاسبة هو يوم جديد يضاف إلى سجل الفساد المستمر الذي يدمر حلم تطوير الثقافة في مصر.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط