شهدت محافظة الشرقية حفل افتتاح محطة للطاقة الشمسية، مدعومة من الاتحاد الأوروبي في 21 أكتوبر 2016، بحضور وزيرين ومسؤولين حكوميين كبار.
الحفل الذي نظمته أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية بالتعاون مع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، كان الهدف منه الإعلان عن بدء تنفيذ محطة طاقة شمسية في إطار مشروع “STS-MED” الممول من الاتحاد الأوروبي.
لكن ما جرى في الواقع كان على النقيض تمامًا من الأهداف المعلنة، حيث تبين أن المنحة الأوروبية المخصصة لمصلحة المباني العامة في مصر تم استغلالها لصالح شركة “سيكم” الاستثمارية، التي يمتلك فيها رجل الأعمال حلمي أبو العيش ثاني أكبر حصة من الأسهم.
المنحة الأوروبية وتضارب المصالح
تبلغ قيمة المنحة الأوروبية التي خصصها برنامج “حوض البحر المتوسط ENPI” لمشروع “STS-MED” نحو 1,290,000 يورو (أي ما يعادل حوالي 1,406,060 دولار أمريكي) وهي موجهة لتحسين فعالية الطاقة في المباني العامة غير الربحية في أربع دول تشمل مصر، إيطاليا، قبرص، والأردن.
وبحسب تقرير المراقبة المالي للمشروع، كان من المفترض أن يتم تنفيذ المحطة على أرض مبنى عام غير هادف للربح. لكن في مصر، تم تنفيذ المشروع على أرض مشروع تملكه “شركة سيكم الاستثمارية”، وهي الشركة التي يملك فيها حلمي أبو العيش حصة كبيرة.
التلاعب بأهداف المشروع
ورغم أن مشروع “STS-MED” يهدف إلى تحسين استخدام الطاقة الشمسية في المباني العامة غير الربحية، إلا أن الحقيقة كشفت عن أن المحطة تم تنفيذها في “مركز سيكم الطبي” الذي يعد جزءًا من “سيكم القابضة للاستثمار”، وهي شركة تجارية.
وبالتالي، تم التلاعب بأهداف المشروع ليستفيد منه مركز سيكم الطبي، الذي يقدم خدمات طبية وعلاجية ويتبع شركة تجارية مربحة.
والملفت أن مركز سيكم الطبي لم يكن جزءًا من “جمعية سيكم للتنمية” التي وقعت الاتفاقية مع أكاديمية البحث العلمي، بل كان جزءًا من شركة سيكم القابضة للاستثمار، التي تملك حصصًا في عدد من الشركات التجارية.
في هذا السياق، فإن استفادة مركز سيكم الطبي من مخرجات المحطة الشمسية يعد مخالفة صريحة لأهداف المشروع التي كانت تستهدف دعم المباني العامة غير الربحية.
خلفية رجل الأعمال حلمي أبو العيش واتهاماته بالفساد
القصة تصبح أكثر تعقيدًا عندما نلقي نظرة على خلفية حلمي أبو العيش، الذي كان ثاني أكبر مساهم في “شركة سيكم القابضة للاستثمار”. في عام 2011، كان أبو العيش في قلب فضيحة فساد تتعلق بالتربح غير المشروع من منصبه كرئيس لمركز تحديث الصناعة التابع لوزارة التجارة والصناعة.
وقد اتهم أبو العيش، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ “التربح من مركز تحديث الصناعة”، بالاستفادة من أموال الاتحاد الأوروبي المخصصة لتنشيط الشركات الخاسرة وتقديم الدعم للقطاع الصناعي، وذلك لصالح شركاته الخاصة.
تم التصالح في القضية بعد أن دفع أبو العيش المبالغ التي تم التربح بها، ولكنه لم يبرأ من التهم، بل على العكس، يعتبر التصالح اعترافًا ضمنيًا بارتكاب الجريمة.
استفادة غير مشروعة من منحة الاتحاد الأوروبي
بعيدًا عن الخلفية القانونية المعقدة لرجل الأعمال حلمي أبو العيش، تثير هذه القضية العديد من الأسئلة حول كيفية اختيار الموقع المستفيد من منحة الاتحاد الأوروبي التي كانت موجهة في الأصل للمباني العامة غير الربحية.
بحسب ما ورد في تقرير المراقبة المالية للمشروع، كان من المفترض أن يتم تنفيذ المشروع في منشآت عامة غير ربحية، مثل الجامعات أو المراكز البحثية، وهو ما تم تحقيقه في الدول الثلاث الأخرى (الأردن، إيطاليا، قبرص). لكن في مصر، تم تنفيذ المشروع في “مركز سيكم الطبي”، الذي يُعد مؤسسة تجارية تتبع شركة سيكم الاستثمارية.
