25 فبراير 2025, 7:30 صباحاً
مع إحياء أوكرانيا الذكرى الثالثة للغزو الروسي، تتصاعد التصريحات الدولية حول إمكانية إنهاء الصراع. في خضم هذا المشهد، يطلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ بخطابٍ يخلط بين الإشارات التفاؤلية والشروط الصارمة: أوروبا مُرحَّبٌ بها على طاولة المفاوضات، لكن طريق الوصول إلى اتفاقٍ حقيقي ما زال محفوفاً بالعقبات، فما الذي يريده الكرملين حقاً؟
بناء الثقة
أكّد بوتين؛ في مقابلةٍ مع التلفزيون الروسي، أن الحلَّ الجذري لأزمة أوكرانيا يبدأ بخطوةٍ واحدة: بناء جسر ثقة مع واشنطن. ووصف المحادثات الأخيرة بين الطرفيْن في الرياض، بأنها "لبنة أولى"، لكنه نوّه بأن التفاصيل ما زالت غائبة. "الولايات المتحدة وروسيا يجب أن تتحمّلا المسؤولية الأولى"، قال بوتين؛ مُشيراً إلى أن أوروبا، ستدخل المشهد لاحقاً حين تتحوّل المفاوضات إلى نقاشٍ مباشرٍ حول تسوية دائمة، وفقاً لـ"رويترز".
ولم تُخفِ موسكو استياءها من الضجة الأوروبية حول استبعادها من المحادثات في السعودية، وبرّر بوتين ذلك بقوله: "أوروبا ليس لها دورٌ في مرحلة الثقة الأولى"، مُوضحاً أن التركيز حالياً ينصبُّ على إزالة "الشكوك التاريخية" بين القوتين العظميين. رغم ذلك، أعرب عن تفاؤله بحضور أوروبي فاعل عند مناقشة بنود السلام، مؤكداً: "نحن لم نغلق الأبواب، والحوار معهم مستمر منذ سنوات".
تخفيضات عسكرية
وفي مفاجأةٍ غير متوقعة، كشف بوتين عن انفتاحه على نقاشاتٍ جريئة مع واشنطن حول خفض الإنفاق العسكري بنسبة 50%، واصفاً الفكرة بأنها "خطوة نحو استقرار عالمي". وأضاف: "إذا وافقت الولايات المتحدة، سنقلّص ميزانياتنا بشكلٍ متبادل.. والصين مدعوة للانضمام لاحقاً". يبدو أن العرض الروسي يحمل رسالةً مزدوجة: تخفيف التوترات من جهة، وإعادة رسم معادلة القوى العالمية من جهة أخرى.
ولم يتردّد بوتين في الإشادة بمنهجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ واصفاً إياها بـ"العقلانية الخالية من العواطف". وأوضح أن تصريحات ترامب الأخيرة -التي تَعهد فيها بإنهاء الحرب خلال أسابيع- تعكس "حريةً في اتخاذ القرار" لا تتمتع بها القيادات الأوروبية، وفق قوله. "ترامب يقول ما يريد دون قيود.. هذه امتيازات القوة العظمى"، علّق بوتين بسخريةٍ مُبطنة.
مستقبل المفاوضات
ورغم التفاؤل الظاهري، تُركّز موسكو على أن الطريق إلى السلام لن يكون قصيراً. فبينما يُصرّ ترامب على حلٍ سريع، يُشير بوتين إلى أن "الجولات المُقبلة من المفاوضات ستكون مُكرّسةً لتفاصيل مُعقدة". وفي إشارةٍ إلى الخلافات مع كييف، استبعد احتمال عودة كل الأراضي المحتلة إلى أوكرانيا، مُلمحاً إلى أن أيَّ تسويةٍ ستتطلب تنازلاتٍ من الجانبين.
في المقابل، حذّر خبراء غربيون -مثل مايكل فرومان من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي- من أن أيَّ اتفاقٍ مع موسكو يجب ألا يُضعف التحالف الأطلسي. وكتب في تحليله: "التعاون الأوروبي - الأمريكي هو الضامن الوحيد لسلامٍ دائم.. ترك أوكرانيا وحدها في مواجهة التحديات الاقتصادية سيكون انتحاراً إستراتيجياً".
وتُركّز الأضواء الآن على الخطوات العملية، فهل ستنجح واشنطن في تحويل تصريحات الثقة إلى اتفاقاتٍ ملموسة؟ وكيف ستردُّ أوروبا على شروط بوتين التي تضعها في مقعد المُتفرج المراقب؟ الأسئلة تكشف أن المعركة الدبلوماسية قد تكون أشرس من ساحات القتال نفسها.