أعلنت رئيسة رابطة عائلات قيصر، ياسمين مشعان، في تصريح لوكالة الأناضول، أن الأولوية الحالية تكمن في تقديم الدعم والمساعدة لتعافي المعتقلين، مشددة على امتلاك الرابطة لعدة أدلة تدين مسؤولين في نظام الحكم السابق بالجرائم التي طالت المعتقلين والمفقودين.
ذكرت مشعان أن جميع أعضاء الرابطة هم من أهالي الضحايا، مما يعكس التزامهم العميق وإرادتهم القوية في متابعة هذه القضية الإنسانية. كما أكدت على أهمية أدلة من بينها شهادة حفار القبور، التي من شأنها أن تساهم في إظهار الحقائق المرعبة حول ما حدث للمعتقلين السوريين.
وأضافت أن هناك مسارات قانونية تتواصل في كل من فرنسا وألمانيا لمتابعة قضية الضحايا الذين تم الكشف عنهم من قبل قيصر، الذي كشف العديد من الحقائق المؤلمة عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. وأشارت إلى أن الرابطة تحتفظ بما يقرب من خمس صور موثقة لكل شهيد، في أوضاع تعكس معاناتهم.
وقالت مشعان: “نحن نعمل بلا كلل من أجل أن يُحاسَب كل من ارتكب هذه الجرائم. العدالة يجب أن تتحقق لأسر الضحايا والمعتقلين الذين لم يُسمح لهم بالكلام”.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع مشعان، فيما كشفت صور ومقاطع فيديو وحشية النظام السوري المنهار في معاملته المعتقلين، بعد سقوطه ووصول الفصائل السورية إلى معظم السجون وتوثيقهم تلك الجرائم.
ورابطة عائلات قيصر تأسست عام 2018 في برلين، وتعمل على كشف مصير المفقودين السوريين، وإطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي تكشفت وفق صور نشرها موظف منشق عن نظام الأسد.
ويذكر أن موظفا منشقا عن النظام ملقب بـ “قيصر”، نشر صورا لنحو 11 ألف جثة لأشخاص قُتلوا تحت التعذيب في الفترة بين مايو/ أيار 2011 وأغسطس/ آب 2013، وقد كشفت الصور عن أساليب التعذيب التي تعرض لها المعتقلون في معتقلات النظام.
*الأولوية حاليا للتعافي
وقالت مشعان إن “كل أعضاء الرابطة هم من أهالي الضحايا الذين تعرفوا على صور أبنائهم، وأنا أخت أحدهم، وتعرفت عليه ضمن صور قيصر، ولدي أربعة أشقاء آخرون استشهدوا في سوريا، بينهم واحد استشهد على يد تنظيم داعش الإرهابي”.
وأضافت: “ما زلنا بمرحلة انتقالية صغيرة بين استيعاب سقوط الأسد، وبين إخلاء السجون بشكل لم يكن منظما لأنه لم يكن مخططا له”.
وفيما يتعلق بإجراءات الرابطة حيال هذا الملف، تابعت: “نحاول التواصل مع عائلات الناجين حتى نضمن أنهم حصلوا على علاج، لأنهم يحتاجون إلى كم هائل من العناية الصحية والنفسية، إضافة لمعرفة مصير معتقلين آخرين”.
وأكدت أن “الأولوية في هذه المرحلة هي التعافي، ثم التوثيق”، مشيرة إلى وجود “عائلات فقدت الأمل بخروج ذويها من معتقلات الأسد أحياء، وسط تضارب الأنباء وعدم ضبط عمليات الإفراج”.
وبشأن محاسبة المتورطين في قتل الضحايا الذين كشف عنهم قيصر، قالت مشعان إن التواصل يجري “عن طريق مؤسسات معنية بشكل غير مباشر، مع المقربين من قيصر، منهم سامي (لم تذكر اسمه الكامل)، وأخذنا كثيرا من المعلومات التي تدعم ملف المحاسبة، ولدينا تواصل مع جهات أخرى تملك الصور، ومع شهود آخرين مثل حفار القبور”.
واعتبرت أن “الملفات التي جمعناها قبل سقوط النظام قوية وجاهزة تقريبا، ولدينا تواصل مع الآلية الدولية المحايدة IIIM، ونزودها بالأدلة والتوثيقات، وكذلك لجنة تقصي الحقائق، ومؤسسات حقوقية أخرى”.
في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2016، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار A / 71/ 248، الذي ينص على إنشاء آلية دولية محايدة مستقلة، للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ بدء الثورة في مارس/ آذار 2011.
وبشأن الإنجازات المنبثقة عن هذا الحراك، قالت مشعان: “حصلنا على نتائج ملموسة، وفي محكمة العدل الدولية هناك قضية مرفوعة ضد النظام السوري لانتهاكه اتفاقية مناهضة التعذيب، وبإمكان المحكمة أن تتابع إجراءاتها وتصدر حكما”.
