السبت 7 ديسمبر 2024 09:17 مساءً
خبراء: عوائد إيجابية على المنتجين والتجار والمصدرين.. والمستهلك هو الخاسر
الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك نصف مليون طن.. والتصدير يزيد حجم المشكلة
48 مليون دولار حجم الصادرات السمكية فى 2023.. و615 مليون دولار قيمة الواردات
فى خطوة مفاجئة، أعلنت الهيئة القومية لسلامة الغذاء منذ أيام عن إعادة فتح باب تصدير الأسماك لدول الاتحاد الأوروبى بعد توقف دام 3 سنوات، واستيفاء كافة متطلبات واشتراطات الاتحاد الأوروبى فى هذا الشأن.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تشهد فيه الأسواق المحلية ارتفاعات متوالية فى أسعار الأسماك، ما أثار العديد من التخوفات لدى المواطنين، خشية أن يسهم تصدير الأسماك لأوروبا فى زيادة الأسعار محلياً أكثر مما هى عليه الآن.
إلا أن آراء الخبراء تباينت حول هذا الأمر، ما بين مؤيد لفكرة إعادة التصدير للأسواق الأوروبية لأنها تفيد الاقتصاد المصرى، بينما رأى آخرون أن التصدير سيؤدى إلى زيادة الأسعار محلياً.
ووفقاً لبيانات المجلس التصديرى للصناعات الغذائية، بلغ حجم صادرات مصر من الأسماك خلال عام 2023 نحو 48 مليون دولار، مقابل 46 مليون دولار فى عام 2022، و30 مليون دولار فى 2021، وخلال أول 9 أشهر من العام الجارى سجل صادرات الأسماك 40 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل لنحو 55 مليون دولار بنهاية 2024.
وأظهرت نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع واردات مصر من الأسماك بما فيها المحفوظة خلال 2023 بنسبة 30.1% لتسجل 615.058 مليون دولار مقابل 879.712 مليون دولار خلال 2022.
وقال الدكتور طارق الهوبى، رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، إنه تم إعادة فتح باب تصدير الأسماك لدول الاتحاد الأوروبى بعد توقف دام ثلاث سنوات، وذلك بعد استيفاء الهيئة لكافة متطلبات واشتراطات الاتحاد الأوروبى فى هذا الشأن.
وأوضح الهوبى، فى بيان صادر عن الهيئة، أن هذا الإنجاز الكبير قد تحقق بعد تسلم الهيئة القومية لسلامة الغذاء الملف، فى نهاية عام 2021، حيث عملت الهيئة جاهدة منذ ذلك الحين على وضع نظام رقابى متكامل على مدار سلسلة تداول المنتج السمكى بدءًا من المصدر الأولى، مرورًا بالمصانع انتهاءً بطرحه بالأسواق.
ولفت رئيس هيئة سلامة الغذاء إلى أن تقرير التفتيش السابق للمفوضية الأوروبية قد احتوى على عدة توصيات وملاحظات وفقًا للتشريعات الأوروبية فى هذا الشأن، وعليه فقد أخذت هيئة سلامة الغذاء على عاتقها وبالتعاون مع جميع الجهات ذات الصلة العمل على إنهاء جميع هذه التوصيات والملاحظات لتحقيق التكامل فى النظام الرقابى على المنتج السمكى، ما أسفر عن الاستيفاء المستندى للنظام الرقابى وذلك فى شهر يونيو ٢٠٢٣.
وأشار الهوبى إلى أنه استتبع ذلك قيام المفوضية الأوروبية بإجراء زيارة للمراجعة والتدقيق فى الفترة من ٢٨مايو إلى ٦ يونيو ٢٠٢٤ وذلك لتقييم نظام التداول والرقابة على المنتجات السمكية البحرية فى مصر، لافتًا إلى أن نتائج الزيارة كانت إيجابية بشكل كبير.
وتكليلًا لهذه الجهود الكبيرة تسلمت مصر خطاباً رسمياً من المفوضية الأوروبية يفيد بإعادة فتح باب التصدير والسماح بنفاذ الصادرات المصرية من الأسماك البحرية إلى دول الاتحاد الأوروبى.
وأوضح رئيس هيئة سلامة الغذاء أن صادرات هذا القطاع قادرة على تحقيق الوصول إلى المستهدفات، الأمر الذى يعطى دفعة قوية لنمو صادرات الصناعات الغذائية وهو ما سيكون له الأثر فى تحفيز رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فى اكتشاف الفرص المتاحة فى هذا القطاع وتسويق منتجاته وإقامة مشاريع القيمة المضافة.
كما أكد الهوبى أهمية هذا النجاح الكبير فى تحقيق الأمن الغذائى واستدامة موارد المصايد البحرية والحفاظ على المخزون السمكى والصناعات القائمة عليه.
وكشف تقرير لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى عن أن مصر تحتل المركز الأول إفريقيًا والسادس عالميًا فى الاستزراع السمكى، كذلك تحتل المركز الثالث عالميًا فى إنتاج السمك البلطى لعام 2022.
وأوضحت الوزارة أنه جرى إصدار قانون تطوير وتنمية البحيرات، وأطلق المشروع القومى لتنمية البحيرات «المنزلة – البرلس – إدكو – البردويل»، وإزالة التعديات عليها، وتم التوسع مؤخراً فى المشروعات المرتبطة بالثروة السمكية والمفرخات وغيرها.
ووصل إنتاج مصر من الأسماك إلى مليونى طن بعد أن كان مليوناً و400 ألف طن خلال عام 2014، وذلك من خلال العديد من المشروعات القومية والمزارع السمكية، بحسب الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية.
مخاوف
وكانت الأسماك هى ملاذ المصريين لتذوق طعم البروتين بعد ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، إلا أن نار ارتفاع الأسعار طالتها أيضا مما جعلها بعيدة المنال عن القدرة الشرائية لملايين المصريين، ومع الاتجاه للتصدير فمن المتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر، ومن ثم زادت مخاوف المواطنين وهو ما أكدته هيام محمد ربة منزل مشيرة إلى أن أسعار الأسماك مرتفعة بشكل كبير فكيلو البلطى يتراوح سعرة بين 120 و140 جنيهاً، والبورى يصل سعره إلى 200 جنيه، فماذا سيحدث بعد التصدير
وأضاف أيمن على أن حديث هيئة سلامة الغذاء يدور حول تصدير الأسماك البحرية ولكننا نعلم جميعا فى مصر أن تصدير أى سلعة ينعكس مباشرة على السوق المحلى، وهو ما يثير مخاوف أكثر من ارتفاع أسعار الأسماك بشكل عام مما نعكس على قدرتنا على شرائها، مضيفاً امتنعنا تمام عن شراء الجمبرى الذى يبدأ سعره من 350 جنيهاً، وأصبحنا نشترى البلطى على فترات متباعدة، فهل سنحرم من تذوق الأسماك بعد التصدير، بعد أن حرمنا من تناول اللحوم والدواجن بسبب ارتفاع أسعارها؟
شهادة جودة
من جهته، قال الدكتور أشرف يونس، رئيس قسم التنمية البشرية والإحصاء بكلية الثروة السمكية جامعة السويس، إن إعادة فتح الأسواق الأوروبية أمام السمك المصرى تعتبر شهادة على جودة المنتج المصرى والمميزات التى يتمتع بها.
وأضاف يونس أن مصر يجب أن تحافظ على هذه المكانة وتهتم بزيادة الإنتاج من المصادر الطبيعية وخاصة المالحة، لأن جودة الأسماك المصرية المنتجة من المياه المالحة أعلى من العذبة، مشيرا إلى أن الدولة قرأت هذا المشهد منذ سنوات وبدأت فى تنفيذ مشروعات قومية فى هذا المجال باستخدام أسماك المياه المالحة مثل مشروع شرق بورسعيد «الفيروز» على مساحة 26 ألف فدان، وإقامة بحيرة صناعية جديدة بحوالى 9600 فدان، تمت إضافتها إلى البحيرات الموجودة بالفعل.
وأوضح رئيس قسم التنمية البشرية والإحصاء بكلية الثروة السمكية جامعة السويس، أن فتح السوق الأوروبى لصادرات الأسماك المصرية حافز للدولة لاقتناص الفرصة لزيادة الإنتاج وفتح أسواق جديدة فى كل أوروبا، لافتاً إلى أن السوق الإيطالى يعد أهم الأسواق الأوروبية لمنتجات الأسماك المصرية، ومن المفترض أن نهتم بهذا السوق ونتوسع فى التصدير له.
وتابع عناصر التسويق تتمثل فى الميزة التنافسية بالسعر أو المنتج نفسه أو قنوات التوزيع المتعددة أو قوة الترويج، ومصر دخلت السوق الأوروبية بميزة السعر والمنتج، لأن هناك بعض البحيرات المصرية أسماكها مطلوبة عالميا نظرا لجودتها، ومن ضمنها بحيرة البردويل، وبالتالى نحتاج إلى المحافظة على هذه الكنوز الطبيعية لاعتبارات عديدة أهمها أنها فرصة لزيادة الصادرات وجلب عملة صعبة تعادل ميزان مدفوعات النشاط الزراعى».
وذكر يونس، أن عامل التغطية السعرية يعد عاملا مهما فى مجال تصدير الأسماك، وهو يعنى عدد الأطنان التى يمكن للدولة استيرادها ويغطيها تصدير طن واحد من الأسماك المصرية إلى الخارج، قائلاً: «يعنى تصدير طن سمك واحد يخلينا نقدر نستورد كام طن من نوع تانى مطلوب فى السوق المحلى ونغطى بيها الفجوة».
وأضاف، «الطن المصرى قادر على تغطية عدد من الأطنان المستوردة، خاصة وأن أسعار السمك المصرى الذى يتم تصديره أعلى من الأسماك التى يمكن استيرادها من دول أخرى وتوزيعها فى الأسواق المحلية، لأن الأسماك التى سيتم تصديرها هى الدنيس والقاروص التى تتعدى أسعارها 300 و400 جنيها، بينما من الممكن استيراد أنواع مثل البلطى أو غيره من الأنواع المطلوبة فى السوق والى تتميز بأسعارها المناسبة للسوق المصرى، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية وانخفاض القوى الشرائية للمواطن المصرى».
ولفت رئيس قسم التنمية البشرية والإحصاء بكلية الثروة السمكية جامعة السويس، إلى أن احتياجاتنا من الأسماك تقدر بنحو 2.5 مليون طن سنويا، بينما ننتج 2 أو 2.1 مليون طن، أى أن هناك فجوة تصل إلى 400 ألف طن يمكن تغطيتها بتصدير الأسماك الغالية ومقابلها نستورد أنواع أقل فى السعر وتتناسب مع دخول المواطنين، وبالتالى تختفى هذه الفجوة.
وذكر يونس، أن البعض يتحدث عن المشروعات الجديدة التى أنشأتها الدولة خلال السنوات الماضية وأنها يجب أن تسد هذه الفجوة، والرد على ذلك أن هذه المشروعات لكى تصل إلى طاقتها الإنتاجية الكاملة تحتاج إلى عدة سنوات، وهذه الفترة لا تتناسب مع معدل الطلب المتزايد.
كما أن تصدير السمك يوفر عملة صعبة كانت الدولة ستستخدمها فى استيراده، لأن واردات مصر من الأسماك فى 2019 وصلت إلى 11 و12 مليار جنيه، وحاليا الوضع أصعب لأن عدد السكان يتزايد والطلب يرتفع، وبالتالى تصدير السمك يساعد على توفير العملة الصعبة التى كانت تستخدم فى الاستيراد، كما أن هناك دول لديها غزارة فى الإنتاج السمكى ولا تمتلك تكنولوجيا حفظ الأسماك، وبالتالى من الممكن أن نتجه لهذه الدول ونستورد منها بسعر أرخص مما نصدر به.
وأكد يونس، أنه من النتائج المترتبة على زيادة صادرات الأسماك، زيادة الواردات بأسعار أرخص وتغطية الفجوة فى السوق المحلى، بالإضافة إلى توافر أحد مصادر البروتين الحيوانى فى الأسواق، لأن السمك بديل جيد للحوم والدواجن التى ستنخفض أسعارهما بالتبعية نتيجة اتجاه المواطن إلى الأسماك بعد توافرها بسعر مناسب.
مصلحة للمنتجين
وقال المهندس محمد ضافر خبير الاستزراع السمكى، إن فتح الأسواق الأوروبية لتصدير السمك المصرى لأوروبا تصب فى صالح المزارع والمربى والتجار، لكنه على الجانب الآخر سيرفع الأسعار على المستهلك المحلى.
وأضاف ضافر أن تصدير السمك يعنى خروج كميات كانت تدخل الأسواق المحلية إلى الخارج، وبالتالى المعروض فى السوق المحلى سينخفض من بعض الأنواع وخاصة الأسماك البحرية، وبالتالى ترتفع أسعارها، وذلك كله فى مصلحة أصحاب المزارع والمنتجين.
وأوضح خبير الاستزراع السمكى أن الأسماك البحرية التى تعيش على المياه المالحة هى المقصودة من التصدير وليس أسماك المياه العذبة، وبالتالى فمعظم أنواع هذه الأسماك البحرية سيرتفع أسعارها، مثل الدنيس والقاروس والجمبرى، وغيرها، مشيراً إلى أن معدل الارتفاع فى الأسعار سيكون وفقا للكميات المصدرة، مضيفاً، «الأسماك البحرية معظمها يتم تسويقها خارجيا لأن طبقات متعددة من الشعب لا تأكلها».
ولفت إلى أن القرار فى حد ذاته جيد من الناحية الاقتصادية والاستثمارية للتاجر والمزارع والدولة، لأنه سيجلب عملة صعبة من التصدير، وسيشجع على زيادة الاستثمار فى مشروعات الاستزراع السمكى، خاصة وأن ارتفاع أسعار السمك سوف يشجع الكثيرين للدخول فى هذا المجال.
وأشار ضافر إلى أن الخاسر الأكبر من القرار هو المستهلك المحلى الذى يفضل الأسماك البحرية، موضحاً أن سمك البلطى هو الأشهر والأكثر إقبالاً فى الأسواق المصرية، وهى سمكة مياه عذبة وليست مالحة، وبالتالى التأثير عليها سيكون أقل من الأسماك البحرية الأخرى.
ونوه إلى أن ارتفاع أسعار الأسماك فى السوق المحلى مؤخراً ناتج عن زيادة تكاليف الإنتاج سواء أعلاف أو إيجارات أو غيرها من المنتجات الأخرى.
وتابع، «القرار مفيد لأن مجال السمك يستفيد منه فئات عديدة مثل مصانع الأعلاف والزريعة والسائقين ومصانع الثلج وأسواق الجملة وغيرها، وبالتالى إذا شهد السوق رواجاً من عمليات التصدير، فإن الجميع يستفيد، كما أن الدولة ستستفيد أيضاً من العملة الصعبة الناتجة عن التصدير، فضلاً عن مصانع تصنيع الأسماك التى ستقوم بالتصدير للخارج».