في ظل المشهد المأساوي الذي تعيشه المدن الجديدة، لا سيما القاهرة الجديدة، بسبب الفيضانات التي سببتها الأمطار الغزيرة، تكشف الحقيقة الصادمة عن تغافل المسؤولين وتقاعسهم عن أداء واجباتهم.
المشاهد الكارثية التي نراها في الشوارع ليست نتيجة لأمطار موسمية أو كميات هائلة من المياه كما يحدث في بعض الدول الأخرى، بل هي انعكاس لخلل إداري وسوء تخطيط أفضى إلى هذا الانهيار المؤسف.
الرئيس والحكومة الآن أمام مسؤولية تاريخية لمحاسبة المقصرين ومعاقبة كل من أهمل في أداء واجبه، فالمواطن لم يعد يثق في قدرة الدولة على حمايته.
الواقع المرير الذي تعيشه القاهرة الجديدة، حيث تُسدّ بالوعات صرف الأمطار ويعجز نظام الصرف عن التعامل مع كميات الأمطار المتساقطة، يؤكد أن المحليات وهيئة المجتمعات العمرانية هما المسؤولان المباشران عن هذه الكارثة.
المسؤولون الذين يفترض بهم خدمة المواطنين يظهرون وكأنهم فوق الدولة، غير مدركين لواجباتهم الحقيقية تجاه الشعب.
الموظف العام الذي لا يراعي واجباته ولا يشعر بثقل المسؤولية يجب إقالته فورًا، ويجب أن تكون هذه الإقالات عبرة وردعًا لكل مسؤول يتهاون في عمله. لقد أظهرت هذه الأمطار الفضيحة الكبرى للنظام الإداري في الدولة.
الدول التي تشهد أمطارًا موسمية مثل مصر، لا تعتبر الأمطار عبئًا بل تستغلها في تحسين البنية التحتية وتطوير المدن، حيث تستعد مسبقًا لتجميع المياه واستغلالها سواء في تجميل المدن أو تخزينها لاستخدامها لاحقًا.
بينما في مصر، تسقط كميات من الأمطار بالكاد تُذكر، ومع ذلك تتحول الشوارع إلى بحيرات والأحياء إلى مسطحات مائية غير صالحة للسير أو العيش فيها. ما يحدث ليس نتيجة لغزارة الأمطار، بل هو نتيجة مباشرة لعدم الكفاءة في التخطيط وسوء الإدارة.
بالإضافة إلى ذلك، تفتقر القاهرة الجديدة إلى بنية تحتية كافية للتعامل مع هذه الحالات. فهناك 11 محطة صرف تعمل بالكهرباء، لكن في ظل الأمطار العنيفة وانقطاع التيار الكهربائي، تتعطل هذه المحطات، وتصبح غير قادرة على استيعاب المياه.
ورغم وجود مولدات كهربائية، فإنها ليست كافية لتشغيل المحطات بكامل طاقتها، إذ يتطلب الأمر مولدات أكبر حجمًا تتناسب مع حجم المياه المتساقطة. هذا الفشل في التخطيط لا يتوقف هنا، بل يمتد إلى هيئة المجتمعات العمرانية وشركات الكهرباء التي تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية في ما يحدث.
عربات كسح المياه التي تم إرسالها للتعامل مع الأزمة كانت غير كافية على الإطلاق لمواجهة هذا الموقف. مرة أخرى، تتجلى المشكلة في عدم الجاهزية وسوء إدارة الأزمات.
إن غياب التخطيط السليم وتجاهل المسؤولين لأهمية اتخاذ التدابير الوقائية الملائمة يعكس حالة من الفساد والإهمال لا يمكن السكوت عليها. كل هذا يستدعي تحركًا عاجلًا من الحكومة لمحاسبة المسؤولين، ليس فقط من أجل حل الأزمة الحالية، بل لتجنب تكرارها في المستقبل. يجب أن تكون العقوبات صارمة حتى لا يتجرأ أحد على التهاون في مسؤولياته مرة أخرى.
الأمر لم يتوقف على القاهرة الجديدة فقط، فقد شهدت مناطق أخرى في القاهرة والجيزة والإسكندرية خلال الأيام الأولى من فصل الشتاء حالة من عدم الاستقرار في الأحوال الجوية، حيث تساقطت الأمطار بغزارة، وتزامن ذلك مع برق ورعد مما زاد من حالة الفوضى والتخبط.
ورغم التحذيرات المتكررة من هيئة الأرصاد الجوية، والتي أشارت إلى استمرار حالة عدم الاستقرار وتكاثر السحب المنخفضة والمتوسطة في الفترة المقبلة، فإن الاستعدادات الحكومية كانت أقل من المستوى المطلوب.
السحب المتوسطة والمنخفضة ستستمر في تكاثرها، وسيستمر سقوط الأمطار على السواحل الشمالية والوجه البحري والقاهرة وسيناء، وقد تمتد حتى شمال الصعيد.
ومع هذه التوقعات الجوية التي تشير إلى استمرار سقوط الأمطار على مدار ساعات متواصلة، بما في ذلك أمطار رعدية قد تصل إلى حد السيول في بعض المناطق مثل سيناء، يبدو أن كوارث مماثلة تنتظرنا ما لم تتحرك الدولة بجدية.
المواطنون لم يعودوا يحتملون تكرار هذه الكوارث مع كل فصل شتاء، والمحاسبة أصبحت ضرورة لا يمكن تأجيلها. الأمطار التي كان يمكن استغلالها كفرصة لتجميل المدن وتحسين الظروف المعيشية، تحولت إلى نقمة بسبب الفشل الإداري والتقاعس الحكومي.
إنه لأمر يدعو للدهشة والقلق أن تستمر نفس المشاهد المأساوية عامًا بعد عام دون أن تتحرك الحكومة بجدية لمعالجة جذور المشكلة.
إذا لم تُحاسب الدولة الفاسدين والمتقاعسين عن أداء واجبهم، فإننا سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة من الأزمات والكوارث المتكررة. يجب أن تعي الحكومة أن هيبتها تكمن في احترام المواطن وتقديم الحلول الجذرية لمشاكله، وليس في ترك الأمور تتفاقم حتى تصبح كوارث.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط