في ظل استمرار التوتر وتصاعد حدّة العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية، طالب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرضي الفلسطينية المحتلة اليوم بوقف فوري لهذه الموجة الخطيرة من العنف والنزوح الجماعي والتهجير. يأتي هذا النداء في ضوء ما تشهده المنطقة من تصاعد في الانتهاكات التي أودت بحياة العديد من المدنيين، بمن فيهم أطفال ونساء لا يشكّلون أي تهديد يذكر.
تشير المعلومات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أنّ العملية الإسرائيلية، التي بدأت في 21 كانون الثاني/يناير، أسفرت حتى الآن عن مقتل 44 فلسطينيًا في محافظات جنين وطولكرم وطوباس وأربعة مخيّمات للاجئين هناك، معظمهم كانوا غير مسلحين ولا يمثّلون أي خطر على حياة الآخرين أو تهديد بإصابات جسيمة.
وفي ضوء تطورات الأحداث، شدّد مكتب الأمم المتحدة على ضرورة تحمّل الجهات المعنية مسؤوليتها، وضمان احترام القانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق الإنسان، إضافة إلى توفير الحماية الفورية للمدنيين والحرص على عدم تعريضهم لأي مخاطر إضافية.
تمثل هذه الحوادث المؤسفة جانبًا من الواقع الإنساني الذي تعانيه المناطق المتضررة، إذ أدّت الاقتحامات المتكررة إلى نزوح أعداد كبيرة من الأسر وتفشي الخوف والقلق في صفوف السكان المحليين. وإلى جانب سقوط الضحايا، تسببت العمليات العسكرية بأضرار مادية ونفسية تضاف إلى التحديات المتراكمة التي تواجهها المجتمعات الفلسطينية هناك.
“بحسب التقرير، فإن من ضمن القتلى خمسة أطفال وامرأتان، من بينهما سندس شلبي (23 عامًا)، والتي فُقِدت حياتها وجنينها بعد إطلاق النار عليها عند محاولتها الفرار مع زوجها من مخيم نور شمس للاجئين في 9 شباط/فبراير”. وتشير التقارير الإعلامية الإسرائيلية إلى أنّ التحقيقات الأولية للجيش أكّدت عدم حمل سندس أو زوجها لأي سلاح، وأنهما لم يمثّلا تهديدًا.
كما وثّق المكتب الأممي حادثة إطلاق النار على صدْر الطفل صدّام رجب (10 أعوام)، الذي توفي متأثرًا بجراحه في 7 شباط/فبراير في مدينة طولكرم، مشيرًا إلى ضرورة إجراء تحقيقات شفافة ومُستقلة في مثل هذه الانتهاكات.
“ندعو السلطات الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لوقف هذا التصعيد وحماية أرواح المدنيين الأبرياء” – بهذه العبارة أكّد بيان مكتب الأمم المتحدة على أهمية العمل الفوري لتفادي مزيد من الخسائر، مشيرًا إلى أنّ تصعيد التوتّر قد يُفضي إلى عواقب إنسانية وخيمة.
وقال المكتب إن “هذه الممارسات تعد جزءا من نمط متزايد من الاستخدام الإسرائيلي غير القانوني للقوة في الضفة الغربية حيث لا توجد أعمال عدائية نشطة، وتضيف إلى عدد متصاعد من عمليات القتل التي تبدو غير قانونية ويوثقها المكتب”.
مستوى غير مسبوق من التهجير الجماعي
وقال مكتب حقوق الإنسان إن العملية تثير مخاوف أيضا بشأن مستويات من التهجير الجماعي غير مسبوقة في الضفة الغربية المحتلة منذ عقود، حيث أدت العملية الإسرائيلية إلى نزوح ما يقرب من 40 ألف فلسطيني، وفقا لوكالة “أونروا”.
وتلقى المكتب تقارير يومية من السكان النازحين تصف نمطا يتم بموجبه إخراجهم من منازلهم من قبل القوات الإسرائيلية والطائرات المسيرة تحت تهديد العنف، ثم يتم إجبارهم على الخروج من مدنهم مع تموضع القناصة على أسطح المنازل حولهم واستخدام المنازل في أحيائهم كمراكز للقوات الإسرائيلية.
واستشهد المكتب بما وقع مع الفلسطينية أسيل، وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 29 عاما، وهُجِرت ثلاث مرات حتى الآن. أولا من منزلها في جنين على يد قوات أمن السلطة الفلسطينية في كانون الأول/ديسمبر الماضي أثناء انخراطهم في عملية في جنين، ثم على يد قوات الأمن الإسرائيلية عندما حاولت العودة في كانون الثاني/يناير. وأحرق منزلها بعد ذلك بوقت قصير وفقا لصور شاركها بعض جيرانها.
وبعد فرارها إلى طولكرم للبقاء مع عائلتها، أجبرتها قوات الأمن الإسرائيلية مرة أخرى على النزوح في نهاية كانون الثاني/يناير عندما امتدت العملية الإسرائيلية الجارية من جنين إلى مخيمات اللاجئين المجاورة.
وأفاد المكتب بأن “شابة أخرى قالت إنها فرت من منزلها في طولكرم في حالة من الذعر، حافية القدمين تحمل طفليها البالغين من العمر عاما واحدا وأربعة أعوام، عندما سمعت قوات الأمن الإسرائيلية تهدد عبر مكبرات صوت مثبتة على سيارات الجيب والطائرات بدون طيار بأن أي شخص لا يغادر على الفور سيتم إطلاق النار عليه”.
وتوسلت إلى الضباط للعودة إلى الداخل للحصول على أدوية القلب الخاصة بطفلها الأصغر أو على الأقل ارتداء حذاء. لكن الرد كما ذكرته في شهادتها كان “اتركوا هذا المكان وانسوا المخيم. لن تعودوا أبدا. تحركوا الآن قبل أن ندمره بالكامل”.
التحقيق والمحاسبة
وأكد مكتب حقوق الإنسان أن أي نقل قسري أو ترحيل للأشخاص من أرض محتلة محظور تماما ويشكل جريمة بموجب القانون الدولي.
وقال إنه “يجب السماح للنازحين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم. ويجب التحقيق في كل واقعة لمقتل فلسطيني على الفور وبفعالية وشفافية، ويجب محاسبة مرتكبي عمليات القتل غير القانونية”، مضيفا أنه “يمكن تحميل القادة العسكريين وغيرهم من المشرفين المسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم إذا فشلوا في اتخاذ جميع التدابير الضرورية والمعقولة لمنع أو معاقبة عمليات القتل غير القانونية”.
وأكد أيضا أنه “يتعين على إسرائيل أن تمتثل لالتزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولي، والتي تشمل إنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة في أسرع وقت ممكن وإخلاء جميع مستوطنات الضفة الغربية على الفور”، مضيفا أنه “بينما تتحقق هذه الأهداف، يتعين على إسرائيل، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، أن تضمن حماية الفلسطينيين وتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية واحترام كامل حقوق الإنسان المكفولة للفلسطينيين”.
وتصعد قوات الاحتلال من جرائمها في الضفة الغربية منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر عام 2023، ويشن الاحتلال عدوانا واسعا على مدن ومخيمات شمالي الضفة الغربية منذ 21 كانون ثاني/يناير الماضي، حيث استهدف مدينة جنين ومخيمها والبلدات المجاورة، ما أسفر عن استشهاد 25 فلسطينيًا، وفقًا لوزارة الصحة في السلطة الفلسطينية.
ووسّع الاحتلال عملياته إلى مدينة طولكرم، يوم 27 كانون ثاني/يناير الماضي، حيث استشهد خمسة فلسطينيين، ثم شنّ في 2 شباط/فبراير هجومًا جديدًا على بلدة “طمون” ومخيم “الفارعة” في طوباس، واستمرت العملية 7 أيام في طمون، و11 يومًا في مخيم الفارعة.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط