تستعد وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة لإطلاق أكبر محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في منطقة كوم أمبو بمحافظة أسوان، بقدرة إنتاجية تبلغ 560 ميجاوات.
هذه الخطوة تأتي في وقت يواصل فيه الإعلام المصري الترويج للخصخصة على أنها الحل الأمثل لمشاكل البلاد الاقتصادية، بينما تزداد الشكوك حول نتائج هذا التوجه في ظل فشل تجارب الخصخصة السابقة التي أضرت بالاقتصاد المصري.
خصخصة مع غياب الشفافية
الخصخصة، التي كانت أحد الحلول التي طرحتها الحكومة، تتخذ أشكالًا متعددة، أبرزها بيع محطات الكهرباء لصالح شركات أجنبية، مع التركيز على الهيمنة الخليجية عبر دول مثل السعودية والإمارات.
هذه الشركات ليست مجرد مستثمرين بل هي فاعلون رئيسيون في سياسات الطاقة في مصر، إذ تسهم في تحويل القطاع العام إلى ملكية خاصة، مما يزيد من فقدان السيادة الوطنية في قطاع استراتيجي مثل الكهرباء.
وفي هذا السياق، يظل الهدف الأكبر هو سداد المديونيات الدولية، وخصوصًا تلك المتعلقة بالدول الخليجية، في إطار “صندوق الاستثمارات الخليجية” أو ما يُعرف بالودائع، التي تسهم في تغطية العجز المالي.
ولعل أبرز مثال على ذلك هو بيع محطات الكهرباء الجديدة، مثل مشروع محطة رياح خليج السويس الذي سيتم بالشراكة بين مصر وتحالف شركات إماراتي سعودي.
هذا التعاون الاستثماري يوضح بجلاء كيف تتحول إدارة محطات الكهرباء إلى أيدي الشركات الأجنبية على حساب المواطنين المصريين.
التجربة المصرية مع خصخصة الطاقة: فشل مرير ومخاوف متزايدة
بداية الخصخصة في مصر لم تكن حديثة، فقد كانت هناك تجارب سابقة، كان أبرزها خصخصة محطات الطاقة التي اعتُبرت أحد أسوأ تجارب الخصخصة في العالم، مقارنةً بتجربة روسيا في عهد بوريس يلتسين.
وفي مارس 2023، أعلنت الحكومة عن طرح حصص في أكثر من 40 شركة وبنك في 18 قطاعًا، بموجب خطة تستهدف تقليص حجم الدولة في الاقتصاد المصري، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص، ما يفتح الباب لتوسيع مشاركة الشركات الخليجية في القطاعات الحيوية.
وتعتبر محطات الطاقة الشمسية مثل مشروع “بنبان” في أسوان، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 165 ميجاوات، أحد الأمثلة الواضحة على هذا التوجه.
ففي عام 2019، تم تشغيل المحطات الثلاثة في المشروع، والتي تساهم في توفير الكهرباء لأكثر من 80 ألف منزل. لكن رغم هذه الإنجازات، يظل السؤال: لماذا يجب أن تشتري مصر الطاقة المنتجة من هذه المحطات بأسعار أعلى بكثير من تكلفة الإنتاج؟
الصفقات الخيالية: استثمار أم استغلال؟
إحدى أكبر الصفقات التي أتمتها الشركات الخليجية كانت عبر “شركة أكوا باور” السعودية، التي حصلت على مشروع محطة كوم أمبو بقدرة 200 ميجاوات، والتي ستُستخدم لتوفير الطاقة لـ 130 ألف وحدة سكنية.
وعند المقارنة، يتبين أن تكلفة إنتاج الكيلووات في الساعة تبلغ 1.6 سنت أمريكي، بينما تشتري الدولة هذا الكيلووات بسعر يتراوح ما بين 8.4 و14.3 سنتًا أمريكيًا، ما يعني أن مصر تدفع ما يصل إلى ثمانية أضعاف تكلفة الإنتاج.
وتستمر الصفقات غير الشفافة لتشمل مشاريع أخرى، مثل محطة رياح السويس التي تم تطويرها بالشراكة بين شركة “أكوا باور” السعودية، والتي تُقدر تكلفتها بحوالي 1.5 مليار دولار، وسيتم استخدامها لتوليد 1.1 جيجاوات من الطاقة.
وستُسدد الحكومة المصرية قيمة الكهرباء المنتجة بسعر مرتفع للغاية وفقًا لعقود طويلة الأجل.
استحواذ خليجي على الطاقة المصرية
أما بالنسبة لمحطة رياح جبل الزيت، فقد بدأت الحكومة في طرحها للبيع في ظل غياب الشفافية التامة حول الاتفاقيات المعقودة.
هذا في وقت تكثف فيه الإمارات والسعودية استثماراتهما في قطاع الطاقة المصري، من خلال مشروعات ضخمة مثل تلك التي تقوم بها شركة “إيميا باور” الإماراتية.
ففي إطار مشروع مشترك مع الحكومة المصرية، تم توقيع اتفاقيات لتطوير محطات طاقة شمسية بقدرة تصل إلى 1000 ميجاوات في أسوان.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية: فوضى وتزايد الفقر
إن خصخصة قطاع الكهرباء يعكس استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي فرض شروطًا اقتصادية قاسية على مصر منذ بداية تعاملاتها معه في تسعينيات القرن الماضي.
فالتوسع في خصخصة محطات الكهرباء ليس سوى جزء من سياسة أوسع تعتمد على تسهيل عملية بيع الأصول المصرية لدول الخليج، بينما تعاني الطبقات الشعبية من تزايد في أسعار الكهرباء، ما يؤدي إلى أعباء إضافية على المواطنين.
الاقتصاديون وعلماء السياسة يحذرون من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى زيادة الفقر، وتآكل الطبقة الوسطى، وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، في ظل تقلبات سعر الصرف وزيادة معدل التضخم.
كما أن فرض قوانين تعسفية تضر بالمواطنين في سبيل سداد ديون ضخمة، يترافق مع تصاعد القلق من أن مصر قد تصبح تحت رحمة هذه الاستثمارات التي قد تفرغ القطاع من سيادتها.
صفقات إضافية وإحجام عن التنفيذ
الصفقات التي أُبرمت بين الحكومة المصرية والشركات الخليجية، مثل تلك التي أُبرمت مع شركة “إنفنيتي سولار” الإماراتية لتوليد 1000 ميجاوات من الطاقة بقدرة استثمارية تبلغ 2 مليار دولار، تشهد تنفيذًا بطيئًا، بينما يتزايد الدور الخليجي في مجالات الطاقة مع استمرار جني أرباح طائلة على حساب الشعب المصري.
في الوقت ذاته، تظل الحكومة تتبنى سياسة بيع محطات الطاقة الحيوية بسعر يقل كثيرًا عن تكاليف إنشائها، مما يزيد من ضعف الاقتصاد المصري.
مخاطر استمرارية هذه السياسات
إن المسار الذي تسلكه الحكومة المصرية من خلال سياسات الخصخصة، خاصة في مجال الكهرباء، يهدد بتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ويمثل استمرار بيع أصول الدولة، بدعم من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد، خطرًا حقيقيًا على السيادة الوطنية وعلى مستقبل الاقتصاد المصري.
التحليل يكشف عن خلل في استراتيجية الحكومة المصرية، التي لا تضع في اعتبارها العواقب بعيدة المدى لخصخصة قطاع الطاقة، والتي تشمل استنزاف الموارد المحلية على حساب المواطن البسيط الذي يتحمل الفاتورة الكبرى لتلك السياسات.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط