بين جدران المعتقلات، وفي غيوم المنافي وظلال الغربة، نلتقي بأشخاص ، لا تُشبهنا، إلا في لون جواز السفر ، وتصادفنا أيضا أرواح تُضيء الطريق، في أوقاتٍ مظلمة.
كان لقائي -الأول- مع المهندس أيمن عبدالغني في سجن طرة عام 2007.و رغم صمت الجدران، المفروض بيني وبين كل المعتقلين السياسيين ، كنت اصادف هذا الشاب ،و دار بيننا حوار دون أن نتحدث ،فكانت نظراته لي عن بعد، تحمل دفئا وطمأنينة، تشعرني بقربٍ لم أكن أعرف سبباً له..
وبعد أعوامٍ من الفراق، التقيته مجددًا. في إسطنبول ،فكان أيمن مفاجأة ، علي الصعيد السياسي بفعل سعه أفقه ، ونموذجًا للإنسانية الصافية، قلبًا نابضًا بالحنان والعطاء. كان ملاكًا بين البشر، يفيض حبًا وصبرًا، ويمنح كل من حوله دفئا واطمئنانا لا ينسى.
في عام ٢٠٢٠ ، تشاركنا في تأسيس اتحاد القوى الوطنية كما ظهر أيمن عبد الغني -فجأة- كنسمه دافئة ، وناعمة في بروده سجني، ومنفاي ، رحل أيضا – فجأة- ، بسبب جائحة #كورونا ، لكن ذكراه تبقى كالنجم الهادي، في سماء حالكة السواد.
فهناك أشخاصًا يتركون بصمة لا تمحوها الأيام، فالدفء الحقيقي يكمن في القلوب النبيلة.
أيمن عبد الغني، ستظل ذكراه ، محفورة في قلبي، كرمزٍ للخلق الرفيع، للنبل ، للتواضع ، للتوافق السياسي، وقبلها للإنسانية ، التي لا تعرف حدودًا ولا مسافات. بفعل مآثر لا تموت، في الاول من فبراير ٢٠٢٥ ، حضرت عقد قران ابننا محمود البقري شقيق الابن الحبيب الواعد أحمد البقري
،وفي باحه المسجد، وجدت شبابا،يحمل علي صدره صورا للراحل أيمن عبد الغني دون غيره ، تمتعت بالنظر إلي وجهه بابتسامته الخجوله -رغم الحزن- بقسماته الهادئه -رغم ادمان الوجع- بنظراته الحنونه رغم الفراق، رحيله في منتصف الخمسينيات، جاء في وقت، كنا في مسيس الحاجة لوجوده ، في وقت ، كان فيه قد وصل إلى ذروة عطائه ونضجه، بفعل سنوات، النضال والصبر .
نظراته كانت تحمل الأمل والتفاؤل، رغم كل ما مر به من معاناة وظلم، كان يحمل في قلبه فيضاً من الحب والاحترام للجميع، لا يمكنني أن أنسى تلك اللحظات التي تشاركنا فيها همومنا وآلامنا، وفي كل مرة كنت أراه، كنت أشعر وكأنني أرى شخصاً مختلفاً، يحمل قلباً طاهراً ، وعقلاً نيراً، مستعداً للتضحية- دائما -في سبيل الآخرين.
لا أعرف علي وجه التحديد موعد ذكراه ، فأنا اذكره في كل المواعيد ، اذكره كلما أري ، وجوه الشباب وابتسامة الاطفال وخلق الكبار اذكره عندما أذكر جائحة كورونا، فلا يظهر أمامي سوى صورة أيمن عبد الغني. الذي اختطفته منا الجائحه، فتركنا ونحن نعيش وجع فقده.
أيمن كان حقاً، ملاكاً يمشي على الأرض، يعيش لغيره، يغمر الجميع بحب غير مشروط، ومشاعر سخية في العطاء.
لم يكن فقط مناضلاً، في ميدان السياسة، بل كان أسوة في الأدب والكرم والإنسانية ، والفهم الحقيقي لمعني العمل الجهوي، ودعم المشتركات بين مكونات الجماعة الوطنية المصرية.
ظل ايمن ، حتى آخر لحظة من حياته، حمامه سلام ،واطفائي محترف ،وداعيه للحكمه، للوحدة الوطنية، يحث الجميع على التعاون من أجل إنقاذ مصر.
في غربته، لاحقته اوجاع الفراق ، بفقد كل أشقائه ، وحرمانه من اسرته، رغم كل هذا الهم الشخصي ، كان يواسي الشباب المهجرين، يساعدهم في مواجهة تحديات الغربة، ويدفعهم نحو الأمل. كان أكثر من مجرد شخص قريب من القلب؛فقد كان نموذجاً للثبات والصبر، وجسرًا بين القلوب المتباعدة .
رحيله كان مؤلماً، لكنه ترك خلفه للشباب إرثًا كبيرًا من القيم والمبادئ. سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة، ليس فقط لمن عاصروه، بل لكل من تذكره حتى بعد غيابه. فقد كان رمزًا للوفاء، والتضحية، والإنسانية التي لا تفنى، وسيبقى دائمًا في قلبي و قلوبنا.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط