اخبار التقنية اليوم : ابتكار جهاز جديد يتيح لك تذوق الطعام في الواقع الافتراضي  بالتفصيل

لطالما كانت تجارب الواقع الافتراضي مع محدوديتها، بوابة إلى عوالم بعيدة وتجارب فريدة، فبمجرد ارتداء نظارة الواقع الافتراضي، يمكن للمستخدم أن يخوض تجارب متنوعة، ابتداءً من إجراء العمليات الجراحية المعقدة واستكشاف أروقة متحف اللوفر، ووصولًا إلى  محاكاة سيناريوهات معقدة. ومع ذلك، بقيت حاسة التذوق عصية على المحاكاة، مما حرم المستخدمين من تجربة مذاق الأطعمة والمشروبات في هذه العوالم الافتراضية.

ولكن هذا الوضع قد يتغير قريبًا بفضل جهاز مبتكر يحمل اسم (e-Taste)، ونشر باحثون من جامعة ولاية أوهايو تفاصيله في دراسة حديثة في مجلة (Science Advances)، ويعتمد هذا الجهاز على مضخة كهرومغناطيسية صغيرة متصلة بقنوات سائلة تحتوي على مواد كيميائية، يمكن مزجها بنسب دقيقة لمحاكاة مجموعة متنوعة من النكهات، مثل: القهوة وعصير الليمون والكعك.

ويُعدّ هذا الجهاز قفزة نوعية في مجال الواقع الافتراضي، إذ يهدف إلى سد الفجوة الحسية المتبقية، وتمكين المستخدمين من تجربة مذاق الأطعمة والمشروبات داخل العوالم الافتراضية، ولا يقتصر هذا الجهاز على محاكاة المذاق فحسب، بل يسعى أيضًا إلى إدماج حاسة الشم، مما يعزز تجربة الواقع الافتراضي ويجعلها أكثر واقعية وثراءً.

تخيل أنك تتناول وجبة افتراضية في مطعم فاخر، وتستمتع بمذاق الأطباق ورائحتها، تمامًا كما لو كنت تتناولها في الواقع، أو تخيل أنك تتعلم الطهي في بيئة افتراضية، وتتذوق المكونات وتقيم مذاق الطبق خطوة بخطوة، هذه الإمكانات وغيرها الكثير قد تصبح واقعًا بفضل جهاز (e-Taste).

في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل كيفية عمل جهاز (e-Taste)، ونستكشف تطبيقاته المحتملة في مجالات متنوعة، مثل الترفيه والتعليم والطب، كما سنتناول التحديات التي تواجه تطوير هذه التقنية:

كيف يعمل جهاز (e-Taste)؟

يقوم جهاز (e-Taste) على دمج تقنيات الاستشعار اللاسلكي وتوزيع المواد الكيميائية، بهدف تمكين المستخدمين من إدراك حاسة التذوق من بُعد، ويعتمد تصميم الجهاز على جزأين رئيسيين، هما: واجهة فموية ومضخة كهرومغناطيسية صغيرة. وينقسم عمله إلى ثلاث مراحل رئيسية، وهي:

المرحلة الأولى؛ تحليل النكهة:

تبدأ المرحلة الأولى بتحليل الطعام أو الشراب باستخدام مجموعة من أجهزة الاستشعار المتطورة المصممة خصوصًا للكشف عن الجزيئات الرئيسية المساهمة في النكهة، مثل: الجلوكوز والجلوتامات، وهي المواد الكيميائية المسؤولة عن الأذواق الأساسية الخمسة، وهي: الحلو، والحامض، والمالح، والمر، واللذيذ.

وبمجرد أن تلتقط المستشعرات البيانات على شكل إشارات كهربائية، تُنقل هذه البيانات لاسلكيًا إلى جهاز (e-Taste)، لإعادة إنتاج النكهة.

المرحلة الثانية؛ إعادة إنتاج النكهة الأصلية:

تركز المرحلة الثانية في إعادة إنتاج النكهة الأصلية، وتعتمد هذه المرحلة على مضخة كهرومغناطيسية دقيقة تحتوي على قنوات متعددة مليئة بالمواد الكيميائية التي تحاكي الأذواق المختلفة، وتمزج هذه المواد بنسب محددة، بناءً على تحليل الجزيئات في العينة الأصلية.

