«من الأفضل أن نُنهي المكالمة، فتكلفة الاتصالات أصبحت باهظة الثمن للغاية»، لم يعد أحد يقول هذه الجملة، رغم أنها كانت القاعدة حتى فجر القرن الحادي والعشرين، وربما بعده.
وكذلك كانت أجهزة الكمبيوتر باهظة الثمن، وكان المكتبي النموذجي منها والمعروض في تسعينيات القرن العشرين يكلف آلاف الدولارات. وملحقاته، مثل الفأرة، تُعدّ خدمة إضافية مدفوعة في ذلك الوقت. أما الوصول إلى الإنترنت؟ فلم يكن بالأمر المتاح بالنسبة لأغلبية الأشخاص. هل تتذكرون مقاهي الإنترنت، والجلوس فيها لاستخدام الشبكة العنكبوتية، واستئجار أجهزة الكمبيوتر أو الألعاب المتصلة بالإنترنت؟
وماذا عن أجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة من نوع «4 كيه»، والتي كانت تُباع قبل فترة ليست بالبعيدة بنحو 25 ألف دولار، لقد كانت سلعة فاخرة يقتنيها الأثرياء للغاية فقط. اليوم، وكما يعلم معظمنا، انخفضت تكلفة الاتصالات وأسعار أجهزة الكمبيوتر والشاشات بشكل حاد. فهل هذا مؤشر على الركود في العصر الحديث؟ بالطبع لا. وعلى العكس تماماً، إنه دليل على التقدم.
وعلى النقيض من رأي الخبراء الذين يعتقدون أن النمو الاقتصادي لابد أن يُدار من قِبَل المخططين والمسؤولين في البنوك المركزية خشية أن «ينمو الاقتصاد» بسرعة أكبر مما ينبغي ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فإن العلامة الأكيدة على النمو الاقتصادي هي انخفاض تلك الأسعار.
نعم، إن بعض خبراء الاقتصاد يفهمون الأمر بشكل معاكس، كما هو الحال مع الكثير مما يحللونه. فالاستهلاك الذي يشكل دوماً وفي كل مكان تأثيراً وليس محركاً للنمو الاقتصادي لا علاقة له بالنمو، ولكن الاستثمار له كل العلاقة بذلك. وعندما تتطابق الموهبة مع رأس المال الاستثماري، فإن الموهوب يبتكر ما يستطيع من وسائل جديدة لإنتاج المزيد مقابل تكاليف أقل بشكل كبير، سعياً وراء انخفاض الأسعار، وهذا هو التجسيد الفعلي للنمو.
ومع السعي الدؤوب إلى تعزيز الإنتاج، فإن الدولارات التي نكسبها تُستبدل بالمزيد والمزيد. وهذا ليس انكماشاً تماماً، كما أن ارتفاع الأسعار ليس تضخماً. فعندما ترتفع الأسعار، يصبح لدينا منطقياً عدد أقل من الدولارات لشراء سلع وخدمات أخرى.
يرجى وضع كل هذا في الحسبان عندما يتحدث خبراء الاقتصاد عن أسعار النفط، وتراجعها. فكثيراً ما يقال، إن مثل هذا التراجع مؤشر خطِر على «الركود». وبعد كل ذلك، فإن الاقتصادات ليست كتلة حية واحدة تتنفس، بل هي مجموعة من البشر. وبما أن النفط ومنتجاته الثانوية يشكل أهمية بالغة للكثير من الأمور المتعلقة بالحياة اليومية وارتفاع مستويات المعيشة، فكيف يمكن أن يكون انخفـــاض تكاليـــف ما هو ضــروري وحيــوي للغاية مؤشراً على الانحدار الاقتصادي؟ ولأن النفط واحد من المكونات الأساسية للتقدم وازدهار الدول، فإن انخفاض سعر البرميل هو بلا شك الدليل الاقتصادي الأكثر إيجابية على الإطلاق.
ومع ذلك، يُصر البعض على التظاهر الغريب بأن واحداً زائد واحد يساوي ثمانية، وبالتالي فإن انخفاض أسعار النفط يشكل تهديداً اقتصادياً. هم لا يستوعبون أن الأمر على العكس من ذلك تماماً.
وإذا كان القراء لا يزالون متشككين، فعليهم أن يعودوا بالذاكرة إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، عندما كان النفط رخيصاً للغاية في ذلك الوقت، إلى الحد الذي جعل سعر البرميل يصل أحياناً إلى 7 دولارات. وحتى عام 1998، بلغ سعر البرميل 10 دولارات. فهل كان الاقتصاد الأمريكي في حالة حطام؟ وهل كانت الأسهم والأسواق في وضعية السقوط الحر؟ من المنطقي والواقعي أن الإجابة قطعاً «لا». فمع انخفاض تكلفة أهم المدخلات الاقتصادية للسلع الأساسية الأكثر أهمية على الإطلاق، وجدت المزيد من الاستثمارات الموجهة إلى الولايات المتحدة طريقها الصحيح إلى ما أشار الاقتصادي البارز وارن بروكس كثيرون بـ «اقتصاد العقل».
بالتالي، فإن الحقيقة البسيطة هي أن الأفراد هم الذين يقودون الطفرات الاقتصادية الكبيرة والرائعة، وسيكون هناك قدر أعظم من الاستثمار عندما تنخفض تكلفة المدخلات اللازمة للتقدم. وفي هذا الصدد، لا يشكل النفط حالة فريدة من نوعها ولا استثناءً، على الرغم من الجهود التي يبذلها المفكرون العميقون لتصويره على أنه نوع من الاقتصاد الآخر.