أخبار عاجلة

يوسف عبداللطيف يكتب: إمبراطورية اللصوص وسقوط أقنعة الفساد في مسرحية كبرى

استيقظت من النوم وكان كابوس فاضح وليس حلماً، كأنه نافذة صغيرة على عالم من الفساد المتجذر في مؤسسة تتفنن في تمثيل دور الدولة.

حيث وجدت نفسي في “إمبراطورية اللصوص”، تلك المؤسسة الغارقة في الفساد والقذارة والتي يتوارى خلف ستائرها كل شيء فاسد، يتصدرها الإمبراطور “عم شكشك”، الشخصية الكاريكاتورية التي تحكم منظومة قذرة بألفاظ منمقة وكلمات براقة لا تخدع إلا السذج.

لن أبالغ إن قلت أن هذا الحلم كشف لي عن أبعادٍ من السوء والفساد تفوق ما يمكن تخيله في الواقع وأنني لم أرَ في حياتي فسادًا بهذا الوضوح والوقاحة.

كانت الإمبراطورية أشبه بغرفة تحكم سرية لا يزيد عددها عن سبعة آلاف، ومع ذلك تتحكم بمصير جيوش من المشاركين تحت رايتها.

قادة مجلس “إمبراطورية اللصوص” مزيج من المجرمين والفاسدين، رموز استغلال بلا حدود حيث إنهم مجموعة من الفاسدين بلا رحمة. الفساد الإداري والمالي واللأخلاقي كان قد استشرى بشكل يجعل الأمل بالنجاة منه أشبه بالمستحيل.

رأيت “عبدة مشتاق”، ذلك النذل الذي تلمع عيناه برائحة المال، رمز الجشع والطمع بلا حدود، الذي لا يتردد في التضحية بأي شيء من أجل مصلحته الشخصية ويتسلق على آلام الناس ويتاجر بمستقبلهم.

وعندما قابلت “حسان حرامي الوزة”، اللص الماهر الذي يسرق دون أن يرمش له جفن، أدركت أنه يسرق ولا يخجل، يدوس على كل من يقف في طريقه، وهو ليس وحيدًا في ساحة الفساد، بل محاط بأسماء أخرى تتألق في بحر الرذيلة.

“ماهيطاز”، تلك الشخصية القوية على الضعفاء، والجبانة أمام الأقوياء، صاحبة الصوت العالي بلا فعل، تتفاخر بشيء واحد فقط الفشل في إخفاء فساده وبالرغم من فسادها فقد وعدها عم شكشك إمبراطور “إمبراطورية اللصوص” بإستمرارها عمدة للشمال والعاصمة مخالفة لانتهاء قرار انها تكون عمدة.

أما “مقانص”، فهي المرأة التي لا ينقصها شيء سوى ضميرٍ يُنقذ تلك الأمة من براثن الاستغلال، وهي الخبير في اغتصاب الفرص، تبتلعها بشراهة بينما تترقب سقوط الآخرين، وكل هذا يحدث تحت أنظار الجميع، ولكن لا أحد يحرك ساكنًا وبالرغم من فسادها أيضاً فقد وعدها عم شكشك إمبراطور بتعيينها عمدة للوسط.

و”برميل الرزالة” عمدة الوسط سابقاً، ذلك الوجه الكريه الذي يُلطخ أي قيمة أو مبادئ، ولا يخجل من إظهار فساده علانية ويعرف كيف يُدير سفينته في بحر الفساد دون أن يغرق، بينما يسخر من ضعاف النفوس الذين يحاولون التحرك ضد التيار.

وبالطبع، “كوكو الضعيف” عمدة الجنوب الرجل الذي يمثل النموذج الحي للقائد الذي يخشى اتخاذ أي قرار جاد والذي اختار الخنوع بدلًا من المواجهة، ليرسخ بوجوده مفهوم القائد المرتعش الخائف من اتخاذ قرارات حقيقية

وهناك أيضاً المسؤول المرتعش الذي يعتقد أن الصمت هو الحل الأمثل لمواجهة العواصف، غافلًا عن أنه يساهم بصمته في استمرار هذا المستنقع. إنه ليس مجرد عمدة، بل هو أحد الأعمدة التي يقوم عليها هذا البناء الفاسد.

تحدثت نفسي خلال الحلم عن سبب هذا الاستشراء الفاضح للفساد، وسألت: أين أصحاب القرار؟ لماذا لا يُحاكم هؤلاء المجرمون؟ كيف تسير الأمور في هذا العالم المليء بالتعفن، دون أي رادع أو حساب؟

ويبدو أن الإجابة لم تكن غائبة، لأن الحلم كشف لي عن أذرع الإمبراطورية التي تصل حتى إلى الصحافة والإعلام. في كل مؤسسة هناك مرتزقة يتكسبون من هذا النظام الفاسد، ويبيعون الحقيقة مقابل فتات الفساد. حتى الإعلام لم يسلم.

فرأيت بأم عيني كيف تم تجنيد اثنين من الصحفيين المرتزقة، الأول في مؤسسة صحفية مرموقة، يتظاهر بالنزاهة، ويتحدث بنبرة نزاهة مصطنعة، بينما يبيع ضميره في الخفاء، ويبيع قلمه لكل من يدفع أكثر.

والثاني يعمل في مؤسسة يُطلق عليها اسم “عجائب الدنيا السبع”، وهو بالفعل أحد عجائبها في فساده واستغلاله لكل ما هو قذر لتحقيق أرباحه.

هؤلاء الصحفيون لم يكن هدفهم سوى نشر الأكاذيب وتلميع صور الفاسدين، بينما الشعب يعيش في ظلام الجهل والضياع. هؤلاء ليسوا مجرد أفراد، بل أدوات بيد نظام أكبر يحكم هذه المؤسسة القذرة.

وشهدت بأم عيني أيضاً في هذا الحلم كيف يتم استقواء هؤلاء الفاسدين بالأمن وبالسلطة، ما زاد الطين بلة فقد أصبح الأمن درعًا لحمايتهم بدلًا من أن يكون أداةً للعدالة.

وكأن الشعب مجرد أداة تُستخدم لخدمة مصالحهم القذرة .. كان كل شيء يسير نحو الانهيار، الفساد طغى على كل زاوية، كل حركة، كل قرار .. بدا أن الفساد أصبح القاعدة، وأي شيء غير ذلك هو الاستثناء المستحيل.

بدأت أدرك شيئًا أكبر من مجرد فساد أفراد؛ إنها شبكة معقدة، منظمة وكأنها مؤسسة قائمة بذاتها. لم تكن الإمبراطورية دولة كاملة بل مؤسسة ضخمة تمتد أذرعها إلى كل زاوية في المجتمع، تتظاهر بالإصلاح بينما تغرق في وحل الانحراف المالي واللأخلاقي.

الغريب أن الجميع كان يعلم، الكل كان على دراية بأن هذا الفساد ينخر في أساسات كل شيء، ولكن السؤال الأهم كان: لماذا لم تتم محاسبتهم؟

لماذا لم يتم إحالة هؤلاء الفاسدين إلى النيابة العامة؟ لماذا تركتهم المؤسسة يعيثون في الأرض فسادًا؟ كيف يكون القضاء بعيدًا عن كل هذه الجرائم بينما الأدلة تطفو على السطح بلا عناء؟

لكن فجأة، قبل أن ينتهي الحلم، وقبل أن أستسلم لفكرة أن هذا الكابوس لا نهاية له، وفي لحظة غير متوقعة، قبل أن ينتهي الحلم، ظهر “الكبير أوي”.

إنه الرجل الذي لم يتردد في اتخاذ القرار الجريء بإقالة جميع هؤلاء الفاسدين دفعة واحدة فورًا، وأحال جميع المتورطين إلى محاكمة عاجلة.

كانت تلك اللحظة، رغم أنها جاءت متأخرة، أشبه بانفجار العدالة وسط احتفالات الشعب، لحظة الفرح الحقيقي بعد سنوات من الظلم والانهيار الأخلاقي.

هذه الشخصية التي ظهرت في الحلم حملت معها العدل والقصاص. وشعرت وأنا أتابع هذه الأحداث بنوع من الانتقام العادل. كأن شعب “إمبراطورية اللصوص” كله وقف ليصفق لهذا القرار، ليتنفس هواءً نظيفًا بعد أن تلوثت حياتهم لعقود.

ولكن، هل كان ذلك الحل الحقيقي أم أنه مجرد فصل جديد في مسرحية الإصلاح الوهمية؟ هل سيكون “الكبير أوي” فعلًا بداية النهاية لهذه الشبكة الفاسدة، أم أنه فقط تغيّر في الأسماء دون أن يتغير الواقع؟

الحلم كان واضحًا، والمشهد مكشوف. هناك مؤسسات تُدار كما لو كانت دولًا مستقلة، حيث يتحكم فيها الفاسدون بكل أريحية، ويستغلون مواردها لصالحهم الشخصي، بينما تُترك البقية لتصارع البقاء. وعلى الرغم من أن النهاية كانت تبشر بالعدالة، يبقى السؤال: لماذا انتظرنا كل هذا الوقت؟

هذا الحلم ليس مجرد مشهد خيالي. هو يعكس واقعًا يعيشه الكثيرون في أماكن مختلفة من هذا العالم. الحقيقة المؤلمة هي أن هناك “إمبراطوريات لصوص” حقيقية،

حيث يتحكم الفاسدون في مصائر الشعوب، حيث يصبح النهب والسرقة والتزوير هو السائد. ولكن، كما في هذا الحلم، لا يمكن لهذا الفساد أن يدوم إلى الأبد.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حماس ترحّب بموقف السيسي حول مشروع التهجير
التالى أحمدالشرع يُلقى خطاب النصر: كسرنا القيود وحررنا المعذبين في سجون النظام البائد