في إقليم وسط الصعيد الثقافي، يبدو أن نهر الفساد لا ينتهي، وتحديدًا في أروقة الهيئة العامة لقصور الثقافة. بين المسؤولين البارزين في الهيئة، وعلى رأسهم حسان حسان، مدير عام القضايا، ومصطفى قناوي، مدير إدارة العقود، تتكشف خيوط الفساد التي جعلت من الهيئات الحكومية مرتعًا للانتهاكات والتعسف.
تلك الانتهاكات طالت المقاولين والمتعاقدين مع الهيئة، مثلما حدث مع طارق عبدالعزيز أمين، المعروف باسم طارق البرديسي، وهو مالك شركة دلتا، والذي وجد نفسه في مواجهة مع السلطة داخل الهيئة، بعدما منعته سطوة المسؤولين من صرف مستحقاته التي وصلت إلى 7.18 مليون جنيه منذ عام 2018.
القصة بدأت عندما تعاقدت الهيئة العامة لقصور الثقافة مع طارق عبدالعزيز صاحب شركة دلتا على 16 عملية مقاولات وصيانة للمواقع الثقافية التابعة لها.
وعلى الرغم من أن البرديسي قام بتسليم كل الأعمال المتفق عليها بمحاضر تسليم نهائية بينه وبين الهيئة، إلا أن مستحقاته ظلت مجمدة. السبب وراء هذا الجمود ليس إلا رفض البرديسي دفع الرشوة المطلوبة من حسان حسان ومصطفى قناوي.
عندما رفض طارق البرديسي الرضوخ لهذا الابتزاز، لم يتوقف الأمر عند حرمانه من مستحقاته، بل تطور إلى تقديم شكوى ضده من قبل حسان وقناوي إلى نيابة السيدة زينب.
ولكن، وبعد التحقيقات، تم حفظ المحضر في عام 2020. لم يتوقف الأمر هنا، حيث لم يتقبل المسؤولون الفاسدون قرار الحفظ، فتقدما بتظلم في محاولة مستميتة للضغط على البرديسي لدفع الرشوة المطلوبة. مع ذلك، أُعيد حفظ المحضر مرة أخرى في يناير 2024.
منذ ذلك التاريخ، ما زال البرديسي يطالب بمستحقاته القانونية لدى الهيئة، ولكن دون جدوى. فكلما حاول التحرك للحصول على حقوقه، يواجه بتهديدات واضحة من حسان حسان ومصطفى قناوي، اللذين استخدما سلطتهما في الضغط على نائب رئيس الهيئة لعرقلة أي محاولات لصرف مستحقاته.
ورغم أن جميع الإدارات المختصة وأعضاء اللجان والشؤون الهندسية قد أكدوا على استلام الأعمال بشكل نهائي، وأنها تمت وفقًا لشروط التعاقد، إلا أن حسان حسان ومصطفى قناوي لا يزالان يتعنتان في صرف المستحقات، متجاوزين القوانين والأعراف.
الأمر لا يتوقف عند عدم صرف المستحقات، بل يمتد إلى الامتناع عن صرف التأمين وضمان الأعمال، والتي تصل قيمتها إلى 7.1 مليون جنيه.
ورغم أن القانون رقم 182 لسنة 2018 الخاص بالتعاقدات الحكومية يلزم الجهة برد التأمين فور انتهاء مدة ضمان الأعمال دون طلب، وفي مدة لا تتجاوز سبعة أيام، إلا أن حسان حسان ومصطفى قناوي يواصلان تعنتهما، في تحدٍ واضح للنصوص القانونية ولحقوق المقاولين.
كل هذه الممارسات الفاسدة تأتي في ظل تواطؤ واضح من وزارة الثقافة، التي لم تحرك ساكنًا في مواجهة هذه التجاوزات الفاضحة.
فقد أبدت الوزارة تقاعسًا تامًا في اتخاذ أي إجراء حقيقي لوقف فساد المسؤولين داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، مما جعل الأمور تتفاقم دون رادع.
أما الكارثة الكبرى، فهي المسرح العائم الموجود في شارع البحر الأعظم. هذا المسرح، وهو عبارة عن مركب، يعاني من تسرب كميات كبيرة من المياه داخله، مما يهدد بغرقه بالكامل.
هذه الكارثة، التي قد تؤدي إلى ضياع أحد المنشآت الثقافية الهامة، لم تلقَ أي اهتمام من الهيئة أو من قياداتها. لم تتحرك الهيئة للحفاظ على المال العام أو لمحاولة إنقاذ المسرح العائم من الغرق، على الرغم من الشكاوى المتعددة التي قدمها طارق البرديسي بشأن هذا الأمر، والتي وصلت إلى مكتب رئيس الوزراء نفسه.
يعتبر تجاهل المسؤولين لهذه الكارثة دليلًا صارخًا على الإهمال والفساد الذي يتفشى في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
الأموال التي من المفترض أن تُصرف لصيانة المسرح العائم وإنقاذه تُهدر، بينما يتلاعب بعض المسؤولين بسلطتهم ونفوذهم لتعطيل حقوق المقاولين وتحصيل الرشاوى.
هذه القصة ليست سوى جزء من فساد أكبر يمتد في أروقة الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث تُستغل المناصب لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب المال العام وحقوق الأفراد.
الحوادث المماثلة تتكرر، والسلطة تُستخدم كأداة للابتزاز والتحكم، في ظل غياب الرقابة الجادة من وزارة الثقافة، التي تبدو وكأنها تعيش في سبات عميق.
الفساد داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة ليس قضية فردية مرتبطة بشخصين فقط مثل حسان حسان ومصطفى قناوي، بل هو جزء من منظومة متكاملة تتغاضى عن تجاوزات خطيرة، وتتواطأ مع أصحاب النفوذ لتحقيق مكاسب غير مشروعة. هذه المنظومة تجعل من المستحيل على أي فرد أن يحصل على حقوقه دون الرضوخ لابتزاز المسؤولين الفاسدين.
من هنا، يتبين أن الأزمة ليست فقط في تعنت المسؤولين تجاه صرف مستحقات طارق البرديسي، بل في كيفية إدارة الهيئة بكاملها.
فرغم أن كل الإدارات المختصة داخل الهيئة قد أقرت بأحقية البرديسي في صرف مستحقاته، إلا أن تعسف حسان حسان ومصطفى قناوي يمنع تنفيذ تلك التوصيات، مما يعكس حجم الفساد والهيمنة التي يتمتع بها هؤلاء المسؤولون.
ما يزيد الأمر سوءًا هو أن وزارة الثقافة، الجهة المشرفة على الهيئة العامة لقصور الثقافة، لا تزال تتجاهل كل هذه الوقائع، وكأن الفساد والإهمال أصبحا جزءًا من الهيكل الإداري للوزارة نفسها.
الوزارة، التي من المفترض أن تكون حامية للثقافة والمال العام، تقاعست عن مواجهة هذا الفساد بشكل مباشر، مما سمح لهذه الممارسات بالاستمرار والتفشي.
في النهاية، تظل حقوق طارق البرديسي ومقاولين آخرين مثلهم عالقة بين فساد المسؤولين وتقاعس الوزارة، بينما يستمر نهر الفساد في الجريان دون انقطاع في إقليم وسط الصعيد الثقافي وفي الهيئة العامة لقصور الثقافة.
على السلطات الرقابية والقضائية التحرك فورًا لفتح تحقيقات جدية في هذه القضية، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في تعطيل صرف المستحقات وإهدار المال العام.
فلا يمكن ترك الأمور بهذا الشكل دون تدخل قوي وحاسم لإنقاذ ما تبقى من هيبة القانون والحفاظ على المال العام، الذي أصبح مهددًا بالإهمال والفساد المستشري.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط