في سابقة تكشف عن عمق الفساد والتقاعس الحكومي في مصر، قامت قوات الأمن المصري بالقبض على عشرات السوريين الذين تفاعلوا مع إعلان سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، إثر تجمعهم في عدد من المناطق بالقاهرة للاحتفال بهذا الحدث التاريخي الذي كان بمثابة انتصار للآمال السورية في الخلاص من حكم دام لأكثر من عقدين من الزمن.
هذا الاحتفال البسيط لم يكن إلا بداية لموجة من الاعتقالات التعسفية التي تكشف حقيقة الفوضى داخل الأجهزة الأمنية المصرية التي لا تتوانى عن قمع أي تحرك حتى لو كان من اللاجئين الذين يعانون من ويلات الحرب في سوريا.
في مساء أحد الأيام، تجمع نحو 150 شخصًا من السوريين في أحد الأحياء بمدينة 6 أكتوبر للاحتفال بما اعتبروه سقوطًا حتميًا لنظام الأسد، إلا أن هذه الاحتفالات لم تجد إلا القمع في انتظارها.
فور تجمعهم، تدخلت الشرطة المصرية على الفور وقامت بالقبض على نحو 20 شخصًا في ساعات متأخرة من الليل، ليكتشف الجميع في ما بعد أن هؤلاء الأشخاص لم يرتكبوا أي مخالفة سوى الاحتفال في الشارع، وهو حق مشروع لا يتطلب إذنًا من الأجهزة الأمنية وفقًا لكل المعايير القانونية.
ورغم أن أغلب هؤلاء المعتقلين كانوا يحملون أوراقًا تثبت أنهم طالبو لجوء أو يحملون إقامات سارية، فإن السلطات المصرية اختارت تجاهل هذه الحقائق وتعاملت معهم وكأنهم مجرمون، ووجهت لهم تهمًا باطلة تتعلق بـ “التجمهر والتجمع دون تصريح” في الوقت الذي لا يُسمح فيه لهم بممارسة حقوقهم الأساسية في التعبير عن آرائهم.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن العديد من هؤلاء السوريين كانوا قد تقدموا بطلبات لجوء رسميًا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وحصلوا على أوراق تثبت تقدمهم بطلبات لجوء، وهو ما يعرف بـ “الكارت الأصفر”، ومع ذلك تم احتجازهم في مراكز الشرطة وتهديدهم بالترحيل رغم عدم صدور قرار بشأنهم. بل إن البعض منهم، رغم أن السلطات المصرية قررت إخلاء سبيلهم، ظلوا محتجزين في أقسام الشرطة في انتظار قرار من الأمن الوطني، وهو إجراء غير قانوني يعكس حجم التسلط والتجاهل لمبادئ حقوق الإنسان.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الحادثة ليست الوحيدة التي تكشف عن فشل الحكومة المصرية في حماية حقوق اللاجئين على أراضيها. فهناك العديد من الحالات السابقة التي شهدت ممارسات مماثلة ضد السوريين في مصر. ففي سنوات سابقة، تم اعتقال العديد من السوريين لمجرد مشاركتهم في تظاهرات دعم لفلسطين أو تفاعلهم مع أحداث سياسية إقليمية، وهو ما يفضح التوجه القمعي الذي ينتهجه النظام المصري تجاه كل من يبدى أي تعاطف مع قضايا الشعوب الأخرى.
اللافت للنظر في هذا السياق هو البيان الرسمي الذي أصدرته الحكومة المصرية بعد سقوط النظام السوري، حيث أكدت فيه دعمها لسوريا والشعب السوري. لكنها في الوقت نفسه قامت بالاعتقالات في حق من عبروا عن فرحتهم بسقوط النظام الذي كان يقتل الشعب السوري منذ سنوات. هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الإعلامي والممارسات على أرض الواقع يكشف عن حجم الفساد المستشري داخل الدولة المصرية، حيث يتم اتخاذ القرارات الأمنية بناءً على مصالح سياسية ضيقة وليس وفقًا لحقوق الإنسان أو القوانين الدولية.
وفقًا لتقارير غير رسمية، فإن عدد السوريين في مصر يقدر بحوالي مليون ونصف المليون شخص، منهم نحو 150 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين رسميًا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ومع ذلك، فإن هؤلاء السوريين يعانون من أوضاع مأساوية داخل مصر، حيث يتم التعامل معهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. فالعديد منهم يعانون من التنقل داخل البلاد بشكل غير قانوني، ويواجهون صعوبة في الحصول على تصاريح العمل أو الخدمات الصحية، في حين يتم استهدافهم بشكل مستمر من قبل الأجهزة الأمنية بسبب مواقفهم السياسية أو الاجتماعية.
هذه الحادثة تكشف بما لا يدع مجالًا للشك عن واقع مرير يعايشه السوريون في مصر، حيث تتعامل الحكومة المصرية مع اللاجئين السوريين وكأنهم عبء ثقيل على الدولة، بينما هم فراروا من ويلات الحرب والدمار في بلادهم بحثًا عن الأمان. ورغم ذلك، لا توفر لهم الحكومة المصرية البيئة الآمنة التي تضمن لهم حقوقهم الأساسية كلاجئين. على العكس، فإنهم يواجهون مضايقات مستمرة من الأجهزة الأمنية التي لا تلتزم بأي معايير قانونية أو إنسانية في التعامل معهم.
إن هذه الاعتقالات التي تعرض لها السوريون في مصر هي حلقة جديدة في مسلسل القمع الحكومي الذي يستهدف كل من يعبر عن رأي مخالف للنظام القائم. من خلال هذا التصرف القمعي، تُظهر الحكومة المصرية أنها لا تملك أدنى احترام لحقوق الإنسان، وأنها تسير في طريق مخالف تمامًا لما تدعيه من دعم للقضايا الإنسانية والشعوب المظلومة في المنطقة. في ظل هذه الممارسات، يصبح من الصعب أن يصدق أي شخص أن الحكومة المصرية تدافع عن حقوق الإنسان أو تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية.
إذا كان هناك من يعتقد أن هذه الاعتقالات هي مجرد أخطاء فردية أو تصرفات عابرة، فإنه يجب أن يعيد التفكير في طبيعة النظام المصري الذي يعتمد على القمع والتسلط في معالجة أي نوع من المواقف الاجتماعية أو السياسية التي قد تُظهر النظام في موقف حرج. فإن كانت الحكومة المصرية غير قادرة على التعامل مع قضايا اللاجئين بطريقة إنسانية، فمن المؤكد أن الأمر يتجاوز مجرد تقاعس حكومي إلى فساد منهجي في طريقة التعامل مع قضايا حقوق الإنسان.
وتظل معاناة السوريين في مصر شاهدة على فساد الحكومة وتقاعسها المستمر عن القيام بدورها في حماية حقوق الإنسان، ويبقى السؤال: هل ستستمر هذه السياسات القمعية، أم أن هناك أملًا في تغيير حقيقي يأتي من الداخل؟
نسخ الرابط تم نسخ الرابط