ويمكن التحكم في توقيت دورات المضخة لضبط شدة النكهة، ثم يحول الخليط الناتج إلى هلام، يحمل الماء المتدفق عبره النكهات إلى فم المستخدم.

المرحلة الثالثة؛ تذوق النكهة:

تتصل المضخة بقناة سائلة تحتوي على المواد الكيميائية المسؤولة عن النكهات، عندما تمر شحنة كهربائية عبر هذه القناة، تهتز المواد الكيميائية، مما يدفع المحلول عبر طبقة جل خاصة إلى فم المستخدم.

وأكدت جينهوا لي، الأستاذة المساعدة في علوم وهندسة المواد في جامعة ولاية أوهايو والمؤلفة المشاركة في الدراسة، أهمية هذه التقنية في سد الفجوة الموجودة في مجال الواقع الافتراضي والواقع المعزز، إذ لا تُمثل حاسة التذوق بشكل كافٍ. وأشارت إلى أن جهاز (e-Taste) يمثل الجيل التالي من أنظمة التذوق الرقمي.

وقالت جينهوا لي: “بناءً على التعليمات الرقمية، يمكن أيضًا إطلاق طعم واحد أو عدة أذواق مختلفة في وقت واحد، مما يسمح بتكوين أحاسيس تذوق متنوعة ومعقدة”.

الاختبارات والنتائج:

أجرى الباحثون اختبارات عملية لجهاز (e-Taste) على عينة مكونة من 10 متطوعين، وكشفت النتائج عن أداء متباين للجهاز. فقد أظهر المتطوعون قدرة ملحوظة على التمييز بين درجات شدة الطعم الحامض المختلفة بدقة تصل إلى 70%. ومع ذلك، كانت النتائج أقل دقة عند محاولة التمييز بين نكهات أكثر تعقيدًا مثل: الكعك، والبيض المقلي، والقهوة، وحساء السمك.

ولكن هذا التباين في الأداء لا يعزى بالضرورة إلى قصور في الجهاز نفسه، لأن التذوق هو تجربة حسية ذاتية تتأثر بعوامل متعددة، حتى في العالم الحقيقي، فالرائحة، والذاكرة، والإشارات البصرية، كلها تؤدي دورًا في تشكيل إدراكنا للطعام، وقد يختبر شخصان الوجبة نفسها بنكهات مختلفة قليلًا، بناءً على هذه العوامل الفردية.

ومن ثم؛ يمكن أن يكون التباين في نتائج الاختبارات ناتجًا عن الاختلافات الفردية في إدراك المتطوعين للنكهات، وليس بالضرورة عن ضعف في أداء الجهاز.

وأكدت البروفيسورة (جينهوا لي) وجود ارتباط وثيق بين حاسة التذوق وحاسة الشم، والعواطف، والذاكرة، مشيرة إلى أن تطوير أجهزة استشعار قادرة على التقاط هذه المعلومات والتحكم فيها وتخزينها يمثل تحديًا هامًا.

وكشف ييزهين جيا، طالب الدكتوراه في جامعة ولاية أوهايو والمؤلف المشارك في الدراسة، عن بعض اللحظات غير المتوقعة التي شهدها فريق البحث خلال عملية الاختبار، فقد تفاجأ بعض المتطوعين بتذوق نكهة القهوة من جهاز لا يشبه آلة صنع القهوة التقليدية.

وفي حادثة أخرى، خلال محاولات ضبط دقة الطعم الحامض، قام جيا نفسه بتجربة جرعة زائدة من حمض الستريك، مما أدى إلى تجربة حادة وغير متوقعة، وأكدت هذه التجربة الشخصية الحاجة إلى دقة متناهية في تحديد كميات المواد الكيميائية المستخدمة.

وقد أشار جيا إلى أن عملية إيجاد التوازن المثالي بين هذه المواد، وتحديد المدة الزمنية اللازمة لإنتاج النكهة المطلوبة، كانت عملية مستمرة من التجربة والخطأ، وكل تجربة كانت تقدم دروسًا قيمة حول كيفية تحسين الجهاز وتعديل إعداداته لضمان تقديم تجربة تذوق أكثر واقعية ودقة.

وتسلط هذه النتائج الضوء على التحديات التي تواجه تطوير تقنيات التذوق الرقمي، وتؤكد الحاجة إلى المزيد من البحث والتطوير لتحسين دقة هذه التقنيات وقدرتها على محاكاة النكهات المعقدة.

تطبيقات مستقبلية واسعة النطاق:

يفتح جهاز (e-Taste) آفاقًا واسعة لتطبيقات مستقبلية في مجالات متعددة، فبالإضافة إلى تعزيز تجارب الألعاب الافتراضية، يمكن استخدامه في مجالات مثل:

  • الطب: يمكن أن يساعد في فهم كيفية معالجة الدماغ للإشارات الحسية من الفم، وتطوير علاجات لاضطرابات التذوق، كما يمكن استخدامه لتقييم حاسة التذوق لدى المرضى من بُعد.
  • التغذية: يمكن استخدامه في تقييم الأطعمة وتطوير منتجات غذائية جديدة.
  • التدريب: يمكن أن يساعد في تدريب الطهاة والمتذوقين على تعرف النكهات المختلفة.
  • مساعدة الأشخاص الذين فقدوا حاسة التذوق: يمكن استخدامه لمساعدة الأشخاص الذين فقدوا حاسة التذوق بسبب الأمراض، مثل أولئك الذين يعانون إصابات الدماغ الرضحية.

وأكدت جينهوا لي، أن هذا المفهوم يمثل خطوة أولى نحو إدماج حاسة التذوق في عالم الميتافيرس.

تحديات وفرص:

يُعد تطوير جهاز (e-Taste) خطوة مهمة، لكنه ليس الجهد الأول من نوعه في مجال محاكاة حاسة التذوق في الواقع الافتراضي. ففي العام الماضي، كشفت جامعة مدينة هونج كونج عن جهاز مبتكر على شكل مصاصة، مصمم بدقة لتمكين المستخدمين من تذوق نكهات محددة ضمن بيئات الواقع الافتراضي.

ويعتمد هذا الجهاز على مزيج من المواد الكيميائية القادرة على توليد تسع نكهات مختلفة، وعند تطبيق جهد كهربائي على سطحه الهلامي، تُحفز هذه المواد لتتحرك كسائل، وتتفاعل مع لعاب المستخدم، مما يصنع تجربة تذوق افتراضية تحاكي الواقع.

وتعكس هذه الجهود تاريخًا طويلًا من المساعي لإثراء التجارب الحسية في الوسائط المختلفة، فمنذ ما يقرب من قرن، في ثلاثينيات القرن العشرين، بدأت دور السينما تجارب لإطلاق العطور أثناء عرض الأفلام.

وفي وقت لاحق، ابتكر هانز لوب نظام (Smell-O-Vision) الذي استخدم شبكة معقدة من الأنابيب لإيصال الروائح المعطرة إلى الجمهور في لحظات محددة من الفيلم، وفي العصر الحديث، طور باحثون يابانيون (شاشة الشم) smelling screen، وهي جهاز تلفاز منزلي يستخدم كريات هلامية لإطلاق تيارات من الروائح نحو المشاهدين.

وفي تطور أحدث، كشفت سوني عن منصة مستقبلية تتيح للمستخدمين تجربة ألعاب بلاي ستيشن الشهيرة مثل (The Last Of Us) في بيئة غامرة بزاوية 360 درجة، مع إضافة مؤثرات شمية لتعزيز الواقعية.

لذلك يمثل جهاز (e-Taste) يمثل خطوة مهمة نحو إدماج حاسة التذوق في عالم الواقع الافتراضي، مما يفتح الباب أمام تجارب حسية غامرة وغير مسبوقة. ومع استمرار الأبحاث والتطوير، يمكن أن نتوقع رؤية المزيد من الابتكارات التي تعزز تجاربنا الحسية في العالم الرقمي وتجعلها أقرب إلى الواقع.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اخبار التقنية اليوم : هونر تعلن دعم هواتفها بسبع سنوات من تحديثات أندرويد بالتفصيل
التالى اخبار التقنية اليوم : هونر تكشف عن ساعتها الذكية المتطورة HONOR Watch 5 Ultra بالتفصيل