وفي السياق نفسه، أضافت: “هناك مسار في فرنسا أيضا، حيث صدرت مذكرات توقيف وإدانة بحق ضباط، بينهم جميل الحسن (ضابط سابق بالمخابرات الجوية)، وعلي مملوك (رئيس جهاز المخابرات)، وكل هؤلاء ملاحقون ومدانون حتى لو اختفوا حاليا”.
وأوضحت أن “الرموز الكبار ملاحقون أيضا، مثل بشار الأسد الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف فرنسية (في يونيو/ حزيران الماضي)”.
مشعان لفتت إلى أن “عائلات قيصر نفسها رفعت دعوى لدى القضاء الألماني بحق عدد من المسؤولين الذين يحتمل أنهم أشرفوا على تعذيب أبنائنا في المعتقلات”.
*ابنك مجرد صورة
وبشأن عائلات الضحايا، قالت مشعان إن “الأمر يكون صعبا بالنسبة إليهم وهم يبحثون عن أبنائهم بين الصور، ويترقبون معرفة مصيرهم، إنها لحظات إنسانية صعبة للغاية أن يكون ابنك مجرد صورة”.
ووفق مشعان فإن “كل تسريب لأسماء معتقلين أو إفراجات جديدة هي جرح جديد”.
وعن تجربتها الشخصية، قالت: “كنت أحاول البحث عن شهود إلى أن توصلت لمعلومة من شاهد عمره 16 سنة، يتذكر أنه عندما كانوا يخضعونه لجلسة التعذيب، كان عقبة أخي يأتي ويربت على كتفه ويحاول يواسيه، ويقول له غدا سيأتي الثوار ويفتحون أبواب السجن”.
وأكدت أن عائلات قيصر “لم تصل إطلاقا لبقايا جثث أبنائها، إلا أن هناك فقط معلومات من حفار القبور الذي أشار إلى مواقع الدفن، لكن إطلاقا لم يصل أحد إلى أي جثمان جراء وقوع تلك المناطق تحت سيطرة النظام حينها”.
وأشارت إلى وجود “مرحلة جديدة بعد سقوط النظام السابق نعمل عليها مع المؤسسة المعنية بكشف مصير المفقودين، ومن المهم كشف المقابر الجماعية، واستخراج الجثامين والتعرف عليها، وتسليمها لعائلاتها”.
وأوضحت مشعان أن “صور قيصر لم تخرج إطلاقا من سجن صيدنايا، وقد يكون أحد المعتقلين كان في سجن صيدنايا بمرحلة ما، بعد أن تم نقله، إلا جميع صور قيصر من مراكز محددة منها فرع الخطيب، وفرع المزة الأمني، ومطار المزة العسكري”.
ويُعرف سجن صيدنايا العسكري بأنه المكان الذي كان يحتجز ويعذب فيه المتظاهرون المناهضون للنظام بعد اعتقالهم.
وبحسب بيانات جمعتها الأناضول من مصادر مفتوحة بشأن التعذيب والإعدامات التي شهدتها صيدنايا، فإن هناك مركزين للاعتقال في حرم السجن، هما “المبنى الأبيض” و”المبنى الأحمر”.
*تفاعل دولي
وعن ردود فعل المجتمع الدولي، قالت: “قبل سقوط النظام، كان هناك تفاعل من الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي وكتير من المؤسسات الحقوقية، لكن بتلك الفترة كان هناك محور آخر داعم للنظام هو روسيا والصين، وكان يمنع أي قرار للمحاسبة لمواجهة الحراك في ألمانيا وفرنسا”.
وذكرت بأن “الولايات المتحدة مثلا أصدرت قانون العقوبات باسم قانون قيصر”.
وصدّق الكونغرس الأمريكي على القانون في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعد ثلاث سنوات من الشد والجذب بين الجمهوريين والديمقراطيين، ويشمل سلسلة عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه، والشركات والأفراد المرتبطين به، وكان من المقرر اتخاذ إجراءات عقابية أخرى قبل سقوط النظام.
مشعان قالت إن “لكل شهيد أربع أو خمس صور من ضمن الصور التي تسربت، تشمل الرأس ونصف الصدر، وصور جانبية، وصور بالجسد الكامل، فأحيانا تتعرف العائلة على الوجه، أو تطلب رؤية الصورة كاملة”.
وختمت بالقول “أحيانا نطلب الصور الكاملة، فهناك عائلة على سبيل المثال، قالت هذا ليس ابني لأنه ليس لديه وشم، وبهذه الطريقة نساعد العائلات، ومع وجود مؤسسة معنية بكشف مصير المفقودين، أتصور أن الأمور تصبح أسهل من خلال مركزية طلب البحث والمعلومات بشكل عام”.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري سيطرت الفصائل السورية على العاصمة دمشق وسبقها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكام نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
ويقول السوريون إن زوال نظام الأسد يمثل نهاية حقبة من الرعب الذي عايشوه على مدار عقود، إذ شكلت سجونه كوابيس لهم جراء عمليات التعذيب الممنهج، والتنكيل، والإخفاء القسري.