05 فبراير 2025, 7:42 صباحاً
في خطوةٍ أحدثت صدمة سياسية واسعة، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ عن خُطة غير متوقعة للسيطرة والاستيلاء على قطاع غزة، مع طرح تصوّرٍ يُحوّل المنطقة إلى ما وصفه بـ"ريفيرا الشرق الأوسط". هذه الفكرة، التي أثارت استغراب المراقبين، تُعيد إلى الأذهان نزعات استعمارية قديمة، حيث تشمل إخلاء الفلسطينيين، وإعادة تشكيل القطاع وفق رؤية اقتصادية جديدة، وهو ما وصفه خبراءٌ بأنه يتجاوز حدود الممكن سياسياً وقانونياً.
تتزامن تصريحات ترامب؛ مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الذي لم يُبدِ تأييداً صريحاً للخُطة، لكنه اعتبرها "جديرة بالنقاش"، مما زاد من الغموض حول مدى جديتها وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع.
أكثر القرارات غرابة
ولطالما عُرف ترامب بأنه شخصٌ غير مقيدٍ بالأعراف السياسية التقليدية، إذ اتخذ قرارات مفاجئة خلال فترته الرئاسية الأولى، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها. ومع ذلك، فإن اقتراحه بشأن غزة يتجاوز حتى أكثر قراراته غرابة، فهو لا يتحدث عن دعمٍ سياسي أو اقتصادي للقطاع، بل عن استيلاءٍ فعلي وتحويلٍ شامل.
وتنفيذ هذه الفكرة يتطلب خطوات قانونية وعسكرية ضخمة، إذ لا تمتلك الولايات المتحدة أي أساسٍ قانوني يتيح لها ضم قطاع غزة؛ فضلاً عن أن أيّ محاولة لإعادة توطين سكانه البالغ عددهم مليونَي نسمة ستُواجه بمعارضة دولية شديدة؛ ناهيك عن التحديات اللوجستية والسياسية المرتبطة بها.
نهجٌ استعماري
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يطرح فيها ترامب خططاً غير تقليدية لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية، إذ سبق أن اقترح شراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، وطرح أفكاراً مثل ضم كندا، واستعادة السيطرة على قناة بنما.. غير أن خطته بشأن غزة تأخذ أبعاداً أكثر تعقيداً؛ كونها ترتبط بصراعٍ طويل الأمد وحساسية سياسية بالغة.
يعتقد بعض المحللين أن ترامب يسعى إلى إعادة إحياء نهجٍ استعماري قديم، حيث كان يُنظر إلى المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية كأوراقٍ يمكن إعادة توزيعها وفقاً لمصالح القوى العظمى. لكن في ظل النظام العالمي الحالي، لم تعد هذه الأفكار قابلةً للتطبيق بسهولة، إذ تتطلب دعماً دولياً واسع النطاق يصعب تحقيقه.
معارضة دولية
وعلى الرغم من أن تصريحات ترامب لاقت استحسان بعض الدوائر السياسية في إسرائيل، إلا أن ردود الفعل الدولية جاءت حادّة وسلبية، إذ أشار خبراءٌ في القانون الدولي إلى أن فرض سيطرة أمريكية على غزة يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، كما أن تهجير السكان بالقوة يُصنَّف كجريمة ضدّ الإنسانية وفقاً لاتفاقيات جنيف.
وفي واشنطن، لم يلقَ اقتراح ترامب دعماً يُذكر من الكونغرس، حتى بين أعضاء حزبه الجمهوري، الذين رأوا فيه مغامرة غير محسوبة؛ قد تُعرّض الولايات المتحدة لمزيدٍ من التورُّط العسكري في الشرق الأوسط.
انعكاساتٌ سياسية
يُثير هذا الطرح جدلاً واسعاً حول مدى جدية الإدارة الأمريكية في تبني سياسات جديدة تجاه المنطقة، خاصة أن فكرة السيطرة على قطاع غزة تخرج عن الإطار التقليدي للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. لطالما ركّزت الإدارات الأمريكية السابقة على دعم الحلول الدبلوماسية والتسويات السياسية، حتى في ظل تقديم الدعم الكامل لإسرائيل. لكن أن تذهب واشنطن إلى حد اقتراح ضمّ قطاع غزة وتحويله إلى وجهةٍ سياحية، فذلك يفتح الباب أمام تساؤلاتٍ جوهرية حول مدى واقعية هذا التوجّه وإمكانية تنفيذه دون إشعال مزيدٍ من الصراعات.
وبينما يراها البعض مجرد تصريحاتٍ دعائية تهدف إلى إحداث صدمةٍ سياسية وإعلامية، يحذّر آخرون من خطورة الترويج لمثل هذه الأفكار التي قد تؤدي إلى مزيدٍ من التوتر في المنطقة.
إن طرح رؤية تقوم على الإخلاء القسري للسكان، وإعادة تشكيل القطاع، وفقاً لمنظورٍ جديدٍ لا يتجاهل فقط تعقيدات الواقع السياسي، بل يتجاهل أيضاً حقوق السكان الفلسطينيين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة.
ومع غياب أيّ آليةٍ لتنفيذ مثل هذا المخطط، يبقى السؤال الأبرز: هل سيظل هذا الطرح مجرد فكرة مُثيرة للجدل أم أنه قد يمهّد لخطواتٍ أكثر تأثيراً في المستقبل؟