تضارب التصريحات وفضيحة أكاديمية البحث العلمي
أكاديمية البحث العلمي، التي حصلت على المنحة الأوروبية، لم تقدم تفسيرًا مقنعًا لاختيار موقع “مركز سيكم الطبي” كمستفيد من مخرجات المشروع.
في تصريحات سابقة، قال رئيس الأكاديمية الدكتور محمود صقر في لقاء تلفزيوني بمناسبة افتتاح المحطة إن “المحطة هي تجريبية تطبيقية، أي أنها بالفعل تنتج كهرباء تغذي مستشفى تابع لجمعية أهلية”. ولكن في الواقع، كانت المحطة تغذي مركزًا تجاريًا تابعًا لشركة استثمارية، وليس جمعية أهلية.
المستفيد الحقيقي من المنحة
المثير في الأمر أن المحطة الشمسية المنتجة للطاقة كانت تستخدم في تزويد مركز سيكم الطبي بالكهرباء والطاقة اللازمة لتشغيل أنظمة التبريد والتدفئة، وهو ما يتناقض تمامًا مع أهداف المشروع التي كانت تستهدف الاستفادة للمباني العامة غير الربحية.
بحسب المعلومات التي حصلنا عليها من جامعة هليوبوليس، المسؤول عن تشغيل المحطة، فإن الطاقة المنتجة من المحطة تصل إلى 6,500 إلى 7,600 كيلووات ساعة سنويًا، وهو ما يكفي لتغطية احتياجات حوالي 25 منزلًا.
التورط في تجميد الأصول
ويزداد الأمر تعقيدًا عندما نعلم أن حلمي أبو العيش وعائلته كانوا مدرجين ضمن قائمة الأشخاص الذين تم تجميد أصولهم من قبل الحكومة الكندية، بعد ثورة 25 يناير 2011، وذلك في إطار التحقيقات التي كانت تجري بشأن رجال نظام مبارك.
وهذا التجميد جزء من التحقيقات المتعلقة بالفساد واستغلال المنح والمساعدات الأوروبية، وهو ما يطرح تساؤلات إضافية حول مدى نزاهة المشاريع التي تم تمويلها من الاتحاد الأوروبي في ظل وجود شخصيات مثل أبو العيش في دائرة المستفيدين.
منح الأموال الأوروبية للشركات الاستثمارية
التحقيق يكشف عن ممارسات استفادت منها الشركات الاستثمارية الخاصة على حساب الأهداف التنموية التي كانت من المفترض أن تدعمها المنح الأوروبية.
فبدلاً من أن تذهب الأموال إلى مشاريع غير ربحية تخدم المجتمع، تم توجيهها إلى شركات خاصة، مما يثير تساؤلات كبيرة حول الرقابة على كيفية صرف هذه الأموال وكيفية ضمان وصولها إلى الفئات المستحقة.
الاستنتاجات والتوصيات
إن هذه القضية تكشف عن فجوات كبيرة في آلية توزيع المنح الأوروبية للمشروعات التنموية، وتبرز مدى ضعف الرقابة على مشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي. من المهم أن تقوم السلطات المصرية بتطبيق معايير أكثر شفافية في اختيار المواقع المستفيدة من هذه المنح.
كما يجب أن تكون هناك آلية مراقبة دقيقة لضمان أن الأموال التي يتم تخصيصها للمشروعات التنموية تصل إلى الفئات المستهدفة، وليس إلى شركات تجارية مملوكة لأشخاص أثبتت التحقيقات تورطهم في قضايا فساد سابقة.
توصيات التحقيق
من الضروري أن يتم مراجعة كافة المشروعات المدعومة من الاتحاد الأوروبي في مصر للتأكد من أنها تحقق الأهداف التنموية المعلنة وتصل إلى الفئات المستحقة.
كما يجب على السلطات المصرية أن تعمل على وضع آليات أكثر شفافية لضمان عدم استغلال هذه الأموال في مشاريع ذات صبغة تجارية.
إن الاستفادة غير المشروعة من منحة الاتحاد الأوروبي، التي كانت موجهة للمباني العامة غير الربحية، لصالح شركات تجارية، يعد انتهاكًا واضحًا للأهداف التنموية للمشروع.
ويجب أن يكون هناك تحقيق أعمق في كيفية اختيار المواقع والمستفيدين من هذه المنح، من أجل ضمان عدم استغلالها لمصلحة أفراد أو شركات على حساب المصلحة العامة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط