19 يناير 2025, 10:23 صباحاً
بعد مماطلة من الاحتلال الإسرائيلي -استمر حتى اللحظات الاخيرة ما أدّى إلى استشهاد 13 مواطنا واصابة العشرات- دخل اتفاق "وقف إطلاق النار" في قطاع غزة، حيز التنفيذ، بعد 15 شهراً من حرب الإبادة الإسرائيلية التي خلفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح؛ معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمارٍ هائلٍ ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وبموازاة الإبادة بغزة، صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرون من اعتداءاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة؛ ما أسفر عن استشهاد 835 مواطناً وإصابة آلاف آخرين، وآلاف حالات الاعتقال، وتزايد عمليات هدم المنازل والمنشآت، والحواجز العسكرية التي تقطع أوصل المدن والبلدات والقرى، إضافة إلى القوانين العنصرية التي سنتها "الكنيست" الإسرائيلية؛ للتضييق على الفلسطينيين، وعمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ووفق وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، كانت للعدوان الإسرائيلي تداعياتٌ على الاقتصاد الوطني الفلسطيني، حيث تعمّقت الأزمة المالية للحكومة الفلسطينية مع قرصنة حكومة الاحتلال مزيداً من أموال المقاصة الفلسطينية، وارتفعت نسبة البطالة مع تعطل آلاف العمال الذين كانوا يعملون داخل أراضي الـ48، وتراجع الأنشطة الاقتصادية في الضفة.
قطاع غزة
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدواناً على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد 46899 مواطناً على الأقل؛ بينهم 17581 من الأطفال، ونحو 12048 من النساء، وإصابة أكثر من 110725 آخرين، في حين لا يزال نحو 11 ألف مفقود تحت الركام وفي الطرقات؛ ما أدّى إلى انخفاض عدد سكان القطاع بمقدار 6% مع نهاية عام 2024.
وتسبّب عدوان الاحتلال الإسرائيلي في تهجير أكثر من 85% من مواطني قطاع غزة؛ أي ما يزيد على 1.93 مليون مواطن من أصل 2.2 مليون، من منازلهم بعد تدميرها. كما غادر القطاع نحو 100 ألف مواطن منذ بداية العدوان.
ويعيش نحو 1.6 مليون من المواطنين القطاع حالياً في مراكز إيواء وخيام تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية، وسط دمارٍ هائلٍ وغير مسبوقٍ في البنى التحتية وممتلكات المواطنين، وتشير التقديرات الى أن أكثر من 80% من قطاع غزة مدمّر.
إغلاق المعابر كافة في قطاع غزة وفرض حصار مشدّد منذ بداية العدوان، تسبّبا في نقصٍ حادٍ في المواد الغذائية والمياه والأدوية وإمدادات الوقود، الأمر الذي تسبّب في مجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
والآن هناك 96% من مواطني قطاع غزة (2.2 مليون نسمة) يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى سبتمبر 2024، من بينهم ما يزيد على 49 ألف امرأة حامل، كما يواجه أكثر من 495 ألف مواطن (22% من السكان) مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الخامسة) منهم 11 ألف امرأة حامل، ونحو 3500 طفل معرضين للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.
وحرم العدوان، 788 ألف طالب في قطاع غزة من الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم للعام الثاني على التوالي؛ بينهم أكثر من 58 ألفاً كان يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي 2024 / 2025، فضلاً عن 39 ألفاً ممَّن لم يتقدّموا لامتحان الثانوية العامة.
ومنذ بدء العدوان حتى نهاية سبتمبر 2024، دُمّر أكثر من 77 مدرسة حكومية بشكلٍ كاملٍ، فيما تعرَّضت 191 مدرسة للقصف والتخريب؛ منها 126 مدرسة حكومية، و65 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ودُمّر أكثر من 51 مبنى تابعاً للجامعات بشكلٍ كاملٍ، و57 مبنى بشكلٍ جزئي، وتعرَّض أكثر من 20 جامعة لأضرارٍ بالغة.
14 مستشفى فقط تعمل في قطاع غزة من أصل 36، بشكلٍ جزئي، وسط نقصٍ حادٍ في المعدات والكوادر الطبية والمستلزمات الطبية؛ الأمر الذي تسبّب في تفشي الأمراض، وعدم تمكن المواطنين من الوصول إلى الخدمات الطبية الطارئة.
ودمَّرَ الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه 815 مسجداً تدميراً كلياً، و151 مسجدا ًبشكلٍ جزئي، و19 مقبرة بشكلٍ كاملٍ، وانتهك قدسيتها من خلال الاعتداء عليها ونبش قبورها وإخراج الجثث، واستهدف ودمَّر 3 كنائس في مدينة غزة.
وخسرت الثقافة الفلسطينية 44 كاتباً وفناناً وناشطاً في حقل الثقافة استُشهدوا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العدوان، و32 مؤسسة ومركزاً ومسرحاً دُمرت إما بشكلٍ جزئي أو كاملٍ من جرّاء القصف، إضافة إلى تضرُّر 12 متحفاً و9 مكتبات عامة، و8 دور نشر ومطابع.
وهدم الاحتلال نحو 195 مبنى تاريخيًّا يقع أغلبها في مدينة غزة، بشكلٍ جزئي أو كاملٍ، وتضرّرت 9 مواقع تراثية و10 مساجد وكنائس تاريخية تشكّل جزءًا من ذاكرة القطاع، وتعمّدت قوات الاحتلال تدمير الميادين العامة وهدم النصب والأعمال الفنية فيها، إلى جانب تدمير 27 جدارية فنية في الأماكن العامة وعلى طول شاطئ بحر مدينة غزة.
وشهدت الأنشطة الاقتصادية كافة في قطاع غزة منذ بداية العدوان حتى نهاية عام 2024 انهياراً تاماً؛ ما أدّى إلى انكماشٍ حادٍ وغير مسبوقٍ في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82%، رافقه ارتفاع معدل البطالة إلى 80%.
الضفة الغربية بما فيها القدس
وفي الضفة الغربية، استُشهد خلال فترة العدوان على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023 حتى نهاية عام 2024، نحو 835 مواطناً، بينهم 173 طفلاً، وأُصيب 6450 آخرون، نتيجة هجمات قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين.
ونفّذ الاحتلال ومستعمروه بعد السابع من أكتوبر حتى نهاية عام 2024، 19700 اعتداء، بحق المواطنين وممتلكاتهم؛ بينها 3630 اعتداءً نفّذها مستعمرون، أسفرت عن استشهاد 22 مواطناً، وأدت إلى اقتلاع وتخريب وتضرّر وتسميم 19 ألف شجرة.
وخلال الفترة ذاتها، استولت قوات الاحتلال على 53 ألف دونم وفق إعلانات مختلفة، منها: "أراضي دولة" و"أمر وضع اليد" و"محميات طبيعية"، وأقامت 13 "منطقة عازلة" حول المستعمرات.
ومنذ بداية العدوان حتى نهاية 2024، تمّت عملية دراسة (مصادقة وإيداع) 23 ألف وحدة استعمارية جديدة في مستعمرات الضفة بما فيها القدس، فيما أقام المستعمرون 57 بؤرة استعمارية جديدة، وشرعت سلطات الاحتلال في تسوية أوضاع (شرعنة) 13 بؤرة استعمارية أخرى.
وشهدت الفترة ذاتها تصاعداً ملحوظاً في هدم منازل المواطنين، حيث هدمت قوات الاحتلال خلال الفترة ذاتها 1022 منشأة سكنية وزراعية، وسلّمت 1167 إخطاراً بالهدم ووقف البناء.
المعتقلون
منذ السابع من أكتوبر 2023، صعّدت إدارة سجون الاحتلال من إجراءاتها بحق المعتقلين والمعتقلات وضاعفت الإجراءات القمعية من ضربٍ مبرحٍ وإهاناتٍ تحط من كرامتهم، واستولت على منجزاتهم التي تحققت نتيجة سنوات طويلة من النضال في معتقلات الاحتلال، وقللت الطعام كماً ونوعاً، وحرمتهم الزيارة، ومارست بحقهم شتى أنواع التعذيب والقهر والاذلال، الذي وصل إلى حد التحرُّش والاعتداء الجنسي على بعضهم.
ونفّذت قوات الاحتلال عمليات اعتقال طالت أكثر من 25 ألف مواطن؛ منهم ما يقارب 14300 معتقل من الضفة الغربية بما فيها القدس، والآخرون من قطاع غزة.
استخدم الاحتلال الاعتقال الإداري كسياسة عقابية انتقامية بحق أعدادٍ كبيرة من المعتقلين، إذ تقدّر أعداد ممّن تمّ تحويلهم أو تجديد الاعتقال الإداري لهم مرة أو مرات عدة نحو 10 آلاف معتقل.
واستُشهد في الفترة ذاتها، 54 معتقلاً داخل سجون الاحتلال، 35 منهم من مُعتقلي قطاع غزة، وما زال الاحتلال يحتجز جثامينهم.
ووثّقت مؤسسات الأسرى، اعتقال 450 امرأة وفتاة وطالبة جامعية وأسيرة محرّرة، لا يزال يحتجز الاحتلال منهن 89 داخل معتقلاته، فضلاً عن اعتقال 1065 طفلاً، وما يقارب 700 منهم منذ بدء عام 2024.
حكومة الاحتلال أبلغت "المحكمة العليا الإسرائيلية" أن عدد الغزيين المعتقلين في سجونها هو 3636، وأن 529 غزياً في السجون الإسرائيلية ممنوعون من لقاء المحامين.
الأزمة المالية
ومنذ بدء عدوان الاحتلال على قطاع غزة، بدأت إسرائيل باقتطاع ما يعادل نفقات الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، من أموال المقاصة، إلى جانب تشريع قانون جديد في الكنيست باقتطاعات جديدة تحت بند تعويض عائلات أفراد قُتلوا أو أُصيبوا في هجماتٍ نفّذها فلسطينيون، يضاف ذلك إلى اقتطاعات سابقة توازي مدفوعات الحكومة لعائلات الشهداء والجرحى والمعتقلين، إلى جانب اقتطاعات أخرى غير القانونية.
ووصلت الاقتطاعات غير القانونية إلى 70% من قيمة المقاصة الاجمالية؛ ما تسبّب في تعمُّق الأزمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وانعكس على قدرتها بالإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.
وللعام الثالث على التوالي لا تستطيع الحكومة الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي القطاع العام، وتسدّد جزءاً من رواتبهم الشهرية.
كما شهد قطاع التعليم اضطرابات في العامين الدراسيين الماضيين، لم يلتحق إثرها الطلبة بمقاعدهم الدراسية بشكل منتظم، بسبب عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي وزارة التربية والتعليم العالي، فيما أوشك قطاع الصحة على الانهيار، من جرّاء النقص الحاد في الأدوية والمُستهلكات الطبية، حيث إن هناك 120 صنف دواء غير متوافرة في الوزارة؛ منها 20 دواء أورام، و420 صنفاً من المُستهلكات الطبية رصيدها صفر في الوزارة، منها 170 صنفاً تخصصياً؛ ما أثر في تقديم الخدمة للمواطنين، عبر قائمة الانتظار الطويلة للعمليات في المستشفيات الحكومية، فيما تحوّل الوزارة العمليات الطارئة للمستشفيات الخاصة أو الأهلية.
وتواجه فلسطين كوارث اقتصادية، واجتماعية، وإنسانية، وبيئية، وصحية، وتعليمية، وغذائية أدّت إلى انكماش القاعدة الإنتاجية وتشويه الهيكل الاقتصادي لفلسطين. فمع نهاية عام 2024، تشير التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82%، رافقه ارتفاع معدل البطالة إلى 80%.
وامتد هذا التراجع إلى اقتصاد الضفة بنسبة فاقت 19%، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 35%. وفي المحصلة، أدّى ذلك إلى تراجع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28% رافقها ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى 51%.
النهاية
ودخل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، اليوم الأحد، حيز التنفيذ بعد تأخره أكثر من ساعتين ونصف الساعة، بسبب إعلان سلطات الاحتلال عدم تنفيذه قبل تسلّم قائمة الأسيرات المقرر إطلاق سراحهن.
وبحسب الاتفاق، الذي أعلنه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، يوم الأربعاء الماضي، وصادقت حكومة الاحتلال عليه، أمس السبت، فإن وقف إطلاق النار كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم.
ومع ذلك، ومنذ الساعة الثامنة والنصف، جدّدت قوات الاحتلال قصفها مناطق عدة في قطاع غزة؛ ما أدى إلى استشهاد 13 مواطناً وإصابة العشرات بجروح مختلفة.