ماذا لو طبعت كل الدول العربية، ومعها إيران، العلاقات مع إسرائيل؟ هل ستنتهي المقاومة؟ الإجابة البسيطة هي: لا، وذلك حسب نظريتي لفكرة “الفراغ الراديكالي” في المنطقة.
الفراغ الراديكالي هو مفهوم قريب من فكرة الفراغ في نظرية توازن القوى، ولكنه أكثر تفصيلاً. فالفراغ الراديكالي لا تملأه دول فحسب، بل قد تملأه أيديولوجيات أو حركات راديكالية. على سبيل المثال، في عهد عبد الناصر في مصر، أو القذافي في ليبيا، أو صدام حسين في العراق، أو حزب البعث عموماً، كانت هناك دول تتبنى مواقف راديكالية في فترات معينة. لكن عبد الناصر لم يخلق المقاومة ضد إسرائيل، بل كانت مصر تقاوم قبل عبد الناصر (حرب 1948 بقيادة الملك فاروق) وبعده (حرب 1973 بقيادة السادات).
عندما تراجعت الراديكالية في مصر وسوريا والعراق واليمن الجنوبي وليبيا، حدث فراغ راديكالي على مستوى الفاعلين السياسيين وعلى مستوى الغطاء الأيديولوجي للمقاومة. فحلت إيران بعد ثورتها محل مصر، وحلت الأيديولوجيا الإسلامية بنسختها الشيعية محل التيار القومي العربي، وبدأ مشروع تصدير الثورة لملء الفراغ الفكري في المنطقة السنية.
إذن، بعد موت عبد الناصر ظهر الخميني، وبعد تراجع القومية العربية ظهر التيار الإسلامي، وبعد تراجع منظمة التحرير الفلسطينية ظهرت حماس، أو تحول النضال الفلسطيني من طابعه العروبي إلى الطابع الإسلامي. ولكن القضية تبقى كما هي: قضية ظلم واحتلال، بغض النظر عن لون من يحمل الراية.
فلنفترض أن جميع الدول العربية، بما في ذلك إيران وتركيا، سلمت وطبعت العلاقات مع إسرائيل، وساد ترامب ونتنياهو. هل ستقبل المنطقة بالهزيمة وهي منبطحة على بطنها؟ الإجابة هي: لا.
من سيحل محل حماس وفتح وإيران والحوثيين وحزب الله؟ بكل تأكيد، ستحل حركات أخرى ذات صبغة أيديولوجية مختلفة. هل سيعود اليسار العربي؟ هل ستعود القومية العربية؟ هل ستظهر مقاومة من نوع جديد؟ الجهاد السيبراني، على سبيل المثال؟ هل ستملأ دول عظمى هذا الفراغ ونعود إلى عصر الاستعمار من جديد؟
لا أعرف من سيملأ الفراغ الراديكالي في المنطقة، ولكنني متأكد أن الفراغ سيكون موجوداً، وستملأه قوة ما (أيديولوجيا، حركة، أو دولة).
ولنفترض أن ترامب ونتنياهو نجحا في تهجير أهل غزة والضفة الغربية. فماذا سيكون شكل الأردن ومصر بعد ذلك؟ هل ستصبح مصر والأردن دولتين راديكاليتين؟ هل سيتحول الصراع من فلسطين إلى مصر والأردن، وندخل هاتين الدولتين ليس في حروب أهلية، بل في مواجهة طويلة المدى ضد إسرائيل؟ هل ستقود مصر والأردن محور المقاومة وتصبحان “محور الشر” الجديد في السياسة الغربية؟
هذا إذا افترضنا أن الغرب سيبقى على حاله، رغم أن الغرب بعد ترامب لن يكون يمينياً بالضرورة، وبعد أحداث غزة، لن يقبل بهراء اللوبيات الصهيونية في أوروبا وأميركا. سيحكم جيل جديد رأى الإبادة بعينيه.
نحن بالفعل كما قال نتنياهو ومن قبله شيمون بيرز وكونداليزا رايس ، لكن لا أحد يعرف ملامح هذا الشرق الأوسط الجديد ؟ ومن يظنه شرق أوسط يعمه السلام وأغصان الزيتون ويطير فيه الحمام فهو بالنأكيد واهم على مدى الخمسين سنة القادمة . كانت مهنة إسرائيل هي ادارة الصراع واليوم ستنتقل هذه المهنة إلى المعسكر العربي ، والمهم هو ادارة الصراع في أي اتجاه .
نسخ الرابط تم نسخ الرابط