25 فبراير 2025, 6:27 مساءً
في كلمته التي ألقاها اليوم وزير التعليم يوسف بن عبدالله البنيان في افتتاح النسخة الأولى من ملتقى الاستثمار في التعليم 2025م تحت شعار "استثمر من أجل الأثر.. التمكين من أجل تحوّل التعليم"، كشف عن نقلات كبيرة قادمة رسمتها قيادة المملكة الرشيدة، مستعرضاً رؤية مستنيرة تتجاوز الطموحات التقليدية، وتركز على وضع التعليم السعودي ضمن قائمة أفضل الأنظمة التعلمية على مستوى العالم، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. هذه الرؤية لم تكن وليدة اللحظة، بل نابعة من قناعة راسخة بأن التعليم هو الركيزة الأساسية لتحقيق النهضة الشاملة.
وما كشف عنه "البنيان" ليس مجرد إعلان للأهداف، بل كشف عن نقلات نوعية حقيقية تسعى لوضع التعليم السعودي بين أفضل الأنظمة التعليمية في العالم. ورؤية مستقبلية، في إطار وعي عميق بالتحديات القائمة، وتقديم مسارات واضحة لمواجهتها.
رؤية طموحة مدفوعة بالإرادة... وركائز حقيقية للتحول
وفي كلمته، وضع الوزير التعليم في قلب التحول الوطني، مؤكداً أن هذا القطاع ليس مجرد أداة للنمو الاقتصادي، بل هو محور رئيسي لرسم ملامح المستقبل السعودي. وأحد أبرز ملامح هذه الرؤية كان تمكين المعلم، باعتباره المحرك الأساسي لأي تحول تعليمي مستدام.
وهذا الاهتمام ليس مجرد شعار تكريمي، بل هو تحول حقيقي يعكس نية الوزارة في إطلاق برامج تطويرية شاملة ترتقي بالمعلمين، ليكونوا روّاداً في بناء جيل قادر على مواكبة التحولات التقنية والاقتصادية العالمية. وهذا الطموح يعكس إيماناً راسخاً من القيادة بأن التعليم يبدأ من المعلم، وينتهي ببناء مجتمع معرفي قادر على قيادة التغيير.
التكامل بين القطاعات: شراكة إستراتيجية لرسم المستقبل
واحدة من النقاط الجوهرية التي طرحها الوزير هي ضرورة التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص والقطاع غير الربحي، وهو تكامل يُنظر إليه اليوم كعنصر لا غنى عنه لتحقيق أهداف التحول التعليمي.
التحدي الأكبر هنا يكمن في أن مساهمة القطاع الخاص ما تزال عند 17%. ومع ذلك، هناك طموح واضح للوصول بهذه النسبة إلى 25%، وهو هدف لن يتحقق إلا بخلق بيئة استثمارية محفزة وجاذبة وهو ما أعلن عن حراك كبير نحوه.
ما يثير الإعجاب هو إدراك الوزارة أن هذا التكامل ليس مجرد ترف إداري، بل ضرورة إستراتيجية. من خلال تشجيع استثمارات القطاع الخاص في بناء المدارس وتطوير الخدمات التعليمية وصناعة المحتوى، تسعى المملكة إلى خلق بيئة تعليمية تواكب التغيرات السريعة في الاقتصاد العالمي.
التحديات الحقيقية... ووضوح في مواجهتها:
ما يميز هذا الملتقى ليس فقط التركيز على الطموحات، بل أيضاً الاعتراف الواضح بالتحديات الكبيرة التي تواجه قطاع التعليم السعودي.
هذه التحديات الرئيسية التي تم تسليط الضوء عليها بشفافية، جاء في مقدمتها: انخفاض مشاركة القطاع الخاص في العملية التعليمية. وضعف المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. والحاجة الماسة لتحديث البنية التحتية لتواكب الثورة التكنولوجية.
وما يجعل هذه الطموحات جديرة بالاهتمام هو الجرأة في التعامل مع هذه التحديات، إذ أُعلن عن حزمة من المبادرات النوعية لمعالجتها بفعالية، منها: تأسيس مركز الأعمال: لتسهيل الشراكات مع القطاع الخاص وتعزيز الاستثمار. وإنشاء ثلاثة مجالس استشارية: لتعزيز التكامل بين القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية. وتطوير معهد المعلمين وتعزيز دور المركز الوطني للمناهج لتحديث المحتوى التعليمي بما يتماشى مع التغيرات العالمية.
بناء بيئة استثمارية محفزة: خطوات جادة نحو المستقبل
ولا يتوقف الطموح عند التصريحات؛ فقد تم الإعلان عن عدة مشاريع تهدف إلى خلق بيئة تعليمية محفزة تواكب متطلبات العصر ومنها: إطلاق منصة مدارس: لتقييم الأداء المدرسي ورفع معايير الجودة. وبرنامج نافس: لتعزيز التنافسية وقياس جودة التعليم بين المدارس.
كما تم توقيع اتفاقيات مع جهات حكومية وخاصة، أبرزها مع وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لتعزيز استدامة المنشآت التعليمية، وصندوق البنية التحتية لدعم المشروعات التعليمية، بالإضافة إلى التعاون مع بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتمويل المشاريع التعليمية الجديدة.
الابتكار والاستدامة: المحركان الأساسيان للتحول التعليمي
اللافت أيضاً ما تم التأكيد عليه عن أن مستقبل التعليم في المملكة لا يمكن أن يكتمل دون التركيز على الابتكار والاستدامة.
وفي ظل التحول نحو اقتصاد معرفي، جاءت المبادرات -في الملتقى- لتُظهر التزام المملكة بالارتقاء بالمحتوى التعليمي وتطوير البنية التحتية من خلال: اعتماد المباني الخضراء في المؤسسات التعليمية لدعم الاستدامة البيئية. ودعم الابتكار في المحتوى الرقمي ليواكب التطورات العالمية. وتعزيز البحث العلمي والتطوير لتوفير بيئة تنافسية تُسهم في رفع جودة التعليم.
بين الطموحات والتحديات: الطريق نحو اقتصاد معرفي مستدام
وما يميز خطاب الوزير هو التركيز على أن التعليم لم يعد مجرد وسيلة لإعداد الأفراد لوظائف تقليدية، بل أصبح أداة لبناء اقتصاد معرفي قادر على دعم النمو المستدام للمملكة. ومع أن التحديات واضحة ومعترف بها، إلا أن الخطة الطموحة للتعليم التي تم الكشف عنها في الملتقى تشير إلى إرادة قوية لمعالجتها بشكل جاد، مع التركيز على تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتمكين المعلمين، وخلق بيئة تعليمية تنافسية تُسهم في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
رؤية طموحة تتسلح بالواقعية
انطلاقة نوعية للملتقى أكدت مجدداً أن المملكة تتعامل مع قطاع التعليم كركيزة أساسية لنهضتها المستقبلية. تلك الطموحات الهائلة التي تم استعراضها خلال الملتقى أعلن عن ارتباطها بخطط واضحة لمواجهة التحديات وتقديم حلول مبتكرة.
وإذا استمرت هذه الجهود بتلك الشفافية والإرادة القوية، فإن التعليم السعودي سيكون قادراً على تحقيق قفزة نوعية تُسهم في بناء وطن مزدهر يليق بطموحات رؤية 2030 ويؤسس لمستقبل مشرق يليق بالتطلعات.