في الهيئة العامة لقصور الثقافة التي أصبحت تشتهر بأنها “عزبة خاصة”، لا تزال دوامة الفساد تستشري دون رادع. الأموال العامة تتبخر بسرعات قياسية، في ظل غياب تام لدور وزارة الثقافة التي يبدو أنها تقف موقف المتفرج العاجز عن التصدي لهذه الفوضى المالية والإدارية.
وفي هذا السياق، تكشف وقائع صادمة عن كيفية تحويل الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى ساحة للنهب المنظم
في واقعة جديدة تكشف عن استمرار الفساد وإهدار المال العام في مؤسسات الدولة بشكل علني، تورط محمد بركة، المسؤول عن إدارة المشتريات بالهيئة العامة لقصور الثقافة، في فضيحة مالية تهدر فيها أموال الشعب دون رقيب أو حسيب.
تفاصيل القضية تفيد بأن محمد بركة قام بتنفيذ عملية توريد فراشة إلى دار الأوبرا بمناسبة احتفالية استمرت ليوم واحد فقط، بتكلفة بلغت 55000 جنيه مصري، وذلك مقابل توفير عدد 100 كرسي و40 سجادة. الحساب البسيط لهذه الصفقة يشير إلى أن كل 5 كراسي كانت تستوجب توفير سجادتين، مما يثير الاستغراب حول طبيعة وحجم هذه الطلبية.
ولكن المسألة لا تقف عند هذا الحد من العبث. القضية تحمل في طياتها فضيحة أعمق تتعلق بالتلاعب المالي وإهدار المال العام بوقاحة لا مثيل لها.
فالقيمة الحقيقية لهذه الصفقة بعد احتساب زيادة أسعار الوقود كانت لا تتجاوز 4000 جنيه، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول السبب وراء تضخيم تكلفة هذا التوريد إلى هذا الحد الكبير. يبدو أن الهدف الرئيسي هنا هو سرقة المال العام بطرق غير مشروعة وبشكل علني.
المثير للدهشة أن هذه الفضيحة لم تقتصر فقط على التلاعب المالي الفاضح، بل شملت أيضًا مخالفة واضحة للإجراءات القانونية والفنية. فلم تقم الشؤون الهندسية بعمل إجراءات الفحص الفني اللازمة، ولم يتم البت في الصفقة بالطريقة القانونية المتبعة.
بدلاً من ذلك، تولى محمد بركة نفسه تنفيذ جميع الإجراءات نيابة عن الشؤون الهندسية، متجاوزًا بذلك كل الخطوات القانونية المطلوبة. هذا التجاوز للقانون يعكس درجة من الفوضى والإهمال داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة التي أصبحت مرتعًا للفساد دون حسيب أو رقيب.
وهنا يأتي دور مصطفى قناوي، الذي يوصف بقلعة قانونية داخل الهيئة. قناوي قام بتوقيع جميع الأوراق التي تفيد بأن الصفقة قد تمت وفقًا للمراجعة القانونية المطلوبة، متجاهلًا كل المخالفات القانونية والفنية التي صاحبت هذه الصفقة.
بهذه الخطوة، ساهم مصطفى قناوي في إخفاء معالم الجريمة وساعد في تمرير صفقة مشبوهة تخالف كل المعايير القانونية المعمول بها.
القضية التي يكشفها موقع “أخبار الغد” استندت إلى وثائق ومستندات موثقة تثبت بوضوح مدى التلاعب في الأموال العامة من قبل المسؤولين داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة وقد حصل موقع “أخبار الغد” علي صورة من تلك المستندات.
هذه الواقعة تمثل جزءًا صغيرًا من نهر الفساد المستمر داخل مؤسسات الدولة، حيث لا يبدو أن هناك أي رادع حقيقي أمام المتورطين في سرقة المال العام. فالإجراءات القانونية والرقابية تبدو وكأنها مجرد حبر على ورق، يتم تجاوزها والتلاعب بها لتحقيق مصالح شخصية على حساب أموال الشعب.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى متى سيستمر هذا الفساد؟ وهل سيشهد المواطن المصري عهدًا جديدًا تحت قيادة وزير الثقافة الحالي، الدكتور أحمد هنو، يخلو من هذه الفضائح المالية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من مؤسسات الدولة؟
هل هناك نية حقيقية من القيادة الحالية للوزارة لمحاربة الفساد والمفسدين؟ أم أن الأمور ستستمر كما كانت، وستبقى الهيئة العامة لقصور الثقافة مرتعًا لهدر المال العام وسرقة حقوق المواطنين دون أي رقيب؟
الواضح أن وزارة الثقافة لم تقم حتى الآن بأي خطوات فعلية للتحقيق في هذه الفضيحة أو اتخاذ أي إجراءات قانونية ضد المتورطين فيها. وهذا يثير تساؤلات جدية حول دور الوزارة في حماية أموال الشعب.
فعدم التحرك السريع في مواجهة هذه الفضيحة يعكس تقاعسًا واضحًا من الوزارة في القيام بواجباتها الرقابية، ويشير إلى أن الفساد داخل الوزارة ربما يكون أكبر وأعمق مما يظهر في هذه القضية فقط.
من الواضح أيضًا أن الفساد داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة ليس مجرد حالة استثنائية أو خطأ فردي، بل يبدو أنه نمط مستمر من التلاعب وهدر المال العام.
فعلى مدى سنوات، كانت هناك تقارير وشكاوى متكررة عن مخالفات مالية وإدارية داخل هذه الهيئة، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات جادة لإصلاح الأوضاع أو محاسبة المسؤولين.
من الجدير بالذكر أن قضية محمد بركة ومصطفى قناوي ليست الوحيدة من نوعها. بل تشير مصادر مطلعة إلى أن هناك العديد من الصفقات المشبوهة الأخرى التي تمت بنفس الطريقة، حيث يتم تضخيم التكاليف بشكل مبالغ فيه، ويتم تجاوز الإجراءات القانونية والفنية بشكل متعمد، كل ذلك بهدف سرقة أموال الدولة.
الفضيحة الأخيرة تمثل فقط قمة جبل الجليد. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة وفورية لمحاسبة المتورطين، فإن نهر الفساد سيستمر في الجريان، وسيواصل المفسدون استغلال ثغرات القانون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام.
ويجب أن تكون هذه الواقعة بمثابة جرس إنذار لكل الجهات الرقابية في الدولة. فلا يكفي الحديث عن مكافحة الفساد في الخطابات الرسمية، بل يجب أن تكون هناك إجراءات فعلية على أرض الواقع.
ومحاسبة كل من يتورط في سرقة أموال الشعب يجب أن تكون أولوية قصوى. لقد حان الوقت لوقف هذا النهر المتدفق من الفساد الذي ينهش في جسد الدولة، ويستنزف مواردها المالية التي من المفترض أن تكون موجهة لتحسين حياة المواطنين.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط