في خطوة تكشف عن فشل واضح في إدارة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، سحب البنك المركزي المصري سيولة نقدية من 25 بنكًا محليًا بلغت قيمتها تريليونًا و294 مليار جنيه في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، وذلك من خلال عطاءات السوق المفتوحة التي يتم تنفيذها بمعدل ثابت.
هذه الخطوة تضاف إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي خلال الأسابيع الماضية والتي لم تؤدِ إلى النتائج المرجوة بل أظهرت بوضوح مدى تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر.
وفي الأسبوع الماضي، جمع البنك المركزي المصري سيولة نقدية بقيمة 1.033 تريليون جنيه من 26 بنكًا في خطوة مماثلة، بينما وصل حجم السيولة التي جمعها في الأسبوع قبل الماضي إلى 1.135 تريليون جنيه من نفس العدد من البنوك.
أما في الأسبوع الذي قبله، فقد جمع نحو 792 مليار جنيه من 26 بنكًا. هذه الأرقام الضخمة تعكس حجم الأزمة المالية التي تمر بها الدولة وتؤكد فشل السياسات النقدية والمالية التي تتبعها الحكومة في احتواء التضخم والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
ومن الواضح أن هذه الخطوات التي يواصل البنك المركزي اتخاذها لا تهدف إلا إلى إخفاء الحقيقة المريرة التي يعيشها المواطن المصري، حيث تزداد معاناته يومًا بعد يوم نتيجة لارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية بشكل غير مسبوق، وهو ما يعكس فشل الحكومة في اتخاذ إجراءات حقيقية للحد من هذا التدهور.
ورغم محاولات الحكومة الدائمة للظهور بمظهر المنقذ عبر تصريحات إعلامية مكررة، فإن الواقع يقول عكس ذلك تمامًا. ما نشهده اليوم هو حالة من الاستنزاف الاقتصادي المستمر، الذي لا يقتصر فقط على فقدان قيمة العملة المحلية، بل يمتد ليشمل تراجع قدرة المواطنين على توفير احتياجاتهم الأساسية.
إن الأرقام التي يتم الإعلان عنها بخصوص جمع السيولة من البنوك تؤكد أن الحكومة لا تزال تستخدم أساليب تقليدية بائسة في محاولة لاحتواء التضخم.
والجدير بالذكر أن هذه السياسات لا تفعل سوى زيادة العبء على الاقتصاد المحلي، حيث يسحب البنك المركزي السيولة من النظام المالي بدلاً من ضخ المزيد من الأموال لتشجيع النمو الاقتصادي ودعم الاستثمارات.
بالإضافة إلى ذلك، يتضح أن هذه السياسة لا تقدم حلولًا جذرية لمشاكل الاقتصاد المصري بل تعمل فقط على تأجيل الانفجار المرتقب.
أما عن تعامل الحكومة مع الأزمات الاقتصادية التي تتزايد بشكل يومي، فيبدو أن النظام المصرفي المصري لا يزال في دوامة من التفاعل غير الفعال مع الأزمات المالية.
بل إن الحكومة المصرية فشلت في إيجاد آليات حقيقية لدعم الاستقرار المالي والاقتصادي، الأمر الذي يتطلب منها اتخاذ إجراءات شجاعة غير تقليدية. فبدلاً من البحث عن حلول مبتكرة للتعامل مع التضخم وضبط أسعار الصرف، تواصل الحكومة تجاهل الحلول الجذرية مثل تحسين بيئة الأعمال وزيادة الإنتاج المحلي، مما أدى إلى تزايد المعاناة الاقتصادية على مستوى الشعب.
من جهة أخرى، تظهر هذه التطورات الاقتصادية أن الحكومة المصرية تفتقر إلى القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة أزمة التضخم المزمنة. فبينما يواصل البنك المركزي اتخاذ إجراءات قصيرة الأمد مثل سحب السيولة النقدية، يبقى المواطن المصري هو الضحية الأساسية لهذه السياسات الاقتصادية الفاشلة.
إن التدابير النقدية التي تقتصر على سحب الأموال من البنوك لا تعتبر حلولًا شاملة لمشاكل الاقتصاد الوطني بل هي محاولات فاشلة لتخفيف الأعراض دون علاج المرض الأساسي. ومع استمرار هذه السياسات التي تركز فقط على الأرقام والبيانات المالية، تزداد المخاطر التي تهدد الاقتصاد المصري، خاصة مع تصاعد معدلات التضخم بشكل يخرج عن السيطرة.
ولا يمكن إغفال حقيقة أن هذه السياسات النقدية تهدف إلى تمويل العجز الحكومي من خلال استنزاف احتياطيات الدولة المالية، وهو ما يزيد من الضغوط على الاقتصاد ويؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
الحكومة المصرية بدلاً من أن تعمل على إصلاح هيكلي للقطاع المالي والاقتصادي، تواصل السياسات التقليدية التي لا تؤدي إلا إلى استمرار الدائرة المفرغة من التضخم وارتفاع الأسعار.
على الرغم من تصاعد الأزمات الاقتصادية، لم نشهد أي تحرك حقيقي من الحكومة لاحتواء الأضرار أو تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني. الحكومة تكتفي بإجراءات سطحية مثل ضخ الأموال في البنوك أو سحب السيولة دون وضع حلول استراتيجية طويلة المدى لتحسين أوضاع السوق المحلية.
وقد أكدت التقارير الأخيرة أن هذه السياسات النقدية لن تتمكن من حل المشكلة الاقتصادية في ظل غياب خطط مدروسة لدعم القطاعات الإنتاجية والخدمية بشكل فعال.
إن ما تمر به البلاد اليوم من أزمات اقتصادية يثبت أن الحكومة المصرية ليست في وضع يسمح لها بمواجهة التحديات الاقتصادية الكبرى التي تهدد مستقبل البلاد. إن عدم اتخاذ أي خطوات حقيقية نحو الإصلاح المالي الشامل يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي، ويبقي المواطنين في معاناة مستمرة.
وعلى الحكومة أن تدرك أن الحلول المؤقتة التي تعتمد على سحب السيولة من البنوك لن تساهم في حل الأزمات الاقتصادية المتراكمة، بل ستؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل أكبر مما هو عليه الآن.
وتكشف هذه الإجراءات المتتالية عن حقيقة مرة وهي أن الحكومة المصرية عاجزة عن مواجهة الأزمة الاقتصادية بشكل جدي.
بينما يواصل المواطنون دفع الثمن في ظل هذه السياسات الفاشلة، تزداد الأزمة عمقًا مما يتطلب تحركًا عاجلًا من الحكومة لتنفيذ إصلاحات حقيقية تخرج البلاد من دائرة الفشل الاقتصادي الذي يحيط بها.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط