رأس الخيمة: عدنان عُكاشة
تعمل الجهات المختصة في رأس الخيمة على إطلاق «رؤية الثقافة والتراث 2030»، ضمن جهود مشتركة تشمل هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة، ودائرة الآثار والمتاحف، ومؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة العامة، و«مرجان»، المطور الرئيسي لمشاريع التملك الحر برأس الخيمة، وحددت الخطة الشاملة 20 موقعاً من المواقع التراثية في الإمارة، للمحافظة عليها وتطويرها بشكل مُستدام، لتحظى بأهمية خاصة.
أوضح راكي فيليبس، الرئيس التنفيذي للهيئة ل«الخليج»، أن تلك المواقع تشمل معالم وآثاراً بارزة، أُدرجت في القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي، التابعة لليونسكو. من أبرزها قلعة ضاية، آخر القلاع المبنية على التلال في دولة الإمارات، وقرية الجزيرة الحمراء، آخر قرية لصيد اللؤلؤ بمنطقة الخليج العربي.
تشمل المعالم منطقة شمل، التي تضمّ أكثر من 100 مقبرة ومستوطنة، تعود إلى ما قبل التاريخ، وقصراً يعود للعصور الوسطى، بجانب جلفار، الميناء الوحيد في الخليج، الذي كانت تنطلق منه السفن إلى جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، قبل العصر الإسلامي وحتى القرن الثامن عشر
وأشار فيليبس إلى أن القطاع السياحي في رأس الخيمة يُمثل حالياً 5% من إجمالي الناتج المحلي للإمارة، فيما تهدف الإمارة إلى زيادة مساهمته في اقتصاد الإمارة إلى الثلث، واستقطاب 3.5 مليون زائر سنوياً، بحلول عام 2030، حيث تُشكل السياحة الثقافية الركيزة الأساسية لتحقيق تلك الأهداف، بتوفيرها فرصةً مثالية لربط الماضي العريق بمستقبل واعد، مع الحفاظ على الهوية الثقافية والإرث التاريخي للإمارة.
نُمو مُتسارع
أكد فيليبس أن العالم يشهد نمواً اقتصادياً سريعاً، يُسهم في إعادة تطوير الوجهات السياحة. فبينما قد تطغى الحداثة والتوسع العمراني، في بعض الأحيان، على المعالم التاريخية وهويتها الثقافية، تزداد أهمية تحقيق توازن بين مسيرة التقدم، والحفاظ على الأماكن الثقافية والتاريخية أكثر من أي وقت مضى، مُشيراً إلى تصاعد اهتمام المسافرين بالبحث عن تجارب مميزة، تُركّز على القيمة التاريخية للأماكن التي يزورونها، والتعرف إلى تقاليد وثقافات شعوبها، ووفقاً لمنظمة السياحة العالمية، تمثل السياحة الثقافية نحو 40% من إجمالي إيرادات السياحة على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تحقق نمواً سنوياً بنسبة 4.1%، حتى عام 2030.
قيمة مُستدامة
بيّن فيليبس: إن السياحة الثقافية قادرة على تحقيق قيمة مستدامة، مع ضمان حماية البيئة والتراث الثقافي على المدى الطويل، كما أثبتت قدرتها على التكيف مع التحديات والتغيرات من خلال التخطيط السليم والتعاون مع الجهات المعنية. يبرز سؤال مهم: كيف يمكن للوجهات السياحية أن توازن، عبر البنية التحتية الحديثة، بين الحفاظ على تراثها الثقافي وتطوير مشهدها السياحي.
إن تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث وتنمية السياحة، يتطلب إدارةً حكيمة ورؤية استراتيجية، حيث قد تتعرض المواقع التاريخية والتراثية لخطر التدهور في غياب التنسيق الدقيق، ضمن عمليات التطوير. يتعين على تلك الوجهات السياحية إجراء تقييمات شاملة للآثار البيئية والثقافية، قبل بدء أي مشاريع تنموية.
جسر حضارات
شدد الرئيس التنفيذي للهيئة على أن رأس الخيمة، تحظى بتاريخ عريق يمتد لآلاف السنين، حيث تشهد شواطئها ورمالها وجبالها على حضارات متعددة، تعاقبت عليها منذ أكثر من 7 آلاف عام، وتتميز الإمارة بتنوعها الثقافي الغني، الذي يضمّ العديد من المعالم التاريخية، مثل ميناء جلفار التجاري القديم، وقلعة ضاية التاريخية، التي تشكل شاهداً على تاريخ رأس الخيمة.
وقال: «إدراكاً منها لأهمية وقيمة موروثها الثقافي، يتطلب الحفاظ على تلك المواقع التراثية، تنسيقاً مُستمراً مع الخبراء في مجالات الآثار والتاريخ، وتبني ممارسات مُستدامة، تنسجم مع أهداف السياحة البيئية العالمية، لضمان الحفاظ على أصالة التراث التاريخي وحمايته».
الجزيرة الحمراء
أكد أن قرية الجزيرة الحمراء في الإمارة تُعدّ مثالاً حياً على أهمية الالتزام بالحفاظ على التراث، حيث تمثل رمزاً أصيلاً للتراث الإماراتي، وتعكس المشهد الاجتماعي والاقتصادي في رأس الخيمة، فقد كانت الجزيرة في الماضي مركزاً حيوياً للغوص والتجارة، ولا تزال هياكلها المعمارية، المصنوعة من المرجان والطوب اللبن، شاهداً على البراعة الهندسية، التي صُممت لتصمد أمام قسوة الزمن وتحديات الطبيعة.
قبيلة الزعاب
كانت قبيلة الزعاب أول من سكن الجزيرة الحمراء، في أواخر القرن السادس عشر، حيث كانت جزيرة مدّية مُقسمة إلى جزأين: الجزء الشمالي المعروف ب«أم عويمر»، والجنوبي المعروف بفريج «مناخ»، وأسّسوا قريةً ازدهرت فيها الحياة، بفضل أنشطة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، مع الصيد والتجارة، ومع حلول أوائل القرن العشرين، توسعت القرية لتشمل حوالي 45 هكتاراً، حيث ضمت نحو 500 منزل، وكان يقدر عدد سكانها بين 2500 و3000 نسمة.
وأوضح فيليبس: تحتفظ القرية بكل مقومات الحياة التراثية الإماراتية التقليدية، وتضمّ قلعة شامخة وأبراج مراقبة ومساجد، وسوقاً، وبيوتاً إماراتية تقليدية فسيحة، بتصاميم مختلفة، تعكس تنوع الحياة الاجتماعية.
الترميم والاستدامة
قال فيليبس: تركزت جهود الترميم في المحافظة على الطابع المعماري التقليدي للقرية التاريخية الإماراتية، باستخدام المواد الطبيعية، مثل الحجر المرجاني وخشب المانغروف والطوب الرملي. ومع ندرة بعض هذه المواد أو لحمايتها، تم استخدام مواد بديلة مُستدامة.
ورأى أن الحفاظ على قرية الجزيرة الحمراء، يُعدّ ثمرة جهود مشتركة بين خبراء محليين ودوليين، حيث بدأت أعمال الترميم الأولية، عام 2010، وركّزت على ضمان السلامة الهيكلية للمباني القائمة، وحمايتها من التدهور والانهيار.
استطرد فيليبس: تُمثل «الجزيرة الحمراء» مركزاً ثقافياً حيوياً، يستضيف مجموعةً متنوعة من المهرجانات الفنية والبرامج التعليمية والفعاليات الثقافية، التي تتيح للزوار فرصة التفاعل المباشر مع تاريخ الإمارة.