24 ديسمبر 2024, 10:22 صباحاً
يشهد العالم حدثًا علميًّا فريدًا اليوم (الثلاثاء)؛ حيث يستعد مسبار باركر الشمسي التابع لوكالة ناسا، في مهمة تاريخية غير مسبوقة، للقيام بأقرب تحليق على الإطلاق بالقرب من الشمس. سيقترب المسبار لمسافة 6.2 ملايين كيلومتر فقط من سطح الشمس الملتهب، محققًا رقمًا قياسيًّا جديدًا في استكشاف الفضاء. يمثل هذا الإنجاز العلمي قفزة نوعية في فهمنا للنجم الذي يمدنا بالضوء والحرارة، ويكشف النقاب عن أسرارٍ طالما حيّرت العلماء، ويفتح آفاقًا جديدة في دراسة الظواهر الشمسية وتأثيرها على كوكبنا.
رحلة جريئة
وانطلق مسبار باركر في رحلته الجريئة في أغسطس 2018، حاملًا على عاتقه مهمة استكشاف الغلاف الجوي الخارجي للشمس، المعروف باسم الإكليل الشمسي. هذه المهمة الطموحة، التي تمتد لسبع سنوات، تهدف إلى تعميق فهمنا العلمي للشمس ومساعدتنا في التنبؤ بأحداث الطقس الفضائي، التي قد تؤثر على الحياة على كوكب الأرض، وعلى الأقمار الصناعية وشبكات الطاقة والاتصالات. تم تصميم المسبار لتحمّل الظروف القاسية بالقرب من الشمس، ليجمع بيانات حيوية لم تكن متاحة من قبل؛ وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وسيحدث أقرب اقتراب للمسبار من الشمس حتى الآن اليوم 24 ديسمبر، في تمام الساعة 6:53 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة (11:53 بتوقيت جرينتش)؛ لتوضيح مدى قرب هذا الاقتراب.. تخيل أن المسافة بين الأرض والشمس تُعادل طول ملعب كرة قدم أمريكية، في هذه الحالة سيكون المسبار على بُعد حوالى أربعة ياردات فقط من خط النهاية. هذا الاقتراب الشديد يمثل تحديًا تقنيًّا هائلًا، ولكنه يوفر فرصة ذهبية لدراسة الشمس عن كثب.
ويواجه مسبار باركر تحدياتٍ هائلة خلال هذه المهمة؛ حيث سيتحمل درجات حرارة تصل إلى 1700 درجة فهرنهايت (930 درجة مئوية) بفضل درعه الحراري المتطور المصنوع من مواد مركبة متقدمة. هذا الدرع يحمي الأدوات العلمية الحساسة من الحرارة الشديدة. في الوقت نفسه ستحافظ الأدوات العلمية الداخلية للمسبار على درجة حرارة معتدلة تبلغ حوالى 85 درجة فهرنهايت (29 درجة مئوية)؛ مما يضمن عملها بكفاءة عالية في هذه الظروف القاسية.
سرعة فائقة
وإضافة إلى درجات الحرارة الشديدة؛ سيتحرك المسبار بسرعة مذهلة تبلغ حوالى 430 ألف ميل في الساعة (690 ألف كيلومتر في الساعة)، وهي سرعة كافية للانتقال من واشنطن العاصمة إلى طوكيو في أقل من دقيقة. هذه السرعة الهائلة تجعل مسبار باركر أسرع جسم من صنع الإنسان على الإطلاق.
ويؤكد العلماء أن هذه المهمة ستوفر بيانات غير مسبوقة من منطقة لم يسبق لأي مركبة فضائية الوصول إليها من قبل. هذه البيانات ستساعد في الإجابة على أسئلة مهمة حول الشمس، مثل كيفية نشأة الرياح الشمسية، وهي عبارة عن تدفق مستمر من الجسيمات المشحونة التي تنبعث من الشمس وتؤثر على النظام الشمسي بأكمله. كما ستساعد في فهم لماذا يكون الإكليل الشمسي -وهو الغلاف الجوي الخارجي للشمس- أكثر سخونة من سطح الشمس نفسه؛ وهو لُغز حيّر العلماء لعقود. بالإضافة إلى ذلك، ستساعد البيانات في فهم كيفية تكوين الانبعاثات الكتلية الإكليلية، وهي عبارة عن سحب هائلة من البلازما تندفع عبر الفضاء ويمكن أن تتسبب في اضطرابات في المجال المغناطيسي للأرض.
ومن خلال المغامرة في هذه الظروف القاسية، ساعد مسبار باركر العلماء في حل بعض ألغاز الشمس، لكن لا تزال هناك أسئلة مهمة تحتاج إلى إجابة، مثل طبيعة العمليات الفيزيائية التي تحدث في الإكليل الشمسي وتساهم في تسخينه.
وتُعَد هذه الرحلة في ليلة عيد الميلاد، الأولى من بين ثلاث رحلات اقتراب قياسية، حيث من المتوقع أن يقترب المسبار أكثر من الشمس في 22 مارس 2025 و19 يونيو 2025. هذه المهمة تمثل فصلًا جديدًا في استكشافنا للشمس، وتفتح الباب أمام فهم أعمق لنجمنا وتأثيره على نظامنا الشمسي، وتمهد الطريق لمزيد من المهام المستقبلية التي تهدف إلى دراسة الشمس عن كثب.
ويمثل اقتراب مسبار باركر الشمسي من الشمس في ليلة عيد الميلاد إنجازًا علميًّا تاريخيًّا؛ حيث يوفر فرصة فريدة لدراسة نجمنا عن كثب وفهم طبيعته وتأثيره على كوكبنا. هذه المهمة تجسّد روح الاكتشاف العلمي، وتفتح آفاقًا جديدة في فهمنا للكون.