في فضيحة مدوية تكشف عن الأبعاد الحقيقية للعلاقات الروسية السورية، أوقفت روسيا إمدادات القمح إلى سوريا، بسبب ما وصفه مصدر روسي بأنه “غموض شديد في القيادة السورية ومشكلات خطيرة تتعلق بالدفع”.
تأتي هذه الفضيحة في وقت حرج لسوريا التي تعتمد بشكل كبير على الحبوب الروسية لتوفير الغذاء لشعبها، في ظل أزمات متلاحقة وفساد مستشرٍ في النظام الحاكم.
مؤسسة “السورية للحبوب” في قلب الفضيحة
تشير التقارير إلى أن المؤسسة العامة لتجارة وتخزين الحبوب، المعروفة بـ”السورية للحبوب”، التي كانت تتولى مسؤولية استيراد القمح عبر مناقصات دولية، أصبحت تعتمد بشكل متزايد على شبكة من الوسطاء الدوليين للحصول على القمح الروسي، رغم العقوبات الدولية المفروضة على سوريا.
لكن خلف هذه الصفقات تكمن شبكة فساد واسعة ومعقدة تشترك فيها شخصيات نافذة من النظام السوري، وأبرزها كبار المسؤولين في المؤسسة، الذين يسيطرون على العقود ويستفيدون بشكل غير مشروع من العمولات والصفقات المشبوهة.
تورط شخصيات سورية وروسية في الفساد
مصادر مطلعة أكدت أن العديد من المسؤولين في سوريا يستغلون الوضع الراهن لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب السوري الجائع. وقال مصدر سوري مطلع لرويترز، طلب عدم الكشف عن اسمه: “المشكلات المتعلقة بالمدفوعات لا تتعلق فقط بالعقوبات، بل هناك فساد عميق في النظام. الكثير من الأموال المخصصة لشراء القمح تنتهي في جيوب المسؤولين”.
هذا التصريح يكشف حجم الفساد المستشري، حيث يسيطر حفنة من المتنفذين على التجارة الحيوية في البلاد، ما يزيد من معاناة الشعب الذي يعاني من نقص حاد في المواد الغذائية.
الشحنات الروسية العالقة تكشف الفوضى
توضح بيانات الشحن أن سفينتين محملتين بالقمح الروسي كانتا متجهتين إلى سوريا، ولكن لم تصلا إلى وجهتيهما بسبب حالة الفوضى المالية في دمشق. السفينة الأولى، “ميخائيل نيناشيف”، بقيت راسية قبالة الساحل السوري لفترة طويلة دون تفريغ حمولتها، بينما غيرت السفينة الثانية، “ألفا هيرميس”، مسارها واتجهت نحو ميناء الإسكندرية في مصر، بعدما بقيت لعدة أيام قبالة السواحل السورية دون إذن بالدخول.
هذه الفوضى تعكس حجم المشكلات الداخلية التي تواجهها سوريا في التعامل مع شركائها الدوليين، حيث أن الفساد وغياب القيادة الفاعلة يعيقان تأمين المواد الغذائية الأساسية للشعب. هذا الأمر لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة لسنوات من الحكم الفاسد والصفقات المشبوهة التي أدت إلى انهيار المنظومة الاقتصادية السورية.
الغموض السياسي بعد تغيير السلطة في سوريا
من جانبها، أبدت روسيا قلقًا متزايدًا إزاء الغموض الذي يكتنف الحكومة السورية الجديدة بعد التغييرات التي طرأت على السلطة في دمشق. وقال مصدر روسي قريب من الحكومة إن “المصدرين الروس قلقون بشأن من سيدير واردات القمح بعد هذه التغييرات”.
وتابع قائلاً: “لا أحد يجرؤ على توريد القمح إلى سوريا في ظل هذه الظروف المليئة بالغموض والفساد”. هذه التصريحات تكشف عن عدم ثقة روسيا في الحكومة السورية الجديدة أو المؤقتة، حيث لم يتضح بعد من سيتولى إدارة الملفات الاقتصادية الحساسة، وهو ما يفاقم من مشكلة تأمين القمح للشعب السوري.
أوكرانيا تدخل على الخط وسط عجز سوريا
في تطور آخر يكشف عن تصاعد الأزمة، أعلن وزير الزراعة الأوكراني أن بلاده مستعدة لتزويد سوريا بالحبوب، وهو ما يمكن أن يضعف النفوذ الروسي على سوريا فيما يخص الإمدادات الغذائية.
إلا أن العرض الأوكراني يطرح أسئلة خطيرة حول قدرة سوريا على التعامل مع أوكرانيا، خاصة أن نظام دمشق غارق في الفساد ولا يستطيع تأمين المدفوعات أو التعامل بشفافية مع الموردين الأجانب.
العقوبات الدولية ليست السبب الوحيد للأزمة
على الرغم من أن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا تعيق بشكل كبير قدرتها على شراء السلع من الخارج، إلا أن الفساد الداخلي يشكل السبب الرئيسي وراء تفاقم هذه الأزمة. السورية للحبوب، التي من المفترض أن تؤمن الغذاء للشعب، أصبحت ساحة للصفقات المشبوهة، حيث يتم توزيع المناقصات على مقربين من النظام.
وأشار المصدر السوري الذي تحدث إلى رويترز إلى أن “الكثير من العقود تُمنح لأشخاص مرتبطين بالحكومة الذين يستفيدون من العمولات والرشاوى”، ما يزيد من تعقيد الأزمة ويحول دون وصول الإمدادات الغذائية للشعب.
مستقبل الأمن الغذائي في سوريا في خطر
الفضيحة تكشف عن مدى تدهور الوضع في سوريا، حيث لم تعد القضية مجرد تأمين القمح، بل أصبحت متعلقة ببنية النظام الفاسد الذي يسيطر على مقدرات البلاد. تعليق روسيا لإمدادات القمح في هذه الفترة الحرجة يزيد من الضغوط على الحكومة السورية التي فشلت في تأمين احتياجات شعبها.
وفي ظل الاعتماد الكامل تقريبًا على الواردات الروسية، فإن أي توقف في هذه الإمدادات يعرض البلاد لأزمة غذائية قد تصل إلى مستويات كارثية.
مستقبل غامض وحلول غير واضحة
بينما يحاول النظام السوري البحث عن حلول وسط فوضى الفساد والعقوبات، يبقى الشعب السوري هو الضحية الأكبر. تعليق الإمدادات الروسية وعدم وضوح موقف أوكرانيا من توريد القمح لسوريا يشير إلى مستقبل غامض.
التحديات المالية والفساد الداخلي يعوقان أي حلول سريعة، فيما تستمر معاناة الشعب السوري مع نقص الخبز والمواد الغذائية الأساسية.
في الختام، يظل ملف القمح في سوريا مثالاً صارخًا على مدى تفشي الفساد والفشل في إدارة البلاد. الروس مترددون في التعامل مع سوريا بسبب الفساد والمشكلات المالية، في حين يقف الشعب السوري في مواجهة مجاعة محتملة نتيجة لهذا التلاعب بمقدرات البلاد.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط