كشفت تقارير صادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات عن تجاوزات خطيرة ومخالفات جسيمة صاحبت صفقة توريد محولات للشركة المصرية لنقل الكهرباء في فضيحة أخرى تضرب قطاع الكهرباء في مصر، حيث تم استلام محولات معيبة من شركة بهارات الهندية مليئة بالعيوب الصناعية، مما كلف الدولة المصرية خسائر مالية ضخمة، لكن المثير للدهشة أن الجهات المسؤولة ما زالت تتجاهل محاسبة المتورطين أو حتى محاولة تعويض تلك الخسائر.
تفاصيل التقرير الرقابي المروع تشير إلى أن شركة بهارات الهندية وردت 23 محولًا كهربائيًا للشركة المصرية لنقل الكهرباء، واتضح أن هذه المحولات معيبة وتحتوي على عيوب فنية واضحة، رغم أنها خضعت لاختبارات الجودة قبل التركيب في الشبكة الكهربائية.
التقرير حدد أن تلك المحولات المعيبة قد تسببت في خسائر مالية مباشرة للشركة المصرية بلغت 5.433 مليون جنيه، وهي قيمة مصاريف حراسة وأرضيات ورسوم جمركية وبدلات سفر، التي تم دفعها نيابة عن الشركة الهندية دون اتخاذ أي إجراءات لاستردادها أو خصمها من مستحقات شركة بهارات،
كما لم يتم تسييل خطابات الضمان الخاصة بها التي تبلغ قيمتها نحو 39.705 مليون جنيه، وهو ما يزيد من حجم الخسائر المالية التي تتكبدها الدولة المصرية جراء تلك الصفقة الفاسدة.
ولكن ما يزيد الوضع سوءًا هو أن أحد هذه المحولات توقف عن العمل بعد فترة قصيرة من تركيبه في منطقة القناة، وخرج تمامًا من الخدمة، رغم أن العمر الافتراضي المتوقع له كان خمسين عامًا، مما يثير الكثير من التساؤلات حول مدى الفساد والإهمال في إتمام هذه الصفقة.
هذه المحولات لم تكن مجرد أخطاء فنية عابرة، بل تم توريدها وهي مليئة بالعيوب التي كان بالإمكان اكتشافها بسهولة قبل تركيبها في الشبكة، وهو ما يظهر أن هناك تعمدًا واضحًا في تمرير هذه الصفقة دون مراعاة لمصلحة الدولة أو الشعب.
ورغم كل هذه الحقائق المروعة التي كشف عنها الجهاز المركزي للمحاسبات، فإن الفساد لا يزال مستمرًا في أروقة الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء، إذ لم يُحاسب أي من المسؤولين الكبار الذين تورطوا في هذه الصفقة حتى الآن.
فبدلاً من أن تتم محاسبة المتورطين واسترداد حقوق الدولة، يكتفي المسؤولون بتقديم تبريرات واهية، حيث زعموا أنهم ما زالوا يبحثون عن المسؤول وجاري تحديد المسؤولية، وهو عذر غير مقبول يعكس مدى التستر على الفساد المستشري في القطاع.
التقرير الرقابي لم يكتف بالإشارة إلى الخسائر المالية التي تكبدتها الدولة جراء هذه الصفقة، بل أشار إلى عيوب فنية في جميع المحولات التي تم توريدها من شركة بهارات الهندية، حيث ظهرت هذه العيوب في المحولات المستخدمة في منطقة الدلتا، مما جعل أداءها ضعيفًا وغير موثوق به، وهو ما يهدد استقرار الشبكة الكهربائية ويضعف من كفاءة قطاع الكهرباء بشكل عام.
والأمر الأكثر غرابة هو أن الشركة المصرية لنقل الكهرباء لم تقم بأي إجراءات قانونية لمحاسبة الشركة الهندية أو استرداد الأموال التي تم دفعها، ولم يتم حتى تسييل خطابات الضمان التي كانت تضمن حقوق الشركة المصرية، مما يثير الكثير من التساؤلات حول مدى التواطؤ والتقصير من جانب المسؤولين في وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.
فهل هناك أيادٍ خفية تعمل على حماية هذه الشركة الهندية من المساءلة؟ ولماذا لم يتم اتخاذ أي خطوات فعلية لتعويض الخسائر التي تكبدتها الدولة المصرية؟
وفي تطور آخر يزيد من الشكوك حول حجم الفساد في هذه الصفقة، تم إرسال مندوب من وزارة التعاون الدولي إلى مقر الشركة الهندية لمتابعة القضية، رغم أن الشركة المصرية لنقل الكهرباء لديها كل ما يضمن حقوقها من خلال خطابات الضمان.
لماذا إذاً هذا التباطؤ؟ ولمصلحة من يُرسل مندوب إلى الهند بدلاً من تفعيل إجراءات استرداد الأموال أو تسييل خطابات الضمان بشكل مباشر؟ هذه الأسئلة لا تزال دون إجابات واضحة، وتزيد من حالة الشك والريبة حول وجود فساد عميق داخل قطاعات الكهرباء المختلفة.
الجهاز المركزي للمحاسبات لم يغفل عن تسجيل هذه المخالفات الفادحة في تقاريره على مدى سنوات، لكن يبدو أن صوته يضيع في صمت القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء.
رغم كل هذه الحقائق الدامغة التي تكشف عن تلاعب واضح في أموال الدولة، إلا أن القيادات المسؤولة عن هذه الصفقة ما زالت تحتفظ بمناصبها ولم تتعرض لأي مساءلة قانونية حتى الآن.
هذه الحالة من الإفلات من العقاب تعزز من ثقافة الفساد المنتشرة داخل أجهزة الدولة، وتشجع المزيد من التجاوزات في المستقبل.
ويظل السؤال المُلِح: لمصلحة من يُغض النظر عن هذه الجرائم المالية؟ ولماذا تظل هذه القيادات محمية من المساءلة؟ هذه الأسئلة يجب أن توجه مباشرة إلى القائمين على قطاع الكهرباء، بداية من رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر ومرورًا بمستشاريه القانونيين والأعضاء المتفرغين، وصولًا إلى كبار قيادات وزارة الكهرباء والحكومة المصرية. كيف يمكن أن تستمر هذه التجاوزات دون تدخل حقيقي من الجهات الرقابية أو من الحكومة نفسها؟
الإجابة الوحيدة التي يمكن استنتاجها من هذه الأحداث هي أن هناك شبكة فساد واسعة تتغلغل في كافة مفاصل هذا القطاع الحيوي.
هذه الشبكة لا تقتصر فقط على المسؤولين في الشركة القابضة أو وزارة الكهرباء، بل تمتد لتشمل مسؤولين في الحكومة المصرية نفسها، الذين إما يتغاضون عن هذه المخالفات أو يشاركون فيها بشكل أو بآخر.
إن ما يحدث في قطاع الكهرباء ليس مجرد إهمال أو تقاعس، بل هو فساد منظم يُهدر أموال الشعب المصري ويضعف البنية التحتية للدولة.
ورغم تكرار مثل هذه الفضائح في السنوات الأخيرة، فإن المسؤولين عنها يظلون بعيدين عن المحاسبة، مما يزيد من تعقيد المشكلة ويهدد مستقبل قطاع الكهرباء في مصر.
في النهاية، يجب على الحكومة المصرية أن تتحمل مسؤوليتها وتتحرك بسرعة لمحاسبة كل من تورط في هذه الصفقة الفاسدة، واسترداد حقوق الدولة من الشركة الهندية، وتعويض الشعب المصري عن الخسائر التي تكبدها جراء هذه التجاوزات.
لا يمكن الاستمرار في الصمت على هذا الفساد الفاضح، فالشعب المصري يستحق أن يرى العدالة تتحقق وأن يُحاسب الفاسدون مهما كانت مناصبهم. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يجب أن تواجهه الحكومة إذا كانت جادة في محاربة الفساد وضمان حقوق الدولة.
ولكن حتى ذلك الحين، سيظل السؤال الأكبر قائماً: من يحمي الفاسدين في قطاع الكهرباء؟ ولماذا لم تتم محاسبتهم حتى الآن؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط