أخبار عاجلة

د.أيمن نور يكتب: حين تتهاوى الإمبراطوريات وتبحث القوى عن توازناتٍ جديدة

لم يكن التحالف بين واشنطن و أوروبا زواجًا مقدسًا بقدر ما كان عقدًا مصلحيًا محكومًا بالضرورات التاريخية. منذ ولادة الولايات المتحدة، كانت أوروبا هي الأب الذي أورثها القوة، لكنها ما إن اشتد ساعدها حتى أدارت ظهرها لمن أنجبها، لترسم عالمًا جديدًا يليق بطموحها الإمبراطوري. اليوم، وبينما تتبدل موازين القوى، يبدو أن أوروبا العجوز قد أصبحت عبئًا ثقيلاً في حسابات القوة الأمريكية، ولم تعد شريكًا يُعتمد عليه بقدر ما غدت كيانًا يبحث عن نفسه وسط عالمٍ لا ينتظر المترددين.

حين جاء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لم يكن انقلابًا على السياسة الأمريكية، بل كان مرآةً تعكس ما كان يُقال همسًا في أروقة البنتاغون و البيت الأبيض: لماذا تدفع أمريكا تكلفة حماية أوروبا بينما تبحث الأخيرة عن استقلالها؟ ولماذا تلتزم واشنطن بميثاقٍ لم يعد يخدم مصالحها؟. لم يكن ترامب سوى المُسرّع، الصاعق الذي فجّر تناقضاتٍ قديمة، وترك أوروبا وحيدةً في مواجهة قدرها. أما السؤال الأهم، فهو: هل يؤدي هذا الشرخ إلى انهيارٍ تام، أم إلى ولادة تحالفاتٍ جديدة على أنقاض عالمٍ يتداعى؟

في هذا المخاض العسير، تتجه أنظار العالم العربي إلى المشهد الدولي، حيث تبحث القوى الإقليمية عن موطئ قدم في هذه الفوضى. هل يستطيع العالم العربي أن يستثمر هذه اللحظة التاريخية ليعيد تشكيل موقعه، بعيدًا عن ثنائية التبعية أو العداء؟ أم أنه سيظل رهينةً لصراعات لا يملك أدوات إدارتها؟ وفي هذه المعادلة المتغيرة، تبدو إيران لاعبًا يجيد استغلال الثغرات، لكنها أيضًا مهددة بأن تجد نفسها في عزلةٍ أكبر، خاصة إذا دفعت الفوضى الأطلسية إلى إعادة ترتيب الأولويات الغربية بشكلٍ يضعها في خانة المواجهة المباشرة.

كما علّمنا التاريخ، الإمبراطوريات لا تنهار بضربةٍ واحدة، بل تتآكل ببطء، حتى تسقط بآخر هزةٍ غير محسوبة، وما نشهده اليوم ليس مجرد تصدعٍ في التحالف الغربي، بل بداية مرحلةٍ جديدة قد تنهي عقودًا من الهيمنة الأمريكية المطلقة. فهل يكون ترامب هو من وضع آخر سهمٍ في نعش التحالف الأطلسي، أم أن ما نراه ليس إلا فصلاً جديدًا في دورة الانحلال الطبيعي للإمبراطوريات؟

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

المزيد

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق د.أيمن نور: تحالف أوروبا وأمريكا تحكمه ضرورات المصلحة ولم يكن يوما مقدسا
التالى مصر تدعو للبدء الفوري في المرحلة الثانية من اتفاق غزة لتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي