أخبار عاجلة

يوسف عبداللطيف يكتب: انتحار هاني عبدالقادر.. ثورة ثقافية أم حراك لتصحيح الأوضاع؟

تشعل حادثة انتحار هاني عبدالقادر الموظف بدار الأوبرا المصرية نار التساؤلات الحارقة حول مصير وزارة الثقافة المصرية وجميع هيئاتها.

تحمل هذه الحادثة في طياتها كثيرًا من الإشارات المقلقة حول مستنقع الفساد الذي طالما رُمي به داخل دهاليز الهيئة العامة لقصور الثقافة، وباتت تلك المؤسسة بصفة خاصة عنوانًا لانهيار الأخلاق المهنية وتدهور الوضع الإداري.

تشتعل الأفكار وتتراكم التساؤلات في ذهن كل من يتابع حادثة انتحار هاني عبدالقادر، الموظف بدار الأوبرا المصرية. هل ستكون هذه الحادثة الشرارة التي تشعل ثورة ضد هذا الفساد داخل وزارة الثقافة المصرية وجميع هيئاتها؟ أم أنها مجرد نقطة تحول هادئة نحو محاولة إصلاح الفوضى التي تغلغلت في أروقة الثقافة المصرية وإصلاح ما أفسده الزمن في أروقة مؤسساتنا الثقافية؟

تتجاوز هذه القضية مجرد انتحار فردي وتتحول إلى انعكاس مرير للضغوط النفسية التي يعيشها الموظفون في مؤسسات الدولة، خاصة في الهيئة العامة لقصور الثقافة.

تتفاقم المشكلات، وتتعدد الشكاوى، إلا أن الصوت لا يصل إلا عندما يحدث فاجعة مثل هذه .. يتعين علينا أن نتساءل: هل كان يمكن تفادي هذا الانتحار؟ هل تم الاستماع إلى هاني عبدالقادر قبل أن يتخذ قراره النهائي المأساوي؟

استلمتُ استغاثة من إحدى الموظفات التي تعمل تحت ضغط نفسي رهيب بسبب تعنت مديرها العام. تمثل هذه الاستغاثة جرس إنذار آخر.

رسالتها صريحة: هناك قيادة متعسفة، وفساد ينتشر كالنار في الهشيم، والمسئولون يغلقون آذانهم، مكتفين بالجلوس في مكاتبهم المكيفة، غير عابئين بشكاوى الموظفين.

تكرر الأمر منذ أيام قليلة، حيث استغاث أحد المفتشين الماليين بإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي برئيس الجمهورية والرئيس السيسي والمستشار النائب العام.

جميع هؤلاء الأشخاص يعيشون تحت ضغط نفسي رهيب، محاصرين بين فساد القيادات وتعنت المدراء الذين لا يُحاسَبون ولا يُستَجوبون. إلى متى ستظل وزارة الثقافة وجميع هيئاتها مكتوفة الأيدي أمام هذه الانتهاكات الواضحة لحقوق الموظفين؟

يا دكتور أحمد هنو، أعلم أنك إنسان قبل أن تكون وزيرًا. استحقيت لقب أفضل وزير مصري “الوزير الإنسان” وفقًا لاستطلاع موقع “أخبار الغد“، لكن هل يُترجم هذا اللقب إلى أفعال ملموسة؟ أناشدك أن تجلس مع هؤلاء المظلومين وتستمع إلى شكواهم بإنسانية قبل أن تقع فاجعة أخرى.

أمامنا مستنقع من الفساد الإداري في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي قضية لا يمكن إنكارها. ما حدث مع هاني عبدالقادر وما يحدث مع الموظفة التي استغاثت بي، وما استغاث به المفتش المالي، ليس إلا قمة جبل الجليد. تتجمع الشكاوى وتتكدس المشاكل دون حلول جذرية، بينما يستمر التعنت والتجاهل، وكأن أرواح الموظفين لا تهم.

لا يمكن الاستمرار في التهرب من مواجهة الحقائق. لابد من إعادة النظر في كيفية إدارة هذه المؤسسات، وإحداث ثورة حقيقية داخل وزارة الثقافة.

المسألة ليست مجرد إصلاح هنا أو هناك، بل هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للكثيرين. يستمر الضغط النفسي في التراكم حتى يصل إلى نقطة اللاعودة، حينما يفقد الإنسان الأمل ويختار الانتحار كوسيلة للهروب من هذا الجحيم.

يدفع البعض بالقول إن الحادثة ستكون دافعًا نحو تصحيح الأوضاع، لكن هل ستُحدِث فعلًا تغييرًا جوهريًا؟ أم أنها مجرد محاولة لاحتواء الوضع قبل أن ينفجر؟

تكشف الكواليس أن الفساد ليس مجرد انحراف عن القيم المهنية، بل هو ممارسات مترسخة ومنظمة داخل المؤسسات الثقافية، بداية من المحسوبية وصولًا إلى تهميش الكفاءات.

ينتظر الناس من الوزارة استجابة عاجلة، ولكن ماذا لو كانت كل هذه الردود مجرد تمثيل لمحاولة إسكات الغضب دون أي نية حقيقية للإصلاح؟

ما نحتاج إليه ليس حراكًا محدودًا أو محاولات جزئية لتصحيح الأوضاع. نحتاج إلى ثورة حقيقية في هيكل الإدارة، إلى نظام شفاف يضمن المحاسبة والمساءلة. إذا كان الموظف لا يستطيع أن يشكو إلا لرئيس الجمهورية، فما فائدة القيادات والمسئولين في الوزارات؟

إنه صرخة من أعماق النظام البيروقراطي المهترئ، صرخة من أجل إنقاذ آلاف الموظفين الذين يعانون في صمت، تحت وطأة فساد لا يُطاق.

فلا يمكن أن تكون هذه الحادثة مجرد حدث عابر. يجب أن يدرك المسؤولون أن الصبر الشعبي قد نفد، وأن كل محاولة للتغاضي عن الحقائق الواضحة لن تؤدي إلا إلى زيادة الغضب وإشعال المزيد من الأسئلة حول مصير هذه الوزارة.

الآن، على وزارة الثقافة أن تختار: إما أن تواجه الحقيقة وتتحمل المسؤولية أو أن تغرق في بحر من الانتقادات والاستنكار الشعبي المستمر.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق سمير شوهاني لـ”أخبار الغد”:دعم طهران للقضية الفلسطينية عقائدي وليس بحثًا عن مكاسب
التالى 15 فلسطينيا يصلون إلى تركيا ضمن صفقة تبادل الأسرى