قراءة الحالة السورية الجديدة من داخل الحالة الليبية وغيرها من تجارب التغيير العنفي، ليس سليما على المستوى السياسي والنظري، وفيه تعسف على الحالة السورية ومعطياتها الخاصة، ويصبح التعسف قائما عندما يتم ربط اسقاط النظام وتجييره على اساس أنه مرتبط بتوقيت صهيوني وغربي بالضرورة .
كل المخاوف المعلنة في كثير من التقديرات بشأن مستقبل سوريا مشروعة، والمحاذير مشروعة أيضا بشأن مدى قدرة الإطار السياسي للمعارضة السورية التي صارت صاحبة القرار في دمشق، على ضبط ومسك السلاح أولا، ثم تجاوز واستيعاب حزمة كبيرة من التعقيدات التي ترتبط بالتركيبة البشرية في سوريا، اثنيا وعرقيا ودينيا، ومشكلات الانتقال المؤسسي واعادة بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية، ومأسسة الحالة الديمقراطية والعدالة الانتقالية، وأزمات الخبز وتأمين الحاجيات اليومية، والتعاطي مع ملفات لا تقل تعقيدا كملف المهجرين والعائدين.
لكن، لنتتبع تصرف المعارضة السورية منذ دخولها مدينة حلب وصولا الى دمشق، كان هناك تركيز واضح وتبني عميق لخطاب وحدي يقوم على سوريا واحدة موحدة لجميع السوريين، واستيعاب كل الطوائف والمجموعات ضمن هذا الخطاب، ثم تأمين كل عناصر النظام السابق من التشكيلات الأمنية والعسكرية، والحرص اللافت على تأمين مؤسسات الدولة والأملاك العامة و الخاصة، والتزاصل مع المكونات المجتمعية بكل الوسائل والمنابر لبث الطمأنة، والتأكيد على التسامح وتحييد كل نوازع الانتقام.
حتى وإن كانت الصورة ليست مثالية بالكامل، فان هذا الخيار والخطاب والسلوك السليم مطمئن الى كبير، بوجود وعي وتدريب نفسي مسبق للمجتمع العضوي المعارضة، على أن هذا هو السبيل الوحيد الذي ينتج قابلية المجتمع لاحتضان والتفاعل بايجابية مع التحول والتغيير الجديد، ويمنع اعادة انتاج اخفاقات السابقة للثورة السورية، ويقمع كل نوازع نحو التسلط، وقد وصف الممثل السوري المعروف أيمن زيدان، وقد كان من أشد مؤيدي النظام الأسد، بأنه المعارضة أظهرت نبلا كبيرا .
أكثر ما أعطى المعارضة السورية، صورة ايجابية، داخليا وخارجيا، على صعيد التعاطي مع فترة التحول، ومؤشر على تجاوزها وانفلاتها من المزاج الثوري، هو قرارها استبقاء رئيس حكومة النظام السوري محمد غازي الجلالي، الاستمرار في العمل، وقال قائد المعارضة “منعاً باتاً من الاقتراب من المؤسسات العامة، التي ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السابق محمد غازي الجلالي حتى تُسلَّم رسمياً”، واعلان وزارة الخارجية السورية مواصلة عمل السفارات السورية، وهذه مؤشرات نضج سياسي يعزز امكانية أن تنجح سوريا في تحقيق انتقال سلس واطار توافقي للتغيير السياسي.
لعل المعارضة السورية التي كانت أقامت قبل فترة قصيرة من بدء الجسم الثوري، معرضا الكتاب، ومعرضا للربوتات وابتكارات طلاب المدارس والجامعات، وملتقى لصناع المحتوى الهادف، وهي تتابع تفاصيل اللحظة السياسىية، تستمع الى انشغالات وقلق الشارع العربي المصدوم من اخفاقات تجارب سابقة، من أن تتحول سوريا الى ليبيا، رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية هادي بحيرة رد على هذا السؤال بوضوح، وقال، “نبدد هذا القلق بالمشهد على أرض الواقع فكل شي شفاف، والإعلام يتابع الخطوات التي صارت أولاً بأول، وكيف تبدلت حياة الناس في المدن التي تحررت نحو الأحسن”.
ما يبقى محل تساؤل، هو ما يتصل بصيغة وحدود الحالة الديمقراطية التي يمكن أن يعيد السوريون على أساسها بناء سوريا الجديدة، و حدود تدخل العامل الأجنبي في فرض خطوط معينة، وهذا يجر الى ما هو أكثر صعوبة من ذلك، هو
هوية الدولة الجديدة وعقيدتها السياسية التي ستشتبك مع قضايا ومشكلات الجوار، بمعنى كيف ستفلت سوريا من اكراهات الجغرافيا الحارقة التي تحيط بها من كل جانب، ذلك أن المهندس الدولي يحتاج إلى سوريا الجديدة التي تقطع مع المشروع الإيراني وملحقاته، لكنه لن يغفل عن موقفها من الكيان وحركات المقاومة في فلسطين .
نسخ الرابط تم نسخ الرابط