في فضيحة فساد من العيار الثقيل تكشفت التفاصيل الحقيقية لما يحدث في جمعيتي “الرعاية الاجتماعية” و”الحج والعمرة” للعاملين بقطاع الكهرباء، حيث أثبتت المستندات الرسمية أن الفساد وصل إلى أعلى مستويات في مجالس الإدارة لهذه الجمعيات، التي تم إنشاؤها تحت ستار خدمة العاملين.
لكن الحقيقة المرة التي نكشفها اليوم هي أن هؤلاء المسؤولين قاموا بالاستيلاء على أموال ضخمة تفوق 35 مليون جنيه، مستخدمين الطرق الأكثر خداعًا لتحقيق مصالحهم الشخصية وإهدار أموال العاملين في قطاع الكهرباء.
المستندات التي ظهرت أخيرًا تكشف عن كارثة فساد مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات في جمعيات أهلية خدمية، بدأت في أساسها بوعود كاذبة لتحسين وضع العاملين وتقديم الدعم والخدمات لهم، لكن ما حدث هو استغلال هذه الجمعيات كأدوات لنهب الأموال العامة.
من بين هذه الجمعيات تبرز “جمعية الرعاية الاجتماعية” الخاصة بالعاملين في شركتي شمال وجنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء، والتي كانت تودع اشتراكات أعضائها في حسابات مصرفية تزيد قيمتها عن 30 مليون جنيه شهريًا، دون أن يكون هناك أي نوع من الرقابة على كيفية صرف هذه الأموال. هذا الرقم يعكس الفساد الضخم الذي يتم في الخفاء ويؤكد بشكل قاطع أن أموال العاملين كانت تُهدر بلا حساب.
المشكلة الحقيقية في هذا الفساد تكمن في غياب أي نوع من المحاسبة على هذه الأموال الضخمة. على الرغم من أن الجمعية تحتفظ بمبالغ ضخمة في حساباتها البنكية، إلا أن مراقبة صرف هذه الأموال كانت شبه معدومة، ما أدى إلى تضخم الحسابات البنكية في الوقت الذي كان فيه العاملون يعانون من تلاعبات واضحة في مستحقاتهم.
فمجلس الإدارة التابع لهذه الجمعية قام بحساب مكافآت نهاية الخدمة للعاملين على أساس المرتب الأساسي فقط، متجاهلاً الأجر الشامل الذي يضمنه لهم القانون. هذه الخطوة التي تعتبر مخالفة صريحة للوائح الصندوق رقم 200 لسنة 1994، أدت إلى حرمان مئات العاملين من مستحقاتهم القانونية، وتسبب في إهدار الأموال المخصصة لهم في أمور شخصية لا علاقة لها بصرف مستحقات العاملين.
القضية التي رفعها العامل محمد عبدالرازق ضد إدارة الجمعية كانت بمثابة الشرارة التي فجرت هذا الفساد. حيث طالب بإعادة حساب مستحقاته من صندوق الرعاية على أساس الأجر الشامل، وليس الأجر الأساسي كما تم احتسابه في وقت سابق.
وصدق القضاء في دعواه، حيث حكمت محكمة شمال القاهرة الابتدائية في سبتمبر 2015 لصالحه، وألزمت المسؤولين عن الجمعية بدفع تعويض قدره 288,172.08 جنيه كفرق حساب مكافأة نهاية الخدمة، بالإضافة إلى 5000 جنيه تعويضًا أدبيًا.
ما يدعو للتساؤل الآن هو كم من الأموال ذهبت هدرًا على هذا النحو؟ كم من العاملين تم تهميش حقوقهم بهذه الطريقة؟ وهل كانت هذه الأموال ستذهب إلى جيوب المسؤولين الفاسدين لولا قيام العاملين بالتنبيه عن هذه المخالفات؟
أما عن تفاصيل الأموال التي كانت تُستغل، فقد كانت شركات الكهرباء تتحمل عبئًا ماليًا ضخمًا من خلال الاشتراكات التي تدفعها لصالح الجمعية. فشركة شمال وجنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء كانتا تدفعان نسبة 40% من حوافز العاملين، بالإضافة إلى 5% من أي مستحقات أخرى بعيدًا عن الراتب الأساسي، وهو ما يشير إلى حجم الأموال المهدر في هذا النظام الفاسد.
ليس ذلك فحسب، بل تبرز أيضًا فضيحة أخرى في شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء، التي تواجه مشاكل بيئية كبيرة بسبب الصرف الصناعي في محطة كهرباء غرب أسيوط. المشكلة تتعلق بتلوث مياه الصرف التي تصب في بحيرات تبخير تم إنشاؤها في 2017.
وهذا التلوث يهدد البيئة المحيطة ويؤثر بشكل كبير على حياة الأهالي المجاورين لهذه المحطة. ورغم أن هذه المشكلة تم اكتشافها منذ سنوات، لم تُتخذ أي خطوات جادة لحلها، بل استمر الهدر البيئي والتسبب في أضرار جسيمة للمواطنين الذين يعيشون بالقرب من هذه المحطة.
ما يجعل هذه القضية أكثر فظاعة هو تقاعس المسؤولين في شركة الوجه القبلي عن إيجاد حلول مستدامة، واكتفائهم بالوضع الحالي الذي لا يتماشى مع أبسط معايير الأمان البيئي.
هذا الفساد المستشري في قطاع الكهرباء هو مثال صارخ على التلاعب بالمال العام وإهداره، في وقت يعاني فيه المواطنون من نقص شديد في الخدمات الأساسية.
وكلما تم الكشف عن المزيد من التفاصيل، يتضح أن الفساد ليس مجرد حالات فردية، بل هو نظام متكامل من الممارسات الفاسدة التي تشمل معظم المجالات داخل قطاع الكهرباء.
هذه الفضائح تكشف عن تقاعس واضح في الرقابة والمحاسبة، مما أدى إلى فشل الحكومة في محاربة الفساد رغم ثروات الشعب الضخمة التي يتم هدرها.
إن الفضيحة التي تكشفت اليوم هي مجرد غيض من فيض، ويجب أن يكون هناك تحقيق شامل في كافة القضايا التي تم الكشف عنها، بما في ذلك تجميد أرصدة المسؤولين عن هذه المخالفات، وتحويلهم إلى القضاء لمحاسبتهم على فسادهم، وإهدارهم للأموال العامة.
لا بد من تسليط الضوء على هذه الجرائم، ومحاسبة كل من ساهم في تفشي هذا الفساد الذي دمر سمعة قطاع الكهرباء وأضر بمصالح المواطنين.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط