أصبح الذهب أحد الخيارات الأولى للمصريين منذ بداية عام 2024، لحماية أموالهم من الانهيار الحتمي للعملة المحلية، في وقت تشهد فيه البلاد أزمات اقتصادية خانقة بسبب السياسات الاقتصادية الحكومية التي فشلت في توفير الاستقرار المالي للمواطنين.
تقرير حديث لمجلس الذهب العالمي كشف عن أن مشتريات المصريين من السبائك الذهبية خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2024 بلغت نحو 18.1 طنًا، مما يبرز تحولًا كبيرًا في سلوك المواطن المصري الباحث عن أفق بعيد عن الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم يومًا بعد يوم.
الرقم لا يعكس فقط حجم الطلب على الذهب ولكن يعكس أيضًا يأس المواطنين من الوضع الاقتصادي الذي يزداد سوءًا نتيجة السياسات الفاشلة.
خلال خمس سنوات فقط، تجاوزت مشتريات المصريين من الذهب 128 طنًا، وهو رقم ضخم يعكس حالة من الهلع التي يعيشها المستثمرون والمواطنون الذين باتوا يعتقدون أن الذهب هو الملاذ الوحيد لحماية ثرواتهم ومدخراتهم من الضياع.
لا شك أن هذه الأرقام تكشف عن انعدام الثقة في قدرة الاقتصاد المصري على التعافي أو الاستقرار في ظل إدارة حكومية لا تكترث لما يعانيه الشعب.
وبالعودة إلى إحصائيات السنوات السابقة، نرى أن العام 2023 شهد شراء المصريين لـ 58 طنًا من الذهب، بينما في عام 2022 كانت المشتريات 19.2 طنًا، وفي 2021 كانت الأرقام أكثر هزالًا، حيث لم تتجاوز الـ 2.4 طن.
هذه الأرقام تظهر بوضوح مدى ارتفاع الطلب على الذهب مع مرور الوقت، حيث سعى المواطنون خلال السنوات الأخيرة إلى التحوط من تآكل قيمة الجنيه المصري، وهو ما يعكس بصورة قاطعة فشل الحكومة في تقديم حلول حقيقية لمشاكل الاقتصاد المصري.
لقد اختار المصريون الذهب كوسيلة لتخزين القيمة، بعد أن فقدت الجنيه المصري الكثير من قوته الشرائية. فالمواطن الذي كان يضطر في السابق للإنفاق على احتياجاته اليومية، أصبح اليوم يواجه غلاءً فاحشًا في الأسعار وارتفاعًا جنونيًا في تكاليف المعيشة، وهو ما يجعل السبائك الذهبية الخيار الوحيد للبقاء على قيد الحياة الاقتصادية.
مع غياب الرقابة الفعالة على الأسواق وعدم وجود بدائل مالية موثوقة، أصبح الذهب هو الأمل الأخير للمصريين لمقاومة تآكل الثروات.
إن هذه الظاهرة الاقتصادية ليست مجرد صدفة، بل هي نتيجة حتمية للسياسات الفاشلة التي تنتهجها الحكومة والتي لم تقدم حلولًا فعالة لمشاكل التضخم وارتفاع الأسعار.
في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من ارتفاعات مستمرة في أسعار السلع الأساسية، تتجاهل الحكومة حقيقة أن الذهب أصبح الحل الوحيد بالنسبة للعديد من الفئات، وخاصة المستثمرين الذين يرون في السبائك الذهبية أداة لحماية أموالهم من التدهور المستمر للعملة المحلية.
إن هذه الظاهرة تدل على التقاعس الكبير للحكومة المصرية في وضع حلول فعالة للحد من الأزمة الاقتصادية، فقد اختار المواطنون طريق الذهب لأنهم لم يجدوا أفقًا آخر للنجاة من غول التضخم الذي يلتهم قدرتهم الشرائية.
كما أن الحكومة تواصل تجاهل تحذيرات الخبراء الاقتصاديين حول ضرورة تبني سياسات نقدية ومالية حقيقية لدعم الاقتصاد المحلي بدلاً من اللجوء إلى تدابير مؤقتة لا تؤدي إلى تحسين الوضع العام.
لقد أصبح واضحًا أن الحكومة المصرية تتحمل المسؤولية عن التدهور الكبير في الأوضاع الاقتصادية، ويبدو أن من يحكمون البلاد لا يكترثون لمعاناة الشعب المصري التي تفاقمت في ظل غياب السياسات الفعالة.
في الوقت الذي يسعى فيه المواطنون إلى الحفاظ على ما تبقى من أموالهم، فإن الحكومة تستمر في تجاهل المشكلة الأساسية وهي كيفية تحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق استقرار العملة المحلية.
وإذا كان الذهب قد أصبح ملاذًا آمنًا للمواطنين المصريين، فإن هذا يشير إلى عمق الأزمة الاقتصادية، حيث يعكس هذا التوجه غياب الثقة في الاقتصاد الوطني، وعدم القدرة على توفير بيئة استثمارية آمنة.
إن الاتجاه نحو الذهب يعكس أيضًا انهيار القدرة الشرائية للجنيه المصري، حيث لا يستطيع المواطنون الاحتفاظ بمدخراتهم في العملة الوطنية، وبالتالي يلجأون إلى السبائك الذهبية كحلول بديلة.
ما يحدث الآن هو نتيجة مباشرة لسوء الإدارة الحكومية في معالجة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، والتي تسببت في انهيار القطاعات الحيوية مثل الصناعة والزراعة.
في الوقت الذي كان يجب فيه أن تستثمر الحكومة في مشروعات استراتيجية تسهم في تنمية الاقتصاد المحلي، نجدها تكتفي بالتعامل مع الأزمات بشكل ارتجالي ولا تقدم خططًا واضحة لمستقبل الاقتصاد المصري.
إن استمرار الحكومة في تهميش المشكلات الاقتصادية الكبرى، وعدم العمل على وضع حلول عملية، يؤدي إلى تفاقم الأزمة بشكل أكبر ويعزز من لجوء المواطنين إلى السبائك الذهبية كخيار وحيد للحفاظ على ما تبقى من قيمة لثرواتهم.
ومع استمرار هذا الوضع، فإن الأمل في تحسين الأوضاع الاقتصادية في مصر يبدو بعيد المنال، وتظل السياسات الحكومية جزءًا من المشكلة بدلاً من الحل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط