عاد الضبع المنقط إلى الظهور في مناطق غير متوقعة بعد غياب طويل امتد لخمسة آلاف سنة، إذ رُصد في محمية علبة الطبيعية بمصر، الواقعة على بعد 480 كيلومتراً شمال أقرب موطن معروف له في السودان.
هذه العودة الفريدة أدهشت العلماء، وأثارت العديد من التساؤلات حول التغيرات البيئية التي قد تعيد تشكيل الحياة البرية في المنطقة.
رصد علماء مصريون هذه الواقعة المدهشة، والتي توثق ظهور الضبع المنقط لأول مرة منذ عصور في محمية علبة. نجح عالم الحيوان عبد الله ناجي من جامعة الأزهر في توثيق هذا الحدث، ونشر نتائجه في مجلة “ماماليا”، مما أثار ضجة كبيرة في الأوساط العلمية والبيئية.
وعلى الرغم من سمعة هذا الحيوان ككائن مخيف، إلا أن الضبع المنقط يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على التوازن البيئي بصفته “المنظف الطبيعي”، حيث يتغذى على الجيف وبقايا الحيوانات النافقة، مما يساهم في تنظيف البيئة.
قتل السكان المحليون الضبع بعد افتراسه لرأسي ماعز، ما أنهى هذه العودة النادرة سريعاً. وأثار هذا الفعل تساؤلات حول تفاعل السكان المحليين مع هذه الحيوانات النادرة التي تعاود الظهور في مناطق لم تعتد على وجودها منذ قرون.
يبدو أن تزايد مواجهات الإنسان مع الحيوانات البرية في المنطقة الحدودية بين السودان ومصر له علاقة بالتغيرات البيئية والسياسية التي تمر بها المنطقة.
أوضح الدكتور عمار الباقر، أستاذ علم الحيوان بالسودان، أن هذه العودة النادرة للضبع المنقط قد لا تكون الوحيدة. أشار إلى أن الهجرة البرية بدأت منذ الحرب بين شمال وجنوب السودان قبل أربعة عقود، حيث أدى اندلاع الحروب إلى إزاحة العديد من الحيوانات من مواطنها الطبيعية.
ولفت الباقر إلى أن محميات السودان مثل محمية الدندر والردوم كانت تعتبر من أهم المحميات الطبيعية في إفريقيا، لكن الحروب أثرت بشكل كبير على الحياة البرية، ما أدى إلى نزوح الحيوانات البرية إلى مناطق جديدة بحثاً عن بيئات آمنة.
تابع الدكتور الباقر أن الحرب السودانية التي اندلعت في أبريل 2023 ساهمت في نزوح المهاجرين عبر الحدود نحو الأراضي المصرية، ما جعل الحيوانات البرية تدخل في مواجهة مع البشر الذين لم يعتادوا وجودها في هذه المناطق.
وكما حدث مع الضبع المنقط، أجبر الضغط البيئي هذه الحيوانات على الانتقال إلى بيئات جديدة، ما يزيد من احتمالية تعرضها للقتل نتيجة عدم معرفة السكان المحليين بأهميتها البيئية.
في السودان، يُعرف الضبع المنقط بوجوده في محميات طبيعية كبرى مثل محمية الدندر والردوم بدارفور، حيث توفر هذه المحميات البيئات المثالية له بفضل الغابات الكثيفة والحشائش الطويلة.
يتواجد الضبع أيضاً في مناطق السهول والسافانا الممتدة بين كردفان ودارفور، حيث يقترب أحياناً من المستوطنات البشرية بحثاً عن الطعام. كما يتواجد في جنوب النيل الأزرق، حيث تشكل التضاريس الصخرية والأودية ملاذاً آمناً له بعيداً عن البشر.
رغم أن الضبع المنقط يعيش في بيئات مختلفة، إلا أنه نادر في المناطق الصحراوية بسبب قلة مصادر الغذاء والماء. يعيش في بعض المناطق الشمالية من السودان، لكنه يظل عرضة للخطر بسبب ندرة الموارد والصراع المستمر بين الحيوانات البرية والبشر.
يبدو أن تغير المناخ وتزايد النزاعات البشرية لهما دور كبير في دفع الحيوانات البرية مثل الضبع المنقط للبحث عن ملاذات جديدة، مما يعيد رسم خرائط الحياة البرية في المنطقة.
من المرجح أن تزداد هذه التحركات الحيوانية في المستقبل مع تزايد النزاعات البيئية والسياسية في مناطق النزاع. ومع ذلك، فإن الحفاظ على توازن الحياة البرية يتطلب تكاتف الجهود لحماية هذه الحيوانات المهددة، والتعامل مع عودتها إلى مناطق جديدة بحذر ووعي بيئي للحفاظ على التنوع البيولوجي.
وتُعد هذه الواقعة فرصة للعلماء والمختصين لدراسة تأثير التغيرات البيئية والسياسية على هجرة الحيوانات، وفهم مدى تأثيرها على الحياة البرية في المستقبل